فاق حجم العنف والدمار في سوريا نظيره في العراق، نسبة إلى عدد سكان سوريا الذي يبلغ ثلثي مثيله في العراق. ورغم أن أزمة اللاجئين السوريين لم تصل بعد إلى الحجم الذي وصلته نظيرتها في العراق، إلا أنها تقترب من ذلك بوتائر متسارعة.


كانت سنة 2006 سنة رعب خالص على العراق وأهله. وكان من الصعب تخيل منحى أسوأ يمكن أن تتخذه الحرب في هذا البلد النازف. إذ شهدت أنحاء العراق أعمال عنف طائفية مروعة استهدفت مكونات الشعب العراقي بلا استثناء، فيما شنّ فرع تنظيم القاعدة في العراق سلسلة من التفجيرات الانتحارية ضد مراقد وأحياء شيعية تحديدًا.

وفي 22 شباط/فبراير 2006 فجّرت عبوة ناسفة القبة الذهبية للحضرة العسكرية في مدينة سامراء. ورغم أن أحدًا لم يُقتل في عملية التفجير فإن أكثر من 1000 شخص قُتلوا في اليوم الأول فقط من العنف الطائفي، الذي أطلقه ذلك الهجوم.

في هذه الأثناء، كانت الميليشيات الشيعية، المدعومة من إيران، تدحض إدعاءات الحكومة العراقية بممارسة السلطة على العراق من خلال سيطرة هذه الميليشيات على مناطق واسعة ومهاجمة القوات الأميركية التي حاولت منعها.

ويبين مؤشر العراق لمعهد بروكنز أن 36591 من المدنيين العراقيين وعناصر الأمن قُتلوا نتيجة أعمال العنف في ذلك العام. وقُتل 3902 من المسلحين في مواجهات عسكرية، بحسب الأرقام، التي نشرتها قيادة التحالف الدولي في العراق. ويعني هذا أن 3374 عراقيًا في المتوسط كانوا يُقتلون كل شهر أو نحو 111 عراقيًا في اليوم.

سوريا تضاهي العراق عنفًا
ولكن الدمار، الذي أنزله النزاع السوري، فاق هذا المستوى المروّع من العنف. وتقدر الأمم المتحدة أن 70 ألف شخص قُتلوا في سوريا خلال الأشهر الأخيرة. ويقول مركز توثيق الانتهاكات الموالي للمعارضة إن ما متوسطه 4472 سوريًا يُقتلون شهريًا منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي. ويعني هذا أن 149 سوريًا في المتوسط يُقتلون يوميًا.

ويبلغ عدد سكان سوريا زهاء ثلثي سكان العراق بقرابة 22 مليون نسمة، مقارنة مع نحو 31 مليونًا هم سكان العراق. بكلمات أخرى فإن الضحايا السوريين يستنزفون جماعة سكانية أصغر بكثير.

لم تصل أزمة اللاجئين السوريين إلى الحجم الذي وصلته نظيرتها في العراق، ولكنها تقترب من ذلك بوتائر متسارعة. وكانت موجة اللجوء في العراق بلغت ذروتها في حوالى عام 2007 عندما تسبب إرسال قوات أميركية إضافية إلى العراق في نزوح مزيد من العراقيين. وتبيّن أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن عدد اللاجئين العراقيين بلغ في تلك الفترة نحو 2.2 مليون لاجئ.

وفي 6 آذار/مارس من هذا العام، بلغ عدد السوريين، الذين طلبوا تسجيلهم لاجئين لدى المفوضية، بلغ حد المليون، وكان اللاجئ السوري رقم مليون أماً في التاسعة عشرة من العمر، اسمهما بشرى، هربت من مدينة حمص إلى لبنان، بحسب مجلة فورين بولسي. ومنذ 6 آذار/مارس نزح 165 ألف سوريًا آخر خارج البلاد. وفي 10 آذار/مارس قالت المفوضية إن عدد اللاجئين السوريين يمكن أن يتضاعف مرتين أو ثلاث مرات بحلول نهاية 2013 إذا لم يُحل النزاع.

غزو العراق مهد لصراعات المنطقة
وبعد 10 سنوات على الغزو الأميركي للعراق من الصعب ألا يلاحظ المرء تداعياته في الشرق الأوسط عمومًا. فهو حدد شكل الاحتقانات الطائفية المتصاعدة في عموم المنطقة العربية، وكان بمثابة الجبهة الأمامية في نزاع الولايات المتحدة وإيران بتحول العراق إلى ساحته المباشرة. كما تسبب الغزو في تغيير المشهد السياسي في دمشق وبيروت.

وبعد عامين على اندلاع الانتفاضة السورية، يبدو أن الحرب الأهلية المستعرة في سوريا تتجه إلى تحديد شكل العقد المقبل في الشرق الأوسط، بدرجة لا تقلّ عن تحديد حرب العراق شكل العقد السابق، كما ترى مجلة فورين بولسي.

استقلال الكرد
وإذا تفككت سوريا في هذه الأثناء، فإن تداعيات تفككها لن تقتصر على تصعيد النزاع الطائفي. ففي الشمال يبدو الكرد ماضين إلى اقتطاع منطقة تتمتع باستقلال ذاتي في واقع الأمر، ومنها يستطيعون الانطلاق للكفاح من أجل السلطة مع قوات المعارضة السورية أو حتى شنّ هجمات داخل تركيا.

وفي الجنوب، طرحت قضية جنود الأمم المتحدة، الذين خطفهم مقاتلون من المعارضة السورية لمدة أربعة أيام، إمكانية انسحاب القوة الدولية لحفظ السلام في هضبة الجولان. وهو احتمال إذا تحقق سيفتح الباب لتدخل إسرائيل.

وبالطبع فإن جماعات متطرفة، مثل جبهة النصرة، التي تسيطر على رقعة واسعة من الأرض، ولديها أسلحة ثقيلة، يمكن أن تحافظ على هذه الملاذات الآمنة في حال سقوط الأسد. ومن المرجّح أن يسفر هذا عن إيصال الحرب على الإرهاب إلى عتبة دمشق.

قبل عشر سنوات، حين كانت قوات الجنرال ديفيد بترايوس تندفع عبر الصحراء باتجاه بغداد، أعلن القائد العسكري الأميركي quot;قولوا لي كيف ينتهي هذاquot;.