لا تشبه الديموغرافيا السورية مثيلاتها من الدول العربية التي طالها الربيع العربي، فتختلف الحسابات بين أقليات دينية خائفة ومتمسكة بمكاسبها الحالية، وبين أكثريات تسعى لتثبيت قواها في مواجهة محتملة مع ايران، في وقت يشكل السيناريو العراقي المثل الأسوأ لأي إخفاق في الحسابات الحساسة.


الثورة السورية مختلفة

لندن: يُعزى انسداد الأفق أمام التوصل الى حل قريب للأزمة السورية وما يكلفه ذلك من أثمان باهظة في الأرواح قبل ان ينتهي النزاع ، الى ان نظام الرئيس بشار الأسد يخوض حربا تختلف اختلافا كبيرا عن الحرب التي كانت في تصور العديد من خصومه.

وبنظر غالبية الدول العربية والقوى الغربية والكثير من السوريين، فإن الأسد دكتاتور محكوم عليه بالسقوط، يستميت في استخدام القوة للتشبث بسلطة يعلم انه لن يتمكن من ممارستها بتفويض ديمقراطي.

ولكن بنظر الأسد ، والأهم من ذلك بنظر قاعدته من الطائفة العلوية، فان هذا صراع وجودي ضد عدو طائفي لدود.

وإذا كانت غالبية السوريين تناضل من اجل حقوقها وكرامتها فان الأقلية الحاكمة تقاتل لتفادي ما آل اليه مصير السنة بعد سقوط دكتاتورهم صدام حسين، بحسب مجلة quot;تايمquot; التي أشارت الى ان ما يجري في حمص يتحدث عن المنحى الذي قد يتخذه النزاع.

ففي الوقت الذي تواصل قوات النظام حصد الأرواح بالجملة نتيجة قصف حي بابا عمرو وغيره من الأحياء السنية التي تسيطر عليها المعارضة، يقول سكان في المناطق العلوية المجاورة ان الثوار ينتقمون من هجمات النظام باطلاق قذائف هاون على أحيائهم.

وتذهب الرواية الى ان علويي حمص ساخطون لأن النظام لم يسحق الانتفاضة بالقوة المطلوبة، متهمين الأسد بالخوف من التدخل الخارجي لمحق قوات الثوار بالقسوة التي عُرفت عن والده.

قد تكون هذه الرواية صحيحة أو انها مجرد دعاية هدفها تكريس مخاوف العلويين، وأياً يكن الأمر فانها تعكس الخوف الدفين من الانتقام الطائفي في أوساط الطائفة العلوية التي تشكل الركن الأساسي لقاعدة النظام.

وبحسب بعض التقديرات فإن لدى كل عائلة علوية فردا واحدا على الأقل يعمل في الأجهزة الأمنية، وان الطائفة تهيمن على رافعات السلطة الحقيقية.

وبصرف النظر عن نظرة العلويين الى الأسد فإن الكثير منهم مستعدون للقتال من أجل الحفاظ على نظام حكم الأقلية الذي يقوده، اولا وقبل كل شيء خوفا من البديل، على حد تعبير مجلة quot;تايمquot;.

تقسيم العراق وهجرة المسيحيين

السيناريو العراقي

ويشكل العرب السنة ثلثي سكان سوريا على اقل تقدير فيما يحكم البلد نظام سلطوي يتحكم به افراد من الطائفة العلوية التي تشكل نحو 12 في المئة من عدد السكان.

ولكن نظام الأسد لا يصور نفسه حامي مصالح العلويين فحسب بل ومصالح المسيحيين (10 في المئة) والاكراد (10 في المئة) وطوائف أصغر من الدروز والازيديين والاسماعيليين والشركس ضد شبح جماعة الأخوان المسلمين السنية الطائفية.

وبالتالي لا غرابة في ان النظام باستراتيجيته الدموية نفسها عمل على دفع الانتفاضة ضد حكم الأسد باتجاه حرب اهلية طائفية، ويمكن القول ان خيار الأسد هو تضييق البدائل وإرغام الأقليات على تأييد نظامه أو الوقوف موقف الحياد خوفا من البديل.

وستكون صورة سوريا الديموغرافية ناقصة من دون الإشارة الى وجود نحو 1.2 مليون لاجئ عراقي يشكلون نحو 5 في المئة من سكان سوريا، ويشكل وجودهم شهادة على الفوضى الطائفية التي اطلقها سقوط صدام حسين بالغزو الاميركي، عمَّق توجسات الكثير من السوريين بمن فيهم النخبة السنية العلمانية في المدن ، من عواقب الانتفاضة المسلحة أو التدخل الخارجي لإسقاط الأسد.

وثلثا اللاجئين العراقيين هم من العرب السنة و10 في المئة مسيحيون، والدرس الصارخ بالنسبة إلى الأقليات السورية، يتمثل في ان واحد من بين كل سبعة مسيحيين كانوا يعيشون في العراق في عام 2003، هو الآن لاجئ في سوريا، والباقون طائفة محاصرة.

وحتى في مصر الديمقراطية الجديدة تشعر الأقلية المسيحية بالاستهداف من جانب الاسلاميين الذين عُقد لهم لواء النصر.

وبالنسبة إلى العلويين، فإن مصير سنة العراق نذير شؤم بما ينتظرهم، وحتى في أحسن الأحوال فإن سوريا الديمقراطية ستنحي النخب العلوية عن هيمنتها على الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة.

وبحسب quot;التايمquot;، الاحتمال الأقرب في ذهنهم هو الانتقام الدموي الذي أُنزل على سنة العراق ومن هنا ولاء الأجهزة الأمنية الأساسية لمشروع إبقاء الأسد في السلطة.

الحسابات العربية

وما يحدث من انشقاقات في صفوف الجيش يحدث بين المجندين السنة الذين لم يعتمد عليهم النظام ذات يوم لحماية نفسه من المعارضة الداخلية.

وما كان الأسد ولا كثير من افراد الطائفة العلوية التي يتحدث النظام باسمها ليجدوا حافزا يدفعهم الى قبول خطة الجامعة العربية التي تدعو الى تنحيه تمهيدا لعملية انتقال ديمقراطي.

ويضاف الى ذلك ان الحقيقة الماثلة، في ان رد الجامعة العربية مدفوع بأنظمة خليجية ملكية ليست تماما من نمط الديمقراطية الجفرسونية، من شأنها ان تعزز الميل في دمشق الى قراءة تحرك الجامعة العربية من منظار الحرب الباردة بين العربية السعودية وايران.

وأشارت المجلة الى ان السعوديين شاهدوا الاستعاضة من حليف مشاكس مثل صدام حسين بحكم شيعي متحالف مع ايران في بغداد، ولديهم الآن فرصة للاستعاضة من نظام حكم شيعي متحالف مع ايران في دمشق بحلفاء لهم.

وفي هذا السياق يأتي ما كتبه رئيس جهاز الموساد السابق افريم هالفي الذي اعتبر ان اسقاط نظام الأسد اصبح المهمة ذات الأولوية لجميع من يريدون الوقوف بوجه ايران.

الرئيس السوري بشار الأسد وشقيقه ماهر في أعلى هرم السلطة

استراتيجية الأسد

وبدلا من الرحيل بهدوء اختار النظام السوري وقاعدة الموالين له القتال ظنا بأنهم حتى إذا لم يتمكنوا من النصر بعد الصلابة التي ابدتها الانتفاضة في نحو سنة من البطش، فانهم سيخرجون متعادلين، على الأقل بمعنى مجيئهم الى الطاولة وبيدهم اوراق حاسمة حين يجري التفاوض بشأن حل سياسي بدلا من استبعادهم في عملية انتقال ديمقراطي.

وربما تخلفت خطة الجامعة العربية الداعية الى تنحي الأسد وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى اجراء انتخابات جديدة، عن الأحداث على الأرض التي تبدو أقرب الى الأيام الأولى للحروب التي اسفرت عن تفكيك يوغسلافيا السابقة منها الى انتفاضات مصر أو اليمن أو ليبيا.

وكانت حروب ميلوشيفيتش أدت بالطبع الى تدخل حلف شمالي الأطلسي تدخلا محدودا، ولكن بما يكفي لجره الى طاولة المفاوضات بعد اربع سنوات من القتال.

وقد يأمل الأسد بمحاكاة ميلوشيفيتش على الأقل في حدود التمكن من فرض نفسه على أي معادلة لتحقيق السلام.

وتشجع روسيا الأسد على التحادث مع المعارضة لإنهاء العنف لا التنحي، وإن كان من المستبعد ان يبدي استعدادا لتقديم شيء يمكن ان تقبله المعارضة في هذه المرحلة، فان الذين حملوا السلاح لمواجهة دبابات النظام يرونها معركة حتى النهاية.

أفراد من المعارضة السورية المسلحة

من يسلح المعارضة؟

ولكن رغم الطريق المسدود فان احتمالات التدخل العسكري الخارجي تبقى ضئيلة، وتأمل القوى الغربية التي فقدت شهية الانخراط في حرب اهلية عربية أخرى، بأن تتولى تركيا أو الشركاء العرب التصدي لهذا التحدي، ولكن حتى هؤلاء مترددون إزاء التورط المباشر في ما قد يكون مستنقعا خطيرا، رغم ان الضغوط قد تشتد لاعتماد أشكال محدودة من التدخل بهدف تقوية الثوار واضعاف النظام.

والأرجح الأن تكثيف الجهود المكشوفة أو السرية، لتسليح قوى المعارضة من اجل التوصل الى قدر من الندية على الأرض.

ولكن حتى هذا احتمال محفوف بالمخاطر نظرا لانقسام المعارضة التي تفتقر الى هيكل قيادي واضح وذي مصداقية.

وقد تسبق ذلك مساع لتنظيم الانتفاضة بحيث تكتسب شكلا متماسكا، وبالتالي فان تسليح الثوار يفترض حربا مديدة بدلا من علاج سريع، وإذا تقدمت دول الخليج الى موقع الصدارة في تسليح الثوار فان ايران ستفعل ما بوسعها، بمساعدة من حلفائها في بغداد، لتدعيم النظام.

وقد تحل فترة مديدة يختبر فيها كل طرف قدرة الآخر على استيعاب الضربات قبل ان يصبح أي حل سياسي بديلا أفضل بالنسبة للطرفين على السواء، كما تخلص مجلة quot;تايمquot;.