لاشك أن الأزمات والمعضلات الأمنية والسياسية التي تعانيها منطقة الشرق الأوسط تبدو بحاجة ماسة إلى قرارات "صادمة" ورؤى استراتيجية واضحة تساعد في حسم قرارات الدول والقوى الإقليمية والدولية على حد سواء.
أحد الإشكاليات التي تعانيها المنطقة تتمثل في التباين الحاصل عبر ضفتي الأطلسي حول "تشخيص" أو توصيف التهديد الاستراتيجي الإيراني للأمن والسلم الإقليمي، ثم الاختلاف حول سبل وآليات التعاطي مع هذا التهديد.
هذا التباين كان أحد أسباب إقالة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، الذي كان يبدي ميلاً واضحاً لوجهة النظر الأوروبية في التعامل مع الملف النووي الإيراني.
إيران بدورها تراهن على هذا الخلاف في الإفلات من دفع فاتورة الكوارث والخسائر الناجمة عن سياسات العربدة الإقليمية التي تنتهجها، ويواصل نظام الملالي سياسات التمدد الاستراتيجي في سوريا، بل يخطط للبقاء من أجل الحصول على نصيبه من"كعكة" الغاز والنفط السوري كما قال الجنرال محسن رضائي، أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، الذي أكد أن إيران ستأخذ أضعاف ما أنفقته على نظام الأسد. وفي التفاصيل قال رضائي إن أنفقت 22 مليار دولار على الحرب السورية، وكان يقول هذا الكلام ـ فيما يبدو ـ رداً على المحتجين ومعارضي نظام الملالي، الذي يرفضون اتفاق ثروات الشعب الإيراني في حرب لا ناقة لإيران فيها ولا جمل، ولذا قال رضائي "بعض الأطراف في إيران تردد دائما لماذا أنفقنا أموالنا في سوريا؟".
يرى الجنرال رضائي أن هذا المبلغ (22 مليار دولار) ضئيل مقارنة بما حققه نظام الملالي من مكاسب، لذلك هو يقول "دفاعنا كان إيمانياً وليس ماليا، وفي كل هذه الحرب لم ننفق سوى 22 مليار دولار أمريكي للدفاع عن أنفسنا"! وأكد على استرجاع كل الأموال التي أنفقتها إيران بسوريا قائلا: "إذا أعطينا دولارا واحدا لشخص ما، فإننا سنأخذ ضعفه"، على حد تعبيره.
في ضوء ماسبق، من الضروري التعامل بحسم وصرامة مع تطورات الأوضاع في المنطقة، فلم يعد هناك مجال للتباطؤ أو التعامل وفق سياسة "رد الفعل"، التي كلفت الدول العربية والخليجية الكثير في العقود والسنوات السابقة، لذا فإن استراتيجية "الصدمة" وامتلاك زمام المبادأة والمبادرة كما حدث في اليمن عبر تدخل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، بات يمثل السبيل الوحيد للحفاظ على الأمن القومي العربي.
وبحسب اعتقادي، فإن نهج الصراحة والمكاشفة الصادمة الذي ينتهجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بات ضرورة استراتيجية قصوى سواء لردع إيران عن المضي في ما تخطط له، أو توضيح موقف دول مجلس التعاون والدول العربية تجاه غياب أي استراتيجية غربية فاعلة للتصدي للنفوذ الإيراني.
على هامش جولته الحالية، التي تشمل مصر وبريطانيا والولايات المتحدة، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في حوار مع برنامج 60 دقيقة على شبكة سي بي إس الأمريكية، إن بلاده ستطور وتمتلك سلاحا نوويا إذا امتلكت منافستها الإقليمية إيران قنبلة نووية، وأضاف "لا تريد الحصول على الأسلحة النووية"، لكنه استطرد موضحا "لكن دون شك إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نتبعها في أسرع وقت ممكن".
اهتمت الدوائر السياسية والإعلامية الدولية بهذه التصريحات، وابرزتها وسائل الاعلام كافة، وباتت الرسالة واضحة للجميع وفحواها وأبعادها الجوهرية المهمة، باعتقادي، لا تتمثل في تهديد المملكة بامتلاك السلاح النووي، ولكن في تنبيه القوى الدولية لخطورة الصمت على جهود إيران لامتلاك سلاح نووي. فلم يكن التهديد بامتلاك سلاح نووي هو فحوى أو هدف تصريحات ولي العهد السعودي، فقد أعرب سموه عما يمكن تسميته بإرادة سياسية مشروطة، ولكنها حاسمة قاطعة، بمعنى أنه لو امتلكت إيران سلاحاً نووياً فلن تحول أي قوة دون امتلاك السعودية سلا نووي مماثل.
موقف واضح وصريح ومباشر، وربما صادم، للبعض، ولكنه عقلاني ومنطقي، فإيران ليست دولة عادية يمكن الصمت على امتلاكها سلاح نووي، كما هو الحال بالنسبة للهند أو باكستان، على سبيل المثال، في حسابات الأمن الوطني لدول مجلس التعاون، بل هي دولة ثورية ثيوقراطية مؤدلجة، ترفع شعار تصدير ثورتها وفكرها الطائفي من عام 1979، ولم يستقر نظامها السياسي بعد، رغم كل هذه السنوات، ولم يبد التزاماً بالمبادئ والأعراف والقوانين الدولية التي وقعت عليها إيران عبر الأمم المتحدة، فهو نظام يقود حروب عدة في المنطقة، ويسند لوكلائه الطائفيين مهام نشر الفوضى والاضطرابات في دول عربية يتباهى قادته بالسيطرة على عواصمها!، ناهيك عن تزويده الميلشيات الطائفية في كل مكان بصواريخ باليتسية تهدد الأمن الدول والشعوب!
وقد عبر ولي العهد السعودي في تصريحاته عن ذلك عندما تحدث في هذه المقابلة المتلفزة عن وصفه السابق للمرشد الأعلى لإيران على خامنئي بأنه "هتلر الجديد في الشرق الأوسط"، وقال إنه "يريد التوسع عبر إنشاء مشروع خاص به في الشرق الأوسط يشبه إلى حد كبير مشروع هتلر التوسعي في عصره". وفسر موقفه المباشر بالقول " لم تدرك العديد من الدول حول العالم وفي أوروبا مدى خطورة هتلر حتى حدث ما حدث. لا أريد أن أرى نفس الأحداث تتكرر في الشرق الأوسط".
هي رسالة تدق أجراس الإنذار بقوة للعالم الذي يظهر اختلافاً شديداً حول خطر التوسع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، بمعنى أنها رسالة تستهدف السلام وتسعى لإجراءات استباقية للجم التمدد الإيراني والحيلولة دون إغراق المنطقة في مزيد من الحروب والصراعات.
إن اللغة المباشرة التي يستخدمها الأمير محمد بن سلمان في التعبير عن الخطر الإيراني تختزل كل بواعث الخطر وعوامل الانفجار في المنطقة، وتحتاج إلى قراءة واعية من الأطراف الدولية.
التعليقات