أتيناك زائرين، يا مَنْ في سحر طلّتك كل جَلال المعشوقة، وفي دهاليز قوامُك ما يستحق القتال!
تسبح في هواها الطائرة، رويداً رويداً تدنو منها وتقترب، فتلمع لرؤيتها العيون، تبدو مشرقةً في إنبساطها على شاطيء البحر الأبيض المتوسط،تخفق لصَبا مُحيّاها القلوب، يتم الهبوط، يصفّق الركّاب. 
أهلاً بكم في بيروت.
نسمةٌ تلفح الأبدان بسحر عجيب، وبسمة على ثغر الغريب والحبيب. 
مدينةٌ من تفاصيل قصص الناس، ما زارها إنسٌ إلاّ إستأنس، هي صورة ترتسم في أعماق الوجدان، بحر هادرٌ ومُستكين على أعتاب ساحلها العامرالموصول بتخوم الجبال،المزدانة بقرى وبلدات هادئة تُخفي تحت قرميدها الأحمر وأشجار صنوبرها كثيراً من العبق ودردشات الجدود وحكايات الخلود. 
*** 
هنا على رصيف هذا الحائط العتيق، الفاصل بين البحر وكورنيش "عين المريسة" حيث ينتشر الصيادون، يلقون شباكهم وصنّاراتهم لإصطياد الأسماك، تماماً كما يُلقي زعماء هذا البلد شباكهم على شعوبهم فينزلقوا في متاهات النزاعات وضروب الأسى واللوعة!. 

إمتداد كورنيش بيروت البحري من المريسة إلى المنارة يختصر حكاية بلد ومدينة، مَنسيّون يبيعون الورد على تقاطع الإشارة، أبراج شاهقة حديثة إلى جانب أبنية مهشّمة لا زال فيها أثر من حرب، مُشرد على ناصية الشارع، شِللٌ شبابية منوّعة تلهو وتُسَولف، أغان طربيّة تنبعث من راديوات بعض السيارات القريبة على إيقاع نسيم بحري عليل، عائلات تلتَمّ إلى بعضها لشيء من الإستجمام وتنفس الصعداء، إمرأة تتشح بالسواد وعلى وجهها علامات حزن وقهر، لعلها فقدت إبناً لها في إحدى حروب لبنان، أناسٌ كثيرون يسيرون، يهرولون، يركضون، يركبون الدراجات، عشاقٌ يَمشون الهُـوَينا وأطفال يلعبون.
*** 
في بيروت ترى وتسمع تراتيل الغرام ولحن الحياة ليل نهار، أجراس الكنائس وأصوات الآذان، تحتضن هذه المدينة مَن هو "مع" إلى مَن هو "ضد"،الأيام هنا تجري في أعنّتها وعلى طبيعتها، هل أروع من أن ترى مدينةً على سجيّتها دون ماكياج! أليس هذا أصفى لقلوب البشر؟ 
في بيروت تعيش كيفما تشاء، تبقى مُرشّحاً للغرام مع كل ومضة عين، لن تُصاب على هذه الأرض بقحط عاطفي، فأمام ناظريْك دائماً لائحة مفتوحة، رفقة وَنيسة، سهر ليلي، فيلم سينمائي، فإن لم يكن فكعكة جبن ٍأو منقوشة زعتر! 
*** 
قالوا أَنّك إستحلْتِ غيمةً سوداء، بؤرة مشاكل، " كبكوبة " خيطان سياسيّة مُعقّدة، 
وسفينة عالقةٌ في عين العاصفة لا تعرف منها مخرجاً إلى بر الأمان!.
نراهم ونسمعهم " ينعقون " كما الـبُوم في عتمة ليل " زمانك ولّى، وهجك راح، وجهك شاخ، شعراؤك ماتوا أو هم يُحتضرون ".
هم "الإِسخَرْيُوطيّون"، أولئك الذين أهدوك مكان الورة سكيناً، ما أبشعهم. 
*** 
يا كل ألوان الطّيْف، بِوابل من رصاص تُرشقين، في صميم جسدك تُصابين، وبعد 
نفاذ " ذخيرتهم " مع الطلقة الأخيرة.. تتمايلين، وترقصين وتضحكين وتفرحين. 
يا ساخرة من قهر العابثين، يا "شغفاً " مكتوباً على الجبين، ولازم تشوفوا العين! 
أنت أنت.. طلّة بهيّة، زهرة ناريّة، طفلة وحشيّة.
صباحك سُكّر يا بيروت، يا " ملحمة هوميروسيّة " لا تموت.
يا سيولة بشريّة هائلة، وفائضاً دائماً في ميزان الضحكات والحريات. 
يا عروس التمرّد الأبدي. 
يا ربيعاً في هجير الشرق، يا فائضة بالحب في كل مكان وزمان.
لستِ فحسب، أغنية وطنيّة نهفو إليك على طنين القنابل والإنفجارات، أنت الروح والهوى والهويّة.
*** 
هكذا هي هذه المدينة الورديّة، مدينة الكنائس والجوامع، مدينة السهر الطويل والمقاهي والعجقة والفوضى " الخلاّقة" والزمامير والدراجات النارية وشلّة الحارة وبوليس الإشارة وأشياء أخرى كثيرة! 
مدينة السياسة والتجارة والمصارف والجامعات والفلسفة والشعر والمسرح والرواية والموسيقى والكلام الكثير واللغات وأشهى المأكولات..
مدينة الموضة وصيحات الجمال والتجميل وآخر الصّرْعات وأحدث التسريحات وفنون الترفيه والحفلات والمهرجانات وسائر صنوف الفرح والإبداع. 
*** 
تستطيع بيروت، بقلقها وتبدّلاتها وثوراتها وصراعاتها، أن تسمّر ملايين البشر من حول العالم أمام شاشات التلفزيون، لكأنها تقع على فوّهة بركان من الأحداث والأخبار العاجلة!. 
وتستطيع أنتَ في بيروت أن تُدهش نفسك، أن تكون أنت، أن تفكر، أن تحلم، أن
تصبح طباخاً أو رئيساً أو عازف غيتار، وأن تكون كل ما هو مُمنوع عليك في غير 
مكان.
وإن جئت زائراً من واشنطن وباريس والرياض وروما ودمشق وعمّان و بغداد أو حتى تورا بورا وطهران فتكاد لا تُمسي إلاّ وأنت من " أهل البيت ".
لا مستحيل تحت شمس بيروت، ورغم التشويش والضجيج وشيء من ممانعة 
" الحضارة " فليس ثمّة روايات مسحوبة ولا مواقع محجوبة على الإنترنت! 
بيروت الحرّة - حتى الآن - رغم كل ما كان، لا تنافس إلاّ نفسها، إنها قَفيرعسلٍ وحريّة 
ومن ذاق عرف!

كاتب وصحافي لبناني 

[email protected]