يترقب العالم ما ستسفر عنه الانتخابات التشريعية التي ستجرى في العراق في شهر أيار/ مايو المقبل. وتعتبر هذه الانتخابات هي الرابعة من نوعها منذ عام 2005. وحسب المفوضية العليا للانتخابات فإن عدد الأحزاب والشخصيات السياسية المسجلة للمشاركة في انتخابات عام 2018 قد وصل إلى 204 حزباً وشخصية سياسية، ويظهر هذا الرقم تراجعاً ملحوظاً في عدد الأحزاب والشخصيات السياسية المشاركة الانتخابات المقبلة مقارنةً بالانتخابات التشريعية السابقة. إذ وصل عدد الأحزاب والشخصيات التي سجلت للمشاركة في انتخابات عام 2014 إلى 277 حزباً وشخصية، و297 حزباً وشخصية عام 2010، وإلى 337 حزباً وشخصية عام 2005. وتنضوي أغلب هذه الأحزاب التي تشارك في انتخابات هذا العام، كما في سابقاتها تحت تحالفات تدخل الانتخابات على أسس يغلب عليها الجانب الطائفي والأثني والمناطقي والإيديولوجي، على الرغم من ظهور استقطابات جديدة تحاول تحدي الوضع السياسي القائم، وتتبنى توجهات تدعو إلى تغيير الطبقة السياسية الحاكمة، وإصلاح منظومة الحكم في العراق. كما يلاحظ استمرار الاستقطابات المتأسسة على الاختلافات الشخصية بين بعض القيادات السياسية العراقية.

ويبدو أن الخطاب الشعبوي أصبح يغلب على الساحة السياسية الانتخابية، بما في ذلك خطاب النخبة السياسية الحاكمة. وفي مؤشر واضح على عدم وصول التجربة السياسية العراقية ما بعد 2003 إلى مرحلة نضج كافٍ في تعاطيها مع قضايا البلد، وسط أجواء انتخابية تتصاعد فيها حدة التنافس بين الفرقاء السياسيين. حيث لا يمكن الوقوف على خطابات وبرامج للأحزاب العراقية، يتوفر فيها حد معقول من الخطط أو الرؤى الواقعية التي تعمل على وضع الأمور في العراق في مسارها الصحيح، أو تتبنى حلولاً وأطروحات تعالج بشجاعة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه العراقيين. وتظهر قراءة أولية للأحزاب المشاركة في انتخابات هذا العام أن الشخصيات السياسية التي كانت وماتزال مسيطرة على المشهد السياسي والحكومي خلال الفترة الماضية هي نفسها حاضرة وبقوة في قيادة هذه الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة في الانتخابات.

جدول رقم 1 يوضح عدد الأحزاب والشخصيات السياسية المسجلة للمشاركة في الانتخابات التشريعية العراقية المقبلة

عام

2018

2014

2010

2005

عدد

204

277

297

337

 

المصدر: المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق

تسميات الأحزاب والتحالفات

يختزل اسم الحزب السياسي الكثير من المعلومات عن طبيعة وماهية الحزب. فالاسم ليس عنواناً فحسب، بل يدل على هوية الحزب السياسية والمناطقية والأثنية والدينية، وعلى المنظومة القيمية أو الإيديولوجية التي يتبناها. كما يبين الاسم الأولويات في القضايا التي يعمل الحزب السياسي من أجلها، والشريحة التي يمثلها ويستهدفها انتخابياً. وكذلك يكشف عن موقع تموضع الحزب مقابل منافسيه وخصومه، وطريقة تعامله السياسي المرتقب، وطبيعة العقلية التي تقوده. وبغض النظر عن مدى تطابق أسماء وشعارات الأحزاب العراقية مع هويتها السياسية أو الإيديولوجية التي تتبناها في خطابها وتعاملها السياسي أثناء الانتخابات أو بعدها، وبغض النظر عن نسبية مدلول الكلمة المستخدمة لدى هذا الفصيل السياسي أو ذاك. فإن تحليل الاسم وربطه بالخطاب والسلوك السياسي للحزب يمكن أن يكوّن صورة عن الاستخدام التمويهي للتسمية من قبل الأحزاب للتغطية على الممارسة السياسية لها على الأرض، وبذلك يمكن تكوين صورة عن الثقافة السياسية السائدة للأحزاب العراقية. ويمكن القول بشكل عام أن دراسة اختيار أسماء الأحزاب والتحالفات يعطي مؤشرات على التغيرات الحاصلة في اتجاهات السياسيين والجمهور في العراق وتغير البيئة السياسية في العراق، بما في ذلك نوعية القضايا التي تشغل بال الجمهور العراقي، والاستقطابات السياسية الحاصلة في الساحة السياسية العراقية بشكل عام.

نظرياً يمنح قانونا الأحزاب والانتخابات العراقيان الفرصة لتشكيل عدد غير محدد من الأحزاب التي تستطيع المشاركة في الانتخابات. ويشكل هذا الكم الكبير من هذه الأحزاب بتنوعها فرصة مناسبة لوضع تصور أولي عن شكل الخارطة السياسية العراقية الحالية والمستقبلية.

وعلى رغم الاستقطابات الطائفية الحادة التي يعيشها العراق، إلا أن الأحزاب السياسية العراقية تنأى بنفسها عن اتخاذ تسميات تعكس بوضوح الهوية الطائفية التي تتبناها، وكأن الاعلان الواضح عن الأجندات ذات البعد الطائفي تأخذ وضعاً أقرب ما يكون إلى "التابو" في الثقافة السياسية العراقية. ولكن الكثير من الأحزاب العراقية لا تتحرج عن اختيار تسميات تعكس هويات أثنية أو إيديولوجية وبشكل صريح للغاية. وتسعى الأحزاب السياسية العراقية بشكل عام بما فيها الأحزاب التي تحمل هويات طائفية إلى اتخاذ تسميات وطنية، وتميل الأحزاب ذات الهوية الطائفية الأوضح إلى اتخاذ تسميات إسلامية ايضاً. إذ يبدو أن العناوين الطائفية تحمل معنىً سلبياً في أذهان العراقيين، وعندما تختار الأحزاب تسميات بعناوين وطنية، أو إسلامية فإنها تخاطب الذاكرة الجمعية للعراقيين والتي ما تزال تتفاعل إيجابياً مع العناوين الوطنية والإسلامية بشكل أقوى عما سواها. يضاف إلى ذلك فإن تلك الأحزاب وبسبب ارتباط الاستقطاب الطائفي في العراق بأعمال عنف ما تزال تعصف بالبلد خلال أكثر من عقد من الزمن، فإنها تحاول أن تضع نفسها في اصطفاف لا يرتبط بالعنف على مستوى الاسم على الأقل. كما وتمنح العناوين الوطنية للأحزاب مساحة مناورة في التعاطي السياسي المتصارع في العراق. بمعنى آخر فإن الأحزاب العراقية المختلفة عندما تقوم باتخاذ العناوين الوطنية والإسلامية كتسميات وشعارات، فإنها تسعى إلى صياغة إطار من المشروعية التي يتقبلها الجمهور العراقي. ويبدو أن الجانب الوطني هو عابر للطوائف والأثنيات والإيديولجيا ويدخل في تسميات الكثير من الأحزاب بغض النظر عن اتجاهاتها. ويلاحظ أنه تم تسجيل 58 حزباً يحمل في اسمه كلمة "عراق"، بالإضافة إلى ذلك فقد تم تسجيل 41 حزباً يقترن اسمه بكلمة "وطن" ضمن انتخابات هذا العام. أما التسميات الإسلامية، أو ذات المضامين الدينية الإسلامية فيصل عددها إلى 22 حزباً يحمل تسمية "إسلام" أو كلمات ذات مضامين دينية إسلامية كـ"جهاد"، و"الله" و"دعوة" و "داعي" و"بدر" و"رسالي".

وفي سابقة تميز انتخابات عام 2018، يلاحظ أن عدد الأحزاب السياسية التي أصبحت تضيف كلمة "مدني" و"إصلاح" إلى اسمها قد ازداد بشكل ملحوظ مقارنة بالانتخابات السابقة. حيث يستخدم عشرون حزباً تقريباً تسمية "مدني" أو "إصلاح" هذا العام، فيما لم يتم تسجيل سوى ستة أحزاب فقط تحمل هاتين الصفتين في انتخابات عام 2014. ويبدو أن هذين العنوانين يتماشيان مع المزاج الجماهيري العام ضمن أجواء انتخابات 2018، خصوصاً مع تصاعد المطالب الجماهيرية التي تنادي بإصلاح الأوضاع ومكافحة الفساد. وتعكس تسمية "مدني" الاتجاهات العلمانية في الساحة السياسية العراقية، وتستخدم ضمن الشعارات التي لا تنسجم مع التيارات الاسلامية التي تعتقد بسيادة رجل الدين على الدولة والمجتمع. ويبدو أن عنواني المدنية والإصلاح اكتسبا شعبية إلى درجة أن سليم الجبوري، رئيس مجلس النواب الحالي اختار تسمية "التجمع المدني للإصلاح" لحزبه للدخول في هذه الانتخابات، رغم أنه لا يعرف عنه أنه يتبنى توجهات علمانية.

أما تسمية "ديمقراطية" فترد في أسماء 13 حزباً سياسياً مسجلاً للمشاركة في انتخابات 2018، منها حزبان كرديان، أحدهما هو حزب حاكم في إقليم كردستان، وخمسة أحزاب تمثل أقليات دينية وأثنية، تشمل حزبين إيزديين، وحزبين كلداني وآشوري، وحزباً يمثل الشبك. ويبدو أن الميل لاستخدام تسمية "ديمقراطية" من قبل الأحزاب التي تمثل بعض الأقليات الأثنية والدينية أكثر من سواها، يعكس ما تراه تلك الأحزاب في الديمقراطية من ضمان يقيها من التهميش والإقصاء والاحتواء من قبل التيارات الاجتماعية والدينية والقومية السائدة في العراق. وقد شهدت انتخابات 2005 وهي أول انتخابات تشريعية عامة بعد سقوط النظام السابق تسجيل أكبر عدد من الأحزاب التي تحمل عناوين ديمقراطية في تسمياتها، حيث وصل عددها إلى 35 حزباً، وبشكل عابر للأثنيات والطوائف، وقد عكس ذلك التوجه الشعبي والسياسي السائد آنذاك، الذي كان يتفاعل بشكل إيجابي مع الديمقراطية. 

ويصل عدد الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات المقبلة التي تحمل عناوين "الحرية" إلى أربعة أحزاب فقط، وتؤشر ضآلة العدد فيما يبدو على أن ضمان حقوق المواطنين في ممارسة حرياتهم الشخصية وترسيخ قيم حقوق الإنسان ماتزال في آخر سلّم الأولويات لدى الأحزاب المشاركة في الانتخابات المقبلة. ويلاحظ أيضاً أن تسميات دستور، وقانون، وحق، وعدالة، وشعب ووحدة تأخذ حيزاً أقل من غيرها في تسميات الأحزاب. كما ترد تسمية "عرب" أو "عربي" في أسماء 4 أحزاب سياسية، تقاد كلها من قبل سياسيين سنة.

جدول 2 يبين تكرار الكلمات التي تدخل في تسميات بعض الأحزاب السياسية العراقية خلال الأعوام التي شهدت انتخابات تشريعية في العراق

 

2018

2014

2010

2005

عراق

58

73

99

114

وطن

41

38

66

53

مدني

9

2

0

2

إصلاح

10

7

8

10

إسلام، الله، جهاد، شهيد، دعوة، رسالة

22

22

26

35

ديمقراطية

13

8

19

34

تركمان

10

6

10

9

عرب

5

4

4

8

حرية

4

3

2

17

صدر

0

0

2

3

 

 المصدر المفوضية العليا للانتخابات

شكلت تسمية "تركمان" جزءً من أسماء عشرة أحزاب مسجلة للمشاركة في انتخابات هذا العام. ويلاحظ أن الأحزاب التركمانية تتواجد في أغلب الائتلافات، فهي موجودة ضمن ائتلافات سنية، وشيعية، وعلمانية، ومناطقية، مع وجود تحالف تركماني خالص أيضاً. ولكن المثير للاهتمام أنه لا يمكن ملاحظة إنضواء أي حزب تركماني أو شخصية سياسية تركمانية تحت الائتلافات الكردية، رغم تواجد التركمان في مناطق متنوعة أثنياً، يتواجد فيها الأكراد. كما يلاحظ عدم وجود أحزاب أو شخصيات عربية في الائتلافات الكردية، وعدم وجود أحزاب أو شخصيات كردية في الائتلافات العربية. ويعكس ذلك استقطاباً حاداً على الخط الأثني العربي التركماني مع الكردي.

وتقاد أغلب التحالفات من قبل شخصيات استمدت أو تستمد قوتها السياسية من مواقع قيادية في النظام السياسي العراقي، وتأخذ تسمياتها مما تعتبره نجاحات تحققت تحت سلطتها. فتحالف "دولة القانون" الشيعي، الذي يقوده نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي كان قد أخذ تسميته من سلسلة عمليات أمنية أطلق عليها تسمية "فرض القانون" خلال الأعوام 2006-2009 في عدد من المدن العراقية، وذلك عندما كان رئيساً للوزراء. كما أن رئيس الوزراء الحالي، حيدر العبادي أطلق تسمية "النصر" على التحالف السياسي الذي يقوده، وذلك للنجاحات التي تحققت في عهده بطرد تنظيم داعش من المناطق التي كان التنظيم يحتلها. ويأتي اختيار تسمية تحالف "الفتح" الشيعي الذي يتزعمه هادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر، والقيادي في الحشد الشعبي، على خلفية مشاركة القوى المسلحة للحشد الشعبي في العمليات القتالية ضد تنظيم داعش أيضاً. أما "القرار العراقي" وهي التسمية التي تم اختيارها للتحالف السياسي السني الذي يقوده نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، فتعطي انطباعاً يجمع بين القوة والوطنية، وهما أمران يخاطبان الجوانب النفسية لدى سنة العراق. وتعبر تسمية "سائرون" وهي كلمة غير معرّفة جاءت بصفة الجمع دون أن تحدد وجهة السير عن الاتجاه الشعبوي، والوضع الهجين للتحالف الذي يسيطر عليه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.

من خلال قراءة أوضاع الأحزاب التي ستشارك في الانتخابات القادمة، فإن الخارطة السياسية العراقية في المرحلة المقبلة ستكون أكثر تعقيداً مما هي عليه اليوم. فالتحالفات ماتزال جامدة على خطوط الاختلاف الطائفي والأثني والإيديولجي. يضاف إليها حالة تشرذم متزايدة أصابت القرار السياسي في داخل تلك الطوائف والأثنيات مع تصاعد الحالة الشعبوية بين الجمهور العراقي وأغلب الأحزاب المشاركة في الانتخابات. كل ذلك سيلقي بظلاله على آلية تشكيل الحكومة المقبلة، وطبيعتها، وعلى قدرتها على أداء أعمالها بكفاءة. كذلك فإن أغلب التحالفات والأحزاب تقاد من قبل مسؤولين حكوميين حاليين وسابقين. فرئيس الوزراء، ونواب رئيس الجمهورية، ورئيس البرلمان ونائبه، ووزراء ومسؤولين حكوميين من مختلف القطاعات بما فيها قطاع الأمن، ورؤساء عشائر ورجال دين وقادة مجموعات مسلحة، وأعضاء مجلس نواب حاليين وسابقين، كلهم يقودون أحزاباً وتحالفات رئيسية ستشارك في الانتخابات المقبلة. مما يعني أن الذهنية التي ستدير العملية السياسية في الفترة المقبلة هي نفسها التي أدارت أوضاعاً سياسية اتسمت بالصراع وضعف التوافق والفشل الحكومي والتشريعي خلال المرحلة السابقة. وسيؤدي ذلك بالنتيجة إلى أن يكون النظام السياسي في العراق أكثر هشاشة وضعفاً خلال الفترة المقبلة.