تتوالى التصريحات التركية ضد الحراك الكردي في سوريا. رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان اتهم النظام السوري بquot;تسليم حزب العمال الكردستاني 5 محافظات في الشمال الشرقيquot; (ضمنها دير الزور والرقة، ذات الغالبية العربية!)، اضافة الى quot;الدعم اللوجستي الكبيرquot; لمقاتلين الحزب. المعارضة السورية (المجلس الوطني السوري: مجلس اسطنبول!، وتوابعه) تلقفوا الاتهام ورددوه في كل منبر وكأنه كلام منزل. حتى رئيس الدولة التركية عبدالله غول بات يتحدث عن تشكيل quot;اقليم كردستان في سورياquot;، وهو الخطر الكبير على تركيا لأنه سquot;يربط اقليم شمال العراق بالبحر الأبيض المتوسطquot;!.
الجيش التركي الذي يتفرج منذ عام ونصف على قوات النظام السوري وهي تقتل المدنيين السوريين العزل، تحرك للتحشد في مقابل مناطق quot;القامشليquot; وquot;كوبانيquot; وquot;عفرينquot; استعدادا للتدخل العسكري ومحاربة الكرد هناك. أردوغان يقول بquot;ان تركيا لن تقف ساكنة اذما ظهرت ادارة ذاتية كردية في شمال شرق سورياquot;. وطبعا رافق كل هذه التصريحات العدائية والتحركات العسكرية حملة اعلامية كبيرة شاركت فيها معظم وسائل الاعلام التركية كعادتها، وتم ربط العمليات العسكرية النوعيّة الأخيرة لقوات حزب العمال الكردستاني في ولاية quot;جولمركquot; بكردستان الشمالية بأوامر صادرة من النظام السوري (بعد ان كانت quot;أوامر اسرائيليةquot; وراء عمليات مشابهة للكردستاني وقعت قبل عامين!). وانخرطت وسائل اعلام عربية ذات طابع شوفيني طائفي في حملة حزب العدالة والتنمية التركي المعادية لحركة التحرر الكردستانية، وتوالت الاتهامات المغرضة وحملة التشويه والافتراء ضد حزب الاتحاد الديمقراطي (الذي يقولون انه الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني!) بشكل خاص، ومن وراءه كل الشعب الكردي في سوريا.
ورغم ان الاحزاب الكردية قد توحدت في أربيل ( عاصمة اقليم كردستان العراق) برعاية مباشرة من مسعود البرزاني رئيس الاقليم، مشكلة (الهيئة الكردية العليا) ورغم نجاح مرحلة المصالحة الى الحد الذي تم فيه توحيد ( لجان الحماية الشعبية:Yekicirc;neyecirc;n Parastina Gel) تحت قيادة الهيئة، الا ان حملة تركيا واتباعها من المعارضة القومجية الطائفية لم تتوقف. وكان أردوغان قد صرح بكل وضوح قبل فترة بان حكومته ستعمل على دفع اطراف المعارضة السورية لرفض كل مطالب الأكراد في تضمين الهوية القومية الكردية في الدستور السوري، ومنع تشكل أي ادارة ذاتية للمناطق ذات الاغلبية الكردية ( وهو كلام يشبه ماقالته أنقرة لهيئة التنسيق المعارضة عندما وعدتها بالضغط على المجلس الوطني السوري لتقديم تنازلات لها، في حال استبعادها حزب الاتحاد الديمقراطي من اطر الهيئة!). ويظهر من هذا الكلام بان تركيا نجحت الى حد كبير في التغلغل في داخل المعارضة السورية (المقيمة في فنادي اسطنبول وأنقرة) والتأثير في قرارها الوطني الى الحد الذي يمكن فيه تحريكها حسب المشيئة التركية وبكل سهولة ويسر. وكانت هذه المعارضة( متمثلة في مجلس اسطنبول وجماعة الاخوان المسلمين) قد اصدرت عشرات التصريحات والمواقف المعادية ضد الكرد في داخل وخارج سوريا، ارضاء للحزب الحاكم في أنقرة، ورضوخا للأوامر الصادرة من ( غرفة العمليات الخاصة) المكلفة بمتابعة الوضع السوري وملف المعارضة وتطور الساحة الكردية.
والحال بان الكرد في سوريا الذين عرفوا نوايا الغدر التركية وارضية الاستزلام الظاهرة لدى فئات محددة ومعروفة من المعارضة السورية، قد تمسكوا بالوجه السلمي من الثورة، ودائما على اساس انتزاع الاعتراف الدستوري بهويتهم القومية. وعملت القوى الكردية على التشاور المستمر مع حكومة اقليم كردستان العراق وقيادة حزب العمال الكردستاني، وهو التشاور الذي نجح مؤخرا في توحيد كل الاطر الفاعلة تحت قيادة (الهيئة الكردية العليا) صاحبة الاجماع الاكبر لدى شرائح الشعب الكردي في البلاد. وظهر بان التحرك الأخير ضد هذه الهيئة، والذي تمثل في زيارة وزير الخارجية أحمد داود أوغلو لأربيل( الذي اجتمع مع البرزاني طيلة ثلاث ساعات) قد فشل في التأثير على موقف حكومة الاقليم ودفعها للتوقف عن دعم الكرد في سوريا، أو quot;العمل بشكل صريح وواضح ضد حزب الاتحاد الديمقراطيquot; ومحاولة التضييق عليه!. طبعا البرزاني ليس مجبرا على تنفيذ المطالب التركية، وهو صاحب المبادرة الرامية لتوحيد قوى الكرد لمواجهة كل المخاطر التي قد تأتي من جهة النظام أو قوى المعارضة وتهدد سلامة ووجود الشعب الكردي في سوريا.
وكانت الاستخبارات التركية حاولت عبر بعض الشخصيات الكردية المرتبطة بها تحريك (الجيش السوري الحر) ضد (وحدات الحماية الشعبية) في منطقة عفرين تحديدا، الا ان هذه المحاولات باءت بالفشل، ولم يخرج quot;التصعيدquot; سوى عن تصريحات غير موفقة من قبل بعض قيادات الجيش الحر. وينخرط الكرد الآن في وضع أسس علاقات متينة وتفاهم عميق وواضح مع الجيش السوري الحر، وبشكل خاص القيادات الوطنية (العميد الركن مصطفى الشيخ ورفاقه الضباط) المنتشرة على أرض الميدان.
بقي أمام تركيا طريق واحد وهو افتعال اقتتال عربي كردي وبشكل خاص في منطقة الحسكة، حيث هناك اختلاط سكاني بين الكرد والعشائر العربية. وتتحدث المعلومات المسربة من داخل دوائر الدولة التركية عن محاولات جارية حاليا لتأليب بعض العشائر العربية ضد الكرد، وامكانية تكرارquot;سيناريو الموصلquot; حين نجحت تركيا في تأليب العشائر العربية السنيّة في الموصل ضد حكومة اقليم كردستان ورفض تطبيق المادة الدستورية 140 القاضية بارجاع المناطق التي استقطعها نظام صدام حسين من جسم الاقليم. الأطراف الكردية السورية تتحرك الآن لسد هذا الباب امام تركيا وتوقيع (وثيقة عهد) مع العشائر العربية في المنطقة، والتي تربطها بالكرد علاقات جيرة تمتد لمئات السنين. وهذه المحاولة هي الثانية بعد فشل محاولة تشكيل ميليشات كردية مرتزقة ( تشبه الميليشات المرتزقة التي شكلتها الدولة التركية في كردستان الشمالية لمحاربة قوات حزب العمال الكردستاني). وكانت الاستخبارات التركية قد شكلت quot;مجموعة كردية مسلحةquot; في عفرين، حيث استهدف افرادها قيادات وأنصار حزب الاتحاد الديمقراطي، فقتلوا في عمليتين مسلحتين، الكادر الشاب quot;جكدار آمدquot; وجرحوا الشخصية الوطنية quot;عبدو مرادquot;، الا ان حزب الاتحاد الديمقراطي تحرك بقوة وقضى على تلك المجموعة ودق أعناق افرادها واحدا تلو الآخر.
مصادر في حزب العمال الكردستاني قالت بان الحزب قرر الرد وبكل قوة على أي اذي قد يٌلحق بالشعب الكردي في سوريا، ويثبت وقوف الحكومة التركية وراءه، موضحة بان هذا الرد سيكون داخل الأراضي التركية نفسها.
الكرد في سوريا نجحوا حتى الآن في دعم الثورة الشعبية المطالبة بالحرية والكرامة والمنادية برحيل النظام القمعي برئاسة بشار الأسد، ونجحوا أيضا في توحيد صفوفهم واقامة علاقات وثيقة مع اخوتهم في اقليم كردستان الجنوبية ومع قيادات حركة التحرر الكردستانية، وأوراقهم قوية الآن في مواجهة تركيا وبعض اطراف المعارضة السورية المرتبطة بها. ونجاحهم مرهون بوحدتهم وبالعلاقات الطيبة مع جيرانهم من العرب وبقية مكونات المنطقة. المطلوب نجاح مثل ذاك الذي حققوه بعد ان تمكنوا من طرد السلطات المتداعية لنظام الأسد من اغلب مدن وحواضر المناطق الكردية.
التعليقات