كشفت رسائل الكترونية لشركة quot;ديلquot; أن النظام السوري حاول تجنب التغيير الديمقراطي عبر استخدام وكلاء للالتفاف على العقوبات، فاشترى معدات حاسوبية وكمبيوترات لخنق المعارضة ورصد نشاط الانترنتquot; وتعقب المناوئين لنظام الأسد.


استورد النظام السوري كميات كبيرة من الكومبيوترات المصنَّعة في شركة ديل الأميركية عن طريق شركة توزيع مقرها في دبي رغم العقوبات الاقتصادية والتجارية الصارمة بهدف منع تصدير التكنولوجيا إلى النظام، كما أظهرت وثائق حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز.

يأتي الكشف عن بيع الكومبيوترات للنظام دليلًا آخر على تمكنه من امتلاك معدات تكنولوجية، يستخدم بعضها لمراقبة نشاط المعارضة على الانترنت وتعقب المناوئين لنظام الرئيس بشار الأسد.

عبر وسيط
تبيّن الرسائل الداخلية على البريد الالكتروني للشركة الأميركية والتحويلات المالية وإيصالات البيع وأوراق الشحن أن الشركة التي باعت الكومبيوترات إلى النظام السوري هي شركة quot;بي دي أيل غلفquot;، التي تعتبر أكبر شركة توزيع تتعامل بالكومبيوترات في الشرق الأوسط، وهي الوكيل المخوّل لشركة ديل في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتعيد بيع كومبيوترات من إنتاج شركات أخرى، مثل سامسونغ وإيسر.

وباعت quot;بي دي أيلquot; الكومبيوترات إلى شركة quot;أنس حسون التجاريةquot; في دمشق بموجب عقود تنص على تزويد الحكومة السورية بالكومبيوترات، كما تبيّن الفواتير والرسائل المتبادلة بين الشركتين عبر البريد الالكتروني.

وأكد جيس بلاكبرن المتحدث باسم شركة ديل في تكساس لصحيفة نيويورك تايمز أن شركة quot;بي دي أيلquot; مخوّلة بتسويق كومبيوتراتها، وقال إن مصدرًا مجهول الهوية لفت أخيرًا انتباه الشركة إلى شحن معدات من إنتاج ديل إلى سوريا.

خرق للعقوبات
وأوضح بلاكبرن quot;نحن نحقق في ادعاء تلقيناه أخيرًا يفيد بضلوع شركة quot;بي دي أيلquot; في صفقة محتملة تتعلق بسوريا، وأن شركة ديل تقتضي من المخوّلين بإعادة بيع منتجاتها أن يتبعوا شروط التجارة الأميركية، مثلما تفعل ديلquot;. وأضاف quot;إن الشركات المخوّلة بإعادة بيع منتجات ديل وخدماتها ممنوعة تعاقديًا من بيع أو شحن تكنولوجيا إلى زبون في بلد عليه قيودquot;.

وكانت الولايات المتحدة منعت بيع غالبية البضائع ذات الصناعة الأميركية إلى سوريا منذ زهاء عشر سنوات، وعمدت مرارًا إلى تشديد العقوبات ضد النظام السوري. وأصدر الرئيس أوباما في 22 نيسان/إبريل 2012 أمرًا تنفيذيًا يحظر على وجه التحديد بيع تكنولوجيا الكومبيوتر إلى النظام السوري، ويمنع الأميركيين من مساعدة النظامين الإيراني والسوري، اللذين ينتهكان حقوق الإنسان، بما في ذلك مراقبة المعارضين وملاحقتهم.

رفض المسؤولون الأميركيون المكلفون مراقبة تنفيذ العقوبات ضد النظام السوري التعليق على احتمال خرق قوانين العقوبات الاقتصادية ومنع التصدير، ولكنهم قالوا إن تصدير التكنولوجيا إلى سوريا ممنوع، إلا إذا كان يخدم حرية تدفق المعلومات بين الشعب السوري والعالم الخارجي.

وحين سُئل أحد المدراء في شركة quot;بي دي ايلquot; الخليجية عن الأدلة التي تؤكد شحن كومبيوترات إلى النظام السوري، قال إن لدى الشركة مئات الزبائن، ولا تحتفظ بسجل لأماكن وجودهم.

نؤدي واجبنا
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن راما نارايان سنغ مدير المبيعات للإمارات العربية وأفريقيا وإيران في شركة بي دي أيل قوله quot;نحن لا نستطيع أن نعرف إذا كان الزبائن من باكستان أو مصر أو المغرب، ولا نفعل سوى البيع في دبي، وما أنا إلا موظف يؤدي واجبه، ولا أعرف إذا كانت شركة ما من سورياquot;.

لكن الرسائل الالكترونية بين سنغ وممثل شركة أنس حسون التجارية في دمشق تبيّن أن الشركة السورية أوضحت له أنها تعمل لحساب نظام الأسد. ووضع سنغ توقيعه على فواتير عدة موجّهة إلى عنوان الشركة في سوريا. لكن سنغ قال إنه لا يتذكر الرسائل الالكترونية أو الفواتير.

وأظهرت الملفات التي وضعها تحت تصرف صحيفة نيويورك تايمز مصدر مطلع على الصفقات أن شركة quot;بي دي ايلquot; باعت مئات الكومبيوترات المحمولة واللوحية والمكتبية إلى الشركة السورية.

تعامل نقدي
وفي رسالة الكترونية بين سنغ ويحيى رفاعي مدير المشتريات في شركة quot;أنس حسونquot;، ذكر الأخير مرات عدة أنه يسعى إلى شراء كومبيوترات للحكومة السورية. وتبيّن السجلات أن الشركتين كانتا تتعاملان نقدًا بالدرجة الرئيسة، بعدما رُفضت التحويلات من بنوك سورية إلى بنوك في دبي، بسبب العقوبات المالية المفروضة على النظام السوري.

وفي رسالة الكترونية إلى سنغ بتاريخ 2 أيلول/سبتمبر 2012 تحدث رفاعي عن مصاعب التحويلات المصرفية لتسديد ثمن الكومبيوترات بسبب العقوبات. وكتب رفاعي quot;عزيزي رام، مشكلتي هي كيف أنقل النقود من سوريا إليكم؟، فأنا كما تعرف أعمل على صفقات مع الحكومة تتطلب العديد من الوثائق والموافقاتquot;. ورد سنغ كاتبًا quot;حاول ألا تقلق، سأدعمك بما هو في خير مصلحتكمquot;.

لا نكترث بالعقوبات
وبسبب منع التحويلات الالكترونية، أودع رفاعي دفعات نقدية عدة في الحساب المصرفي لشركة quot;بي دي ايلquot; عن شراء كومبيوترات، كما تبيّن الوثائق. وحين سُئل رفاعي عن مشترياته، أجاب في رسالة الكترونية quot;نحن شركة سورية، ولا نكترث بالقواعد التي تضعها أميركا، فهي للشركات الأميركية وحدها، وليست لناquot;.

وكان النظام السوري عقد في العام الماضي صفقات مماثلة لشراء كومبيوترات من شركة مرخصة بتسويق منتجات هيوليت باكارد. وأفادت تقارير أن الأجهزة استُخدمت لمراقبة قوى المعارضة التي تستخدم البريد الالكتروني والانترنت. وقالت هيوليت باكارد إن كومبيوتراتها بيعت من دون علمها.

وفي عام 2011 شُحنت أجهزة لتعطيل الانترنت من شركة بلو كوت سيستمز الأميركية في كاليفورنيا إلى سوريا من دبي، بحسب صحيفة نيويورك تايمز، ناقلة عن مصدر في الشركة الأميركية أنها كانت تظن أن الأجهزة بيعت للحكومة العراقية.

وقال تشارلس دان المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي وحاليًا مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة بيت الحرية quot;إنه نمط رأيناه في عموم الشرق الأوسط من حكومات تحاول تجنب التغيير الديمقراطي باستخدام وكلاء للالتفاف على العقوبات، وشراء معدات لخنق المعارضة ورصد نشاط الانترنتquot;. ودعا دان الحكومة والشركات الأميركية إلى التوثق من عدم وصول هذه الأجهزة إلى أنظمة مثل نظام الأسد في سوريا.