منذ ما يقارب القرن من الزمان ارتأت الحكومة البريطانية الخبيثة وحلفائها أن تزرع فتنة في قلب الشرق الأوسط، لا لسواد عيون شعب الله المختار، بل شاءت خباثة سدنتها أن ترتزق عقودا وربما دهورا من حروب وصراعات ومعارك تحرير وانقلابات وثورات بيضاء وملونة، وربيع عربي وتجارة لا تبور للسلاح والخبراء والمعدات، وهكذا وضع اللئيم بلفور عقد للخباثة واللؤم والبقالة السياسية في قلب العالم ومركز الثروة الآتية عبر آبار السم الأسود واستثمارات الشيوخ والرفاق المناضلين، تجار المبادئ والنظريات والشعارات الطنانة من المحيط الى الخليج. أكثر من ستين عاما وفلسطين راقصة بلا جسد تنتهكها قوانين الخيمة والصحراء، وأعراف الملالي وسلاطين الظلام وعقود من تهميش العقل والعقلاء واغتيال الحكمة والحكماء ومسخ المواطنة واعتماد العواطف والغرائز ونوازع الشر والحرب وقوانين القرية والصحراء؟ واليوم بعد اكثر من ستين عاما على قيام دولة إسرائيل، وما يقرب من اربعين عاما على الزواج العلني بينها وبين نظم الأعراب وانتشار سفاراتها وقنصلياتها من موريتانيا حتى دولة قطر مرورا بعاصمة العرب قاهرة المعز والنحاس وعبدالناصر والسادات والمبارك ومحمد مرسي، وامتداد مصالحها التجارية والسياحية والصناعية والاستخبارية من الرباط إلى طرابلس الغرب وتونس وصولا إلى سوريا الأسد ولبنان جنبلاط ونصر الله وإمارات الخليج الهونكونكية، وجولات حماس وفتح وبقية المنظمات المكوكية مع ( أبناء العم ) في تل أبيب سواء للمصالح الحياتية للسكان أو لمستقبل الوطن الذي تأخر قيامه بمزايدات الأعراب وعنترياتهم الفارغة، هل ستبقى آذان صاغية لتلك المزايدات الرخيصة والبلهاء عن العلاقات مع إسرائيل، والتهم البائسة لكل من يفضح نظامهم المتخلف وعقليتهم الجوفاء التي أوصلت شعوبهم إلى هذا المنحدر الخطير من التقهقر والضياع بينما يتسلق الآخرون ناصية الحضارة والسمو؟
وحين بعد حين تنهض ممالك وإمارات وجمهوريات واشتراكيات وملوك وأمراء وأباطرة وقادة ليس مثيلهم في الأرض ولا في السماوات إلا في صفائح بريطانيا التي تمتلك أسرار الأرض والحكومات، وفي خضم هذه التداعيات ( تنعلس- تمضغ ) كوردستان وفلسطين.
وتنهض إسرائيل دولة من بين ركام التناقضات والمؤامرات والمصالح والمزايدات وتصبح واقع حال تفرضه الإرادات رغم حروب التحرير التي أنتجتها نظم الجهالة والدكتاتوريات للحفاظ على كراسيها مما فعلته أجهزة إعلامها وأئمة منابرها بملايين البشر من سكان دولها وممالكها، حيث الإثارة والتهييج والعبث بمفاتيح الغرائز وتسييس الأديان وإشاعة فكرة الجهاد لمقاتلة الكفار، وإلغاء العقل والحكمة في حل الإشكال، كل ذلك لا لشيء إلا لأبعاد طوابير الجياع والمحرومين وإلغاء الآخرين وقمع المعارضين واحتكار المال والسياسة والدين.
وتصبح فلسطين راقصة بلا جسد على كل المسارح وفي كل العواصم، تتناقلها الاحضن الملوثة في قصور الرئاسة ورئاسات الأركان وأقبية المباحث والاستخبارات وأبواق الطبالين والزمارين في أجهزة الأعلام من الخليج إلى المحيط، وعلى أنين المهاجرين وبؤسهم تقام المهرجانات والاحتفالات وتتخم الجيوب والبطون بالتبرعات وصفقات السلاح والبترول وعشرات المؤتمرات ذات اللاءات والصيحات وخلف الكواليس يتعانق أبناء العمومة القادمين من الكرمل وجبل صهيون بينما ينتظر الملايين قرارات القمم وخطابات القادة الميامين.
اكثر من ستين عاما وكل الأعراب دونما استثناء من الباب إلى المحراب يتغازلون مع ( ابنة العم ) في الليل والنهار، وإن خجلوا تبادلوا رسائل العشاق، وأن خافوا تبادلوا الإيماء وحينما زال الخوف وسقطت نقطة الحياء، رفرفت رايات عشيقتهم بنت صهيون فوق أجمل مبانيهم وقصورهم وأحلى عواصمهم ومدنهم!
اكثر من ستين عاما وما انقطعت أو توقفت علاقاتهم ب (ابنة العم) إسرائيل سرا أو علانية، وربما أكثرهم عداوة أو غيرة كما كان يدعي، منح ( ابنة العم ) المدللة أكثر مما يمنحه الآخرين، فصاحبنا أبو الصواريخ التسعة والثلاثين منحها من حيث يدري أو لا يدري مليارات ومليارات من المال والسلاح والتعاطف والاتساع وحينما لم يحرق نصفها طلب ( قطعة ) أرض على حدودها ليخسر كل أرضه وقصوره.
منذ البداية أضاعت هذه الثقافة البائسة فرصا ذهبية لحل مشكلة فلسطين منذ ستين عاما حينما تاجر أعراب النظم السياسية والدينية بحقوق ومستقبل شعب كريم ومعطاء كان يمكن له أن ينشئ دولته منذ ذلك الحين، وتصوروا معي كيف كان من الممكن لشعب حيوي مثل شعب فلسطين أن يكون الآن؟ وهكذا فعلوا ايضا بشعب كوردستان قبل تسعين عاما حينما أغفلوه، وتصوروا معي كيف كان من الممكن لشعب أصيل وحيوي أن يكون اليوم لو حلت قضيته كما ينبغي أن تحل، وهو الذي أنجز خلال عشرين عاما ما يعجز عنه الكثيرون في عشرات السنين؟
ودعونا نتجرد قليلا عما ورثناه من أسلوب في التفكير ونمط في السلوك ونتطهر ولو برهة من أنجاس النفاق والتدليس والازدواجية والإلغاء والإقصاء والاستبداد وثقافة المؤامرة وكيل التهم، وندع ضميرنا الإنساني يصحو قليلا لنسأل أو نتساءل:
هل كان السادات وضيعا إلى درجة العمالة والخيانة وهو على رأس دولة العرب العظمى؟
هل كان نكرة من النكرات لا جذور له في تاريخ بلده السياسي؟
هل كان جبانا وهو يصرخ ناقدا في قلب مؤسسة إسرائيل البرلمانية ويدعو إلى سلام الأبطال وهو الخارج من حرب حطم فيها ذلك الحاجز التاريخي من الهزائم؟
هل كان يستحق ذلك الإعدام البربري؟
هل كان عبدالناصر وضيعا حينما أرسى مع روجرز و جوزيف سيسكو وعرابهما كيسنجر حجر الأساس لسلام الفرسان مع أولاد العم في إسرائيل؟
وكذا الحال والسؤال مع الملك حسين وعبدالله من قبله و سليل الهواشم في المغرب وأصحاب المعلقات الجدد في موريتانيا الإسلامية وفي تونس الخضراء وأمراء قطر وأشقائهم من حولهم، وفي لبنان وفرسان تفاهم نيسان من حزب الله وما يجري خلف وأمام الكواليس في قاسيون أو الجولان؟
هل نستخرج رفات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس ونعدمهم بتهمة العلاقة مع إسرائيل؟
وكيف لنا أن نُعرف سميح القاسم وعشرات من أعضاء الكنيست الإسرائيلي من عرب ودروز إسرائيل وفلسطين؟
وأخيرا هل سنكتفي بإعدام ولدي ( مثال الآلوسي ) لأن والدهم زار إسرائيل فارسا عراقيا يبحث عن سلام الأبطال؟
وهل وهل... وربما مئات الآهات وأسئلة الحيرة والوجع المتكلس، وحتى يهدينا رب العباد فلا حاجة لنا بعلاقة مع ( ابنة العم ) إسرائيل لأننا لم ننجز علاقاتنا مع بعضنا كما ينبغي، وما زلنا نتذابح من الوريد إلى الوريد.
وصدقوني يا سادتي يا كرام ما قتل على أيدينا جميعا من الخليج إلى المحيط من خيرة أبناء شعوبنا منذ تأسيس دول العشائر والقبائل أضعاف أضعاف ما قتل على أيدي جنود إسرائيليين وربما يزيد على عدد سكان إسرائيل؟
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات