اتفق العراق وتركيا على إنهاء حال الجمود في علاقاتهما وبدء صفحة جديدة من التعاون، حيث أكدت أنقرة استعدادها للتنسيق استخباريًا مع العراق لمكافحة الإرهاب. فيما اتفق المالكي وأوغلو على إنهاء حال الجمود في علاقات البلدين.. بينما أقرّ زيباري بخلافات مع تركيا حول الأزمة السورية، لكنه أكد اتفاقهما على الانتقال السلمي للسلطة فيها، فيما نفى أوغلو وجود قواعد لتدريب مسلحي القاعدة في بلاده.


أسامة مهدي: أكد المالكي خلال اجتماعه في بغداد اليوم مع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أن العراق يريد علاقات طيبة مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية مع كل دول العالم، لاسيما دول الجوار.

اتفاق على طيّ صفحة الجمود
وقال إن ظروف المنطقة تستدعي التعاون والتشاور وإقامة علاقات ثنائية متينة، لكي تكون قاعدة صلبة للتعاون على صعيد المنطقة.
ورحّب رئيس الوزراء بالتطورات الحاصلة على صعيد العلاقات العراقية التركية. وأضاف أن الشعبين تلقيا هذه التطورات بإيجابية، داعيًا إلى علاقات ثنائية ثابتة ومستقرة بين البلدين.

وأوضح quot;نحن نريد علاقات بين دولتين متكافئتين تقوم على أسس متينة ودائمة، بحيث تبقى مستمرة مع تبدل الأشخاص والحكوماتquot;. وأشار إلى quot;أن هناك آفاقًا واسعة جدًا للتعاون والتنسيق، ولدينا القدرة للمضي معًا في هذا الطريق، خصوصًا في مجال مكافحة الإرهاب وتثبيت الأمن والاستقرارquot;. مؤكدًا أن العراق يتبنى سياسة متأنية في المنطقة بعيدًا عن التوتر والانفعال.

من جانبه، شدد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو على ضرورة التعاون والتنسيق بين البلدين على كل المستويات، خصوصًا في ما يتعلق بالتطورات الجارية في المنطقة، داعيًا إلى تفعيل عمل اللجان المشتركة بين البلدين تمهيدًا لزيارة المالكي المرتقبة إلى تركيا. وندد أوغلو بالأعمال الإرهابية التي يتعرّض لها العراق. وقال إن أي هجوم على العراق يعد هجومًا على تركيا، مضيفًا بأن تركيا على استعداد للتعاون والتنسيق مع العراق حتى على الصعيد الاستخباري.

وأكد وزير الخارجية التركي أن العراق وتركيا يقفان ضد إثارة النعرات الطائفية في المنطقة، داعيًا إلى تعاون إقليمي أوسع في هذا المجال. وأكد على ضرورة مضاعفة التشاور الثنائي في ما يخص تطورات المنطقة، لاسيما الشأن السوري. وكان الوزير التركي وصل إلى بغداد في وقت سابق اليوم لبدء مرحلة علاقات متطورة بين البلدين، تطوي صفحة أزمة شهدتها على مدى العامين الأخيرين والتمهيد لزيارات متبادلة بين رئيسي حكومتي البلدين المالكي وأردوغان.

الخزاعي واوغلو
ثم بحث أوغلو مع نائب الرئيس العراقي خضير الخزاعي تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث أكد المسؤول العراقي جدية العراق في إقامة أفضل العلاقات الثنائية مع تركيا، وضرورة فتح صفحة جديدة من العلاقات، ونسيان الخلافات التي طرأت على العلاقات التاريخية بين البلدين.

كما أشار الدكتور الخزاعي إلى المشتركات الكثيرة التي تربط العراق بتركيا من قبيل الجوار الجغرافي وأواصر الأخوة التي ستكون منطلقًا لبناء أفضل العلاقات في جميع المجالات وعلى الصعد كافة. مؤكدًا أن العراق بلد غني، ويرغب في أن تكون تركيا شريكًا أساسيًا في العلاقات الاقتصادية، ويرغب في الاستفادة من التجربة التركية الرائدة.

من جهته، قال أوغلو إن للعراق مكانة مميزة لدى تركيا، وإن بلاده تؤمن بضرورة إقامة أفضل العلاقات مع العراق، لأنه سيكون رسالة قوية لقوى الإرهاب، وترى أن استقرار العراق هو من استقرار المنطقة، مشيرًا إلى أن إقامة علاقات اقتصادية بين البلدين ستحقق قفزة نوعية في التكامل الاقتصادي بينهما.

بحث الأزمة السورية
وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع أوغلو، أقرّ وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري بخلافات مع تركيا حول حل الأزمة السورية، لكنه أكد اتفاقهما على انتقال سلمي للسلطة فيها، بينما وصف أوغلو بشار الأسد بأنه أكبر ظالم في التاريخ.

وقال زيباري إنه أجرى مباحثات مفيدة ومثمرة مع نظيره التركي، وضعت أسسًا لتطوير علاقات البلدين ونقلها من حال الجمود التي تشهدها إلى آفاق جديدة. وأشار إلى أنهما اتفقا على توسيع العلاقات التجارية والاقتصادية من خلال تطوير شبكة المواصلات الجوية والبرية وخاصة خطوط السكك الحديدية.. وكذلك إعادة تفعيل لجنة الحوار السياسي والدبلوماسي بين البلدين وتنشيط أعمال اللجنة الوزارية العليا المشتركة برئاسة رئيسي حكومتي البلدين.

وأوضح أن أوغلو قدم دعوة للمالكي من أردوغان إلى زيارة تركيا سيقوم بها قريبًا. وقال إن حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا يبلغ الآن 12 مليار دولار، وهناك خطط للارتفاع به إلى مديات أعلى وتوسيع العلاقات في مجالات الطاقة والنفط والزراعة والصناعة.

وحول الأزمة السورية أشار زيباري إلى أنه بحث مع أوغلو تداعياتها على دول المنطقة، وخاصة على العراق وتركيا، وأقرّ بوجود خلافات بين البلدين لحل هذه الأزمة، لكنه أوضح أنهما يؤيدان انتقالًا للسلطة هناك. وأشار إلى أن العالم أيقن بصعوبة الحل العسكري في سوريا، وأن الحل الأمثل لأزمتها هو بعدم عسكرة النزاع، وإنما الدخول في حوار بين المعارضة والنظام.

واضاف أن العراق وتركيا متفقان على عدم حصول فوضى في سوريا أو انتقال تداعيات ازمتها الى دول الجوار. وقال إن لتركيا علاقات مع المعارضة السورية، وللعراق علاقات مع النظام والمعارضة، ويمكن ان يتعاونا رغم خلافاتهما حول الحل من اجل انتقال سلمي للسلطة هناك، لانهما متفقان على دعم هذا الانتقال والعمل من اجله. واكد أن العراق لن يسمح باستخدام اجوائه واراضيه لعبور السلاح الى سوريا، وقال إنه مستمر في تفتيش الطائرات الايرانية والسورية المتجهة الى سوريا انطلاقًا من موقف بلاده الرافض لعسكرة النزاع، لأن هذا سيؤدي الى سفك المزيد من الدماء.

واشار زيباري الى أنه لم يبحث مع نظيره التركي قضية تبادل المطلوبين، في اشارة الى نائب الرئيس العراقي السابق المحكوم بالإعدام طارق الهاشمي المقيم في تركيا.. أو بحث قضية المياه المشتركة، لكنه اوضح أن اللجان الوزارية المشتركة يمكن أن تناقش هذه المسائل خلال اجتماعاتها المقبلة.

من جهته، اشار اوغلو الى أنه بحث مع زيباري تفعيل خارطة طريق متفق عليها لتطوير علاقات البلدين من خلال لقاءات وزارية مرتقبة. وشدد على وقوف بلاده ضد كل من يريد اثارة الطائفية في العراق ودعمها له استخبارياً لمواجهة الارهاب. ونفى بشدة وجود أي قواعد على اراضي بلاده لتدريب مسلحي القاعدة أو أي منظمات ارهابية أخرى.

واشار الى أنه ليست لتركيا أية علاقة مع المجموعات الارهابية التي تتسلل الى سوريا، مؤكداً أن النظام السوري هو الذي فسح المجال لهذه الجماعات للدخول الى سوريا. وشدد على أن النظام في سوريا هو من اكبر المتدخلين في شؤون المنطقة. واوضح أنه كان زار العراق قبل 4 سنوات للتوسط بينه وبين سوريا اثر اتهامه لها بالضلوع في التفجيرات الارهابية التي يشهدها.

واضاف quot;اليوم اقول إن العراق كان محقًا في اتهاماتهquot;. واشار الى أن النظام السوري يقف وراء الكثير من الاعمال الارهابية في العراق ولبنان.. وشدد بالقول إن التاريخ لم يرَ ظالمًا مثل بشار الاسد، الذي يقصف مدن بلاده بالطائرات والمدفعية، ويقتل سكانها بشكل جماعي.

وقال اوغلو إنه ناقش مع زيباري تداعيات الازمة السورية على دول المنطقة التي تمر حاليًا بمرحلة حرجة. واوضح أن تركيا والعراق من اكثر الدول المتأثرة بهذه الازمة، ولذلك فهما يسعيان إلى مشاركة مختلف هذه الدول في مؤتمر جنيف 2.

وعن موضوع المياه المشتركة، اكد اوغلو أن هذه القضية ليست مجالًا للمقايضة، لأن تركيا لها الرغبة في استفادة العراق من المياه التي تنبع من تركيا.. مؤكدًا عدم وجود خلاف حول هذا الامر، وانما اتفاق على آليات لتقاسمها. وحول الاتفاقات النفطية التركية مع حكومة اقليم كردستان واعتراضات بغداد عليها، اوضح اوغلو أن هذه الامور قد حلت بين جميع الاطراف.

وبدأ وزير الخارجية التركي زيارته الى بغداد على رأس وفد رفيع المستوى في زيارة رسمية تستغرق يومين تلبية لدعوة رسمية من نظيره العراقي هوشيار زيباري لوضع اسس لتطوير علاقات البلدين ودفعها الى الأمام، وطيّ ازمة شهدتها على مدى العامين الاخيرين، وبحث الازمة السورية وتأثيراتها السلبية على البلدين ومؤتمر جنيف 2، كما يلتقي ايضا رئيس مجلس النواب اسامة النجيقي لبحث تطوير العلاقات البرلمانية الثنائية. وسيلتقي أوغلو ايضًا بعدد من قادة الكتل السياسية، ويقوم بزيارة الى العتبات المقدسة في كربلاء، قبل التوجه الى النجف، حيث يتوقع أن يلتقي مع المرجع الشيعي الاعلى في العراق آية الله السيد علي السيستاني.

وستضع زيارة الوزير التركي ترتيبات لزيارات متبادلة بين رئيسي الحكومتين العراقي نوري المالكي الى انقرة والتركي رجب طيب أردوغان الى بغداد قريبًا. وتأتي زيارة أوغلو هذه بعد مرور يومين على تقرير أشار إلى أن تركيا وحكومة إقليم كردستان العراق توصلتا إلى اتفاق شامل بشأن الطاقة يشمل تراخيص بشأن النفط والغاز الطبيعي وإقامة خط أنابيب لنقلهما من شمال العراق إلى تركيا. ويعتبر هذا الاتفاق مثيرًا للجدل، لأن الحكومة المركزية العراقية والحكومة الإقليمية لم يحلا مشكلتهما المتعلقة باقتسام العائدات.

وكان أوغلو أعلن في مقابلة تلفزيونية الجمعة الماضي أن بلاده لا تتجاهل خلال الاتفاقيات، التي جرى إعدادها بين انقرة واربيل، حقوق الحكومة المركزية أو تلغي حقوقها القانونية والدستورية.. بعد ذلك سوف نناقش كل هذه الأمور مع العراق. واشار الى إن سياسة تركيا تتمثل في الاهتمام بكل موارد العراق من الطاقة، وليس التركيز فقط على موارد الطاقة في شمال العراق.. موضحًا أن نقل موارد الطاقة العراقية عبر تركيا يخدم في الحقيقة مصالح الشعب العراقي. واعتبر أن الفتور الحالي في العلاقات الثنائية سببه الرئيس التوتر الداخلي في العراق.

وفي 24 ايلول/سبتمبر الماضي اتفق نائب الرئيس العراقي خضير خزاعي مع الرئيس التركي عبد الله غول على تشكيل لجنة برئاسة وزيري خارجيتي البلدين لاعادة العلاقات المشتركة الى طبيعتها وانهاء الملفات العالقة التي تعوق تطورها وازالة التوتر الحاصل في العلاقات ثم العمل على تطويرها.

وكان العراق وتركيا اتفقا خلال زيارة رسمية قام بها الى انقرة رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي في مطلع ايلول/سبتمبر الماضي على بدء صفحة جديدة من العلاقات الطيبة وتجاوز الازمة التي تمر بها، والبدء بتبادل زيارات لوزيري خارجيتيهما، الا أن الخلافات حول الازمة السورية ووسائل حلها ظلت قائمة بين البلدين.

وشهدت العلاقات بين البلدين توترًا على خلفية الازمة السورية خصوصًا، اذ ترفض بغداد تسليح المقاتلين المعارضين في سوريا وتدعو الى حل سياسي للنزاع الدامي فيها.

وخلال اجتماع مغلق استمر 45 دقيقة ابلغ النجيفي اردوغان رسالة شفهية من المالكي تؤكد الرغبة في البدء بفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، إضافة إلى ضرورة العمل على حل الأزمة السورية بالطرق السلمية حفاظًا على أمن دول الجوار.

وتوترت علاقات البلدين اثر اتهام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في العام الماضي المالكي بالسعي إلى إثارة حرب أهلية في العراق.. فيما رد المالكي على ذلك، ناصحًا اردوغان بتركيز اهتمامه rlm;على أوضاع بلاده quot;المتجهة نحو حرب أهليةquot;، داعياً إياه إلى الكف عن زج أنقرة في rlm;مشاكل جميع دول المنطقة، فيما أكد أن quot;وعيquot; الشعب العراقي سيمنع وقوع أي حرب أهلية.

وزادت العلاقات بين بغداد وأنقرة توتراً بعدما رفضت تركيا تسليم نائب رئيس rlm;الجمهورية العراقي طارق الهاشمي، الذي صدر بحقه حكم غيابي بالإعدام، بعدما أدين بجرائم قتل وبلغت ذروتها بمنحه إقامة دائمة على أراضيها.