تحدث المحلل السياسي الكويتي ناصر العبدلي لإيلاف عن الانتخابات النيابية الكويتية القادمة فأكد أنها قانونية، لكنها ليست شرعية بالكامل، بسبب مقاطعة المعارضة وبعض القبائل.


الكويت: تشتد المنافسة في الكويت بين مرشحي مجلس الأمة على اجتذاب أكبر عدد من الناخبين، خصوصًا في ظرف تحديد صوت واحد فقط للناخب، واقتراب موعد الانتخاب المقرر يوم السبت 27 تموز (يوليو) الجاري.

وقد شاب هذه المنافسة إطلاق بعض المرشحين اتهامات تطال مرشحين آخرين بهدف استمالة ناخبيهم. كما نشطت وزارة الداخلية في التحري عن عمليات شراء أصوات الناخبين، وضبطت بعضها. ووسط مقاطعة بعض الأجنحة السياسية للانتخابات وأيضًا بعض القبائل، يرى المحلل السياسي والكاتب الكويتي ناصر العبدلي في لقاء مع quot;إيلافquot; أن تلك المقاطعة ستفقد الانتخابات الشرعية الشعبية الكاملة، رغم كونها انتخابات قانونية.

ورغم أن يوم الاقتراع لم يحل بعد، ولم تظهر النتائج، إلا أن التصريحات تظهر منافسة على رئاسة المجلس، ويرى العبدلي أن تلك الرئاسة ستنحصر بين شخصين هما رئيس مجلس الأمة المبطل النائب السابق علي الراشد والنائب السابق عبد الله الرومي، وربما تدخل أطراف أخرى على الساحة، لكن بعد ظهور النتائج.

ليست شعبية كاملة

يرى العبدلي أن هذه الانتخابات تختلف عما سبقها، quot;فهي تأتي بعد تسوية المحكمة الدستورية لمرسوم الصوت الواحد الذي نشب خلاف شعبي حوله أدى إلى انقسام المجتمع، وبعد حل مجلس الأمة المنتخب على أساس الصوت الواحد، وهناك مغزى لكل منهما، كما تتسم بمقاطعة من قبل بعض أجنحة الطبقة التجارية في البلاد، خصوصًا تلك التي يمثلها التحالف الوطني الديمقراطي، رغم نزول أحد أعضاء هذا التحالف وهو راكان النصف في الدائرة الانتخابية الثانية، المعقل الرئيس للتجارquot;.

ويلفت العبدلي إلى أجواء مقاطعة في أوساط القبائل الكبيرة، وخصوصًا قبيلتي مطير والعجمان، وإن كانت أقل من المقاطعة السابقة، quot;بالإضافة إلى مقاطعة ليبرالية يمثلها المنبر الديمقراطي ممثل الطبقة الوسطى في البلاد الذي أصدر بيانا سمح لأعضائه بالمشاركة بشرط ألا يستخدموا أيًا من شعاراته في حملاتهم الانتخابية، وأيضًا هناك مقاطعة التيار الإسلامي الأكثر شعبية، وهو تيار الإخوان المسلمين وجناحه السياسي الحركة الدستورية الإسلاميةquot;.

وأكد أن كل تلك المعطيات تعتبر مؤشرا على انتخابات تفتقد إلى الشرعية الشعبية الكاملة، على الرغم من قانونيتها.

كما يتخلل هذه الانتخابات صراع شرس بين بعض أقطاب السلطة ضمن لعبة المواقع المتقدمة في سلم السلطة قوامه المال السياسي والتحالفات ما بين بعض الأجنحة التجارية وبين أولئك الأقطاب. فقد توزعت الطبقة التجارية بين الأقطاب، بالإضافة إلى أن ذلك الصراع عبر عن نفسه بالصراع على تحديد رئيس مجلس الأمة المقبل.

ثقافة الناخب مزدوجة

يستبعد العبدلي وجود صفات تميز المرشحين الجدد عن المرشحين السابقين للمجلس، فيقول ليس هناك ما يميز المرشحين عن بعضهم البعض. ومن يتابع الساحة يلمس تكرار عرض القضايا التي تهم المواطن مثل نقص الخدمات وغيرها من القضايا. وسبب عدم الاختلاف هو ضعف البنية السياسية، والعجز في حسم بعض القضايا على صعيد الديمقراطية.

يقول: quot;فالمواطن لا يريد أن يضحي بشيء من أجل الديمقراطية الكاملة والشاملة، يريد الحصول على وظائف في القطاع العام وامتيازاته، وفي الوقت نفسه يريد عناصر قوية في نظره كأعضاء في مجلس الأمة.

يريد نائبًا ذا مواقف حادة، وفي الوقت نفسه يريد من ذلك النائب أن يكون قادرًا على التفاهم مع الحكومة، من أجل إنجاز معاملات المواطن العالقة وبعضها مخالف للقانونquot;، كما يقول. ويؤكد أن ما لم يستطع المواطن الكويتي حسم هذه الثقافة المزدوجة التي يتعاطى من خلالها المشروع الديمقراطي، فإن العملية الانتخابية ستكون شاحبة، وستراوح مكانها.

أما على صعيد الحكومة، فيقول إنها لا تريد طرح مبادرات سياسية خوفًا من اهتزاز الاستقرار في البلد. وقد تعودت على نمط معين لا تريد تغييره، وتعتقد أن الأمور بخير مادام هناك وفرة مالية يمكن أن تغطي كل العيوب الناتجة من ضعف إدارتها وعدم قدرتها على حل الملفات العالقة وهي كثيرة أبرزها ضعف الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية.

ويلاحظ العبدلي في هذه الانتخابات تراجع وجود المرأة، ما يدل على أن المرأة لم تتعاط مع التجربة الديمقراطية كما يجب، ولم تتمكن من استيعابها بالشكل المطلوب حتى تكون عنصرًا فاعلًا كمرشحة أو ناخبة.

مصالح الناخب أولاً

عن صفات المرشح الذي يتوقع العبدلي أن يستحوذ على أصوات الفوز، يقول إن الخيارات تختلف بين دائرة وأخرى، وبعضها خيارات قبلية وطائفية وطبقية. فالقبائل تختار دائمًا من بين أبنائها من يمثلها، ويعجبها النموذج الذي يتصدى للحكومة بالصوت العالي ويحرج وزراءها ويستجوبهم، حتى إن كان لا يملك قضية واضحة ومحددة. في حين أن مرشحي الطائفية يستحوذون على إعجاب أبناء طائفتهم في حال كان هناك هجوم من جانبهم على أبناء الطائفة الأخرى.

فالحالة الديمقراطية في الكويت تعيش وضعًا شاذًا غير موجود في أي بلد في العالم، ويمكن أن تكون أسبابه الثقافة العاجزة عن استيعاب المشروع الديمقراطي، لذا فإن أي مرشح بالنسبة إلى قبيلته أو طائفته أو طبقته هو ذاك الذي يوفر لها مصالحها وإن كان على حساب الآخرين وإن كان كذلك على حساب التجربة الديمقراطية بأكملها.

ويستبعد العبدلي حدوث فرق كبير بين تركيبة مجلس الأمة المقبل والمجلس السابق، quot;لكن ربما سيكون هناك تغييرات تصل إلى 50% في الدائرتين الرابعة والخامسة بسبب مقاطعة القبائل الكبيرة فيها للانتخابات، وسيكون لتلك القبائل نواب في المجلس المقبل.

أما بقية المكونات فستظل كما هي ولن يكون هناك جديد على الساحة السياسية، وهذه المعطيات ستنعكس حتمًا على أداء البرلمان المقبل، فهناك وقفة نفس كما يقال في اللهجة المحلية، ولا يمكن التخلص منها إلا بمبادرة وطنية تضع في حسبانها إدخال تعديلات على الدستور الكويتي باتجاه تطويره وجعله متوافقا بشكل أكبر مع ثقافة الشعب الكويتي وثقافة المنطقة بشكل عامquot;.

لا معارضة بلا أحزاب

لم يتوقع العبدلي وجود معارضة معقولة في المجلس المقبل، قائلاً: quot;لا يمكن الحديث عن معارضة ما لم يكن هناك أسس ديمقراطية حقيقية تتمثل في وجود حكومة منتخبة، وأحزاب، وأقلية داخل البرلمان تعبر عن رأي معارضquot;. أما وضع البلاد الحالي فمفتوح على كل الاتجاهات، والعنصر الفاعل حتى من خلف الكواليس هو حزب الحكومة، وبالتالي فإن كل المخرجات ستكون حكومية بشكل أو بآخر، وربما يتمكن بعضها من تغليف نفسه من الخارج ليبدو معارضًا من أجل استكمال الشكل الديمقراطي فقطquot;.

ويرى أن التجربة الديمقراطية في الكويت تمر بمنعطف خطير قد يقوضها برمتها، quot;فالتجارب الديمقراطية تعاني حتى في الغرب، ولم تعد قابلة للحياة كما حدث في القرنين الماضيين، ولا بد من نظريات جديدة في العمل السياسي تضع في حسبانها التطور الإعلامي الشعبيquot;.

شراء الأصوات

حول أثر ضبط عدة عمليات لشراء الأصوات على أجواء الانتخابات، يقول العبدلي إنها ليست جديدة، وإن تحركات وزارة الداخلية ليست جديدة أيضًا، quot;لكنها هذه المرة مختلفة، فتحركاتها لضبط عمليات شراء الأصوات انصبت على فصيل واحد وهو الفصيل المقرب من أحد أقطاب الأسرة الحاكمة، كما يظهر خلال الفترة الماضية، وهو أمر أزعج المراقبين لأجواء الانتخابquot;.

يضيف: quot;من المفترض أن تتحرك وزارة الداخلية تجاه كل من يقوم بشراء أصوات، فالدائرة الثانية مليئة بشراء الأصوات، ورغم ذلك تبتعد عنها وزارة الداخلية بحكم أن من يشتري الأصوات فيها هم من طبقة التجار، ولا تريد وزارة الداخلية أن تصطدم مع هذه الطبقة كونها طبقة نافذة في البلاد، ويمكنها أن تطيح بأي وزير في الحكومة المقبلة من خلال وسائل الإعلام الذي تمتلكها وقدرتها على تحريك الرأي العامquot;.

ويرى أن هناك امتعاضا من أداء وزير الداخلية الشيخ أحمد الحمود وانتقائيته ضد طرف دون طرف،ما فيه تسهيل نجاح مرشحي أطراف آخرين رغم أنهم يمارسون عملية شراء الأصوات نفسها في دوائرهم.

آراء مرشحين

كانت عمليات شراء الأصوات تصدرت الصحف الكويتية، وتضمنت تصريحات عدد من المرشحين، منهم مرشح الدائرة الأولى عدنان عبد الصمد، الذي ذكر ان الانتخابات تشهد شراء ذمم وأصوات، وهو ما لا يجوز شرعًا ووطنيًا، موضحًا ان المال السياسي يتم التحايل عليه عبر الهدايا وغيرها، وكاشفًا أن التغريدة في موقع التواصل الاجتماعي تويتر لبعض المغردين المعروفين وصلت إلى ألف دينار، مشدداً على ان المال السياسي منتشر بشكل غير مسبوق. من جانبه، اعتبر مرشح الأولى يوسف الزلزلة ظاهرة شراء الأصوات جريمة بشعة، ودعا إلى محاسبة الراشي والمرتشي، معتبرًا من يبيع صوته يبيع ضميره ومستقبله ومستقبل أولاده.

وبدوره أكد مرشح الدائرة الخامسة المهندس احمد الشريع أن شراء الأصوات على عينك يا تاجر، منتقدًا تأخر الداخلية في التحرك حتى أصبحت رائحة الشراء تزكم الأنوف.

وأرجع مرشح الدائرة الخامسة سعود السبيعي، في تصريح للصحف الكويتية، الحملة التي يتعرض لها إلى كشفه ارتباط أسماء الشركات الكبرى صاحبة الحظوة بالمناقصات بالأحزاب والتيارات السياسية، ومطالبته بإلغاء قانون العمولات والوكيل المحلي والحرب الضروس على رئاسة المجلس، وفضحه المال السياسي من التجار لبعض المرشحين، واستقصاده باعتباره المنسق العام لمجموعة 62، وثقتهم في فوزه، وانعكاسًا لالتقاء المصلحة بين وزير الداخلية والتحالف الوطني وتجار المناقصات، معاهدا على المضي قدما وعدم الخضوع للابتزاز السياسي.