الانتخابات العراقية هي أشبه بالهرج والمرج باستثناء بصيص أمل في العتمة، هو نشاط جيد لقوى التغيير الديمقراطي وان ليس كافيا لتحقيق نجاح مؤزر. ويأبى الفقيه في الحوار إلا أن يشارك العراقيين في المعمعة وكأن الانتخابات ليست عراقية بل إيرانية..
في مقال لي قبل سنوات نشرت مقالاً بعنوان (شكراً لعلي نفيسي) ونفيسي احد مستشاري المرشد الفقيه ، وكان قد صرح علناً بان بغداد عاصمة الدولة الإيرانية الكبرى. وهو ما أثار احتجاجات عراقية علنياً ، شكرت السيد المستشار لأنه كان صريحاً ، وبلا مواربة ، حول تدخل الجارة الإيرانية في شؤون العراق. ومع الانتخابات يقدم علي ولايتي ، المستشار الأقدم، ليهاجم القوى والتيارات اليسارية واللبرالية في العراق ويعتبرها خطراً أكيدا تجب مقاومته... ويأتي مسؤول ثالث بعدهما ليصرح بان إيرانصارت تهيمن على ست دول ، منها العراق.
حين كان خميني في باريس لم يتحدث عن مبدأ ولاية الفقيه ، بل كان يردد للصحفيين الغربيين ، مباشرة او بالواسطة ، بان هدفه ان تكون إيران على غرار بلدان الصحفيين من حيث الحريات. وما ان وصل الى قمة السلطة ، حتى أعلن عن مبدأ الفقيه المرشد الذي ينوب عن الإمام الغائب في حكم المسلمين، وهو مبدأ متأثر بمبدأ حاكمية الله لسيد قطب ويعني ان يكون الحكم لله ومن يمثله على الأرض ، أي الإخوان المسلمون.. وفي اجتماع حاشد أعلن ابن الخميني باسم والده عن مبدأ آخر وهو (تصدير الثورة الايرانية) الذي يعني في الممارسة التدخل في شؤون الآخرين. وهذا أيضامستوحى من الإخوان المسلمين، الذين لا يؤمنون بما هو وطن وشعب ، بل بأمة إسلامية واحدة، والوطن هو حيث يكون المسلمون أكثرية.. ومن هنا قولهم (طز في مصر ومن في مصر) فاندونيسيا المسلمة هي أيضا من الوطن الكبير ، ومسلم اندونيسي يحق له رئاسة مصر بخلاف مسيحي مصري... وبين حاكمية الله وحاكمية الإمام الغائب ، نسب وقرابة في العمل لقيام دولة إسلامية كبرى ، مرة باسم الخلافة وأخرى باسم الإمام الغائب.
ان إيران دولة كبرى ومهمة في المنطقة ، ولشعبها تاريخ حضاري عريق ، وفي بلاد فارس ظهر العشرات من المفكرين والعلماء الكبار الذين اثروا الحضارة الإسلامية ، وظهر أدباء ترجمت أعمالهم الى اللغات العالمية ، من أمثال حافظ وسعدي والخيام ، ان هذا البلد في حاجة الى نظام ينخرط مجددا في مسيرة التقدم المعاصر، نظام مسالم ويتعايش مع الجميع ويضع همّه تحسين أحوال شعبه والمساهمة في صيانة الأمن والسلام في المنطقة والعالم. ان عظمة الدول ليست توسيع رقعتها ، ولا في تطوير كل أنواع السلاح، ولا في خلق الأزمات ، ولكم نتمنى لو حدثت هناك تطورات ايجابية في هذا الطريق، لتعود الجارة الشرقية الى إحدى حاملات مشاعل التقدم والسلام.
التعليقات