الاعلام يبحث عن الحدث، ويحاول ايصال كل جوانبه الى المتلقي، ووضع مسيحي المشرق (عراق، سوريا، لبنان، مصر، اردن، فلسطين) وما يتعرضون له هو حدث جاذب للقراء او للمشاهدين. وخصوصا ان هذا الوضع قد صبغ بالدماء وباوضاع ماساوية من الهجرة والاضطهاد اليومي والتهديد المستمر وفرض القيم والزي الاسلامي عليهم. ولان المنطقة برمتها مبنية على التوزيع الطائفي، ولانه لا تزال التقسيمات العثمانية التي قسمت الشعوب الى ملل حسب هذا التوزيع. فقد صار رجل الدين المسيحي العنوان الابرز لمعرفة شؤون هذه الطائفة الدينية وان كان بالحقيقة لا يعبر عن ما يجري في الشارع من الافكار والطروحات. يشعر المرء احيانا بالرأفة على رجال الدين المسيحي وهو يشاهدهم في المقابلات التفزيونية، لانهم يحاولون حمل العصا من الوسط، فلا يزعلون هذا ولا ذاك، في تناقض واضح مع رسالة المسيح التي تقول نعم نعم او لالا، بل قد يلجأون الى تبرير تعرض اتباعهم الى الاضظهاد بمختلف الحجج الواهية. وما يحز في النفس ان غالبية رجال الدين المسيحي يحاولون مدارة الامور لتصل الى حد التضليل ان لم نقل الكذب. فالاستغراب الذي يقعون فيه عند وصف ما يحدث الان علما كما يقولون انه كان هناك تعايش اسلامي مسيحي رائع لم يعكره امر، هذه الكذبة الجميلة التي يحاولون نشرها وهم يدركون ان التاريخ مصبوغ بالدماء، سواء كانت هذه الدماء على المستوى العام مذابح عامة معروفة التاريخ والفعلة والمحرض ومتبنية من الدول، او حركة اضطهادات نائية وهي الغالبة والمستمرة والمستندة الى فتاوى ائمة او ملالي منعزلين ولكن نتائجها كانت تيقى الى ابد الدهر. وهنا لا ننكر وجود علاقات على المستوى الفردي قد يمكن وصفها بافضل من الرائعة بين منتمين لمكونات مختلفة دينيا او قوميا، ولكن المشكلة لم تكن فردية ابدا، بل تتعلق بالعقل الجمعي والجمهور عندما يهيج. ان الوضع القائم مزري حقا، ففي الوقت الذي كان يتعرض المسيحيين في العراق ومصر للاضظهاد بسبب دينهم، كان احد رجال الدين المسيحي في مصر يفتي بعدم امكانية دخول الاشوريين الجنة لانهم نساطرة، متناسينا انهم معه يؤمنون بالرب الواحد و بالثالوث المقدس وبالمسيح والاناجيل. لا بل متناسيا شهداءهم من اجل الايمان وجاعلا من ذاته اله اخر يمنح الجنة لمن يشاء ويحرمها لمن يشاء في تقليد لفتاوي الائمة والملالي المسلمين التي تمنح الجنة والحور لمن تشاء وتحرمها لمن تشاء. كل نداءات الاخوة وابناء الوطن الواحد والنضال المشترك لم تعمل لانقاذ مسيحي واحد، بل كان البعض يتاجر بها لاجل فرض المزيد من الاذلال على المسيحيين، ان ما هو مطلوب ليس ان ان يتحول رجل الدين المسيحي الى كاذب ومنافق ومستجدي العواطف، المطلوب كلمة صادقة وقوية وهي اننا شعب (في كل بلد تواجدوا فيه) ونريد المساواة وماعدا ذلك فان كل خياراتنا ستبقي سليمة، وباعتقادي ان قول ذلك لن يزيد من معاناتنا ابدا. يجب ان نقف ونقول كفي لاذلال دام قرونا، ان الايمان يتطلب الكرامة وليس المذلة والهوان، فلا ايمان بلا كرامة.
التبرير الذي يطغي على كلام رجال الدين المسيحي مرده في الاساس الى ضعف المجتمع المسيحي وكونه بغير سند اقليمي او دولي بالاضافة الى ان الانقسامات المذهبية في المجتمع مترسخة ولها مفعول سلبي تجاه وحدة القرار والمصير. ففي الوقتا الذي يعمل رجال الدين المسيحي لكي يكونوا هم الناطقون والامرون والمستشارن بشان المسيحيين في المنطقة، فانهم ومن خلال خلافاتهم جعلوا المسيحيين وبمرور الزمن ضعفاء اكثر واكثر. انهم لا يتكلمون عن الحقائق وعن ما يتعرض او تعرض له ابناء رعياتهم، ولا عن المطالب المشروعة كمواطنين ان لم نقل كمكون متميز، انهم بالاحرى يحاولون استجداء التعاطف وحق مارسة بعض الشعائر ليس الا، وهذا يفهمه كل من يستمع اليهم او يشاهدهم في المحطات التلفازية.
في ما يسمى الربيع العربي او حتى اي وضع سياسي تم فيه تغيير السلطة القائمة، كان المسيحيين يقعون بين طرفين كل منهم يريدهم معه، وان لم يكن فهم يعتبرون خونة، وهذا يدركه رجال الدين المسيحي الذين اوقع في يدهم فهم لا يعرفون اي خيار يختارون، لانهم بالاساس اضاعوا خيارهم الخاص لصالح السلطات العروبية القائمة. فمعظهم كان يفتخر بعروبته وتاريخه العربي ونضال العرب وحقوقهم، لقد تماهو في العروبة لحد نسيان كل تاريخهم ولغتهم وحتى عاداتهم وتقاليدهم. متناسين او محاولين نسيان او طمرالحقيقة التاريخية وهي ان العرب المسلمين لم يعودوا يريدنهم الا بعد ان يغيروا دينهم وليس فقط لغتهم وقوميتهم. وفي الخيار الاخير ايضا كل طرف يريدهم من مذهبه.
صار من الواضح ان رجال الدين المسيحي لن يتركوا محاولاتهم العرجاء من اجل التكلم باسم المؤمنين، وفي الشؤون السياسية والاجتماعية وغيرها، انهم لن يتركوا هذا الدور الغبي الا بعد زوال اخر مسيحي من المنطقة، لا بل انهم يضعون العصى في دواليب الاحزاب السياسية والمنظمات التي تحاول احقاق حقوق الشعوب التي تدين بالمسيحىة كاحد اوجه هويتها وليس وجهها الوحيد، كالاحزاب القومية الاشورية في العراق وسورية وبعض المنظمات القبطية في مصر، من اجل المكانة التي ورثوها من التوزيع العثماني، والتي كانت تتكلم مع الشعوب والملل من خلال رجال الدين، من اجل ذلك فان هؤلاء رجال الدين مستعدين للتضحية باخر مسيحي في المنطقة.
صار من الواضح ان الضعيف لن يكون له مكانة في المنطقة، وعلى رجال الدين المسيحي الكف عن الالتزام بالضعف واعتباره رمز قوة، لان الضعف باعتقادهم يمثل الطبيعة المسيحية المسالمة. السلام والمسالم يجب ان يكون قويا ليس فقط لكي يحقق حقوقه ولكن لكي يتمكن من ان ينصح الاخرين بالطريق الصحيح، والاخرين لن يستمعوا له ان كان ضعفيا. لقد كان واضحا امامنا المصير الذي ال اليه يهود بلداننا، الذين ضحت بهم هذه البلدان بسبب الفلسطيين لان الفلسطينين كانو يتشاركون بغالبيتهم مع العرب بالاسلام. الم يكن الافضل ان تعمل بلداننا للاحتفاظ بمواطنيها اليهود، لانهم اولا مواطنيها وثانيا لكي يفشلوا المشروع الصهيوني كما اسموه. ولكن التوجه في هذه البلدان هو الاسلام اولا فكانت النتيجة ان اكثر من نصف مواطني اسرائيل هم من البلدان العربية التي طردتهم لانهم يهود وهم المواطنيين الاصلاء لبلدهم وذنبهم كان ان دينهم كان يهوديا.
علينا العمل وبقوة لكي يكون المواطن وكرامته اولا. وهذا لن يكون باظهار التعجب الكاذب عن ما حل بالمنطقة التي يقال ان ابناءها كانوا يعيشون كاخوة ويتقاسمون الرغيف!ولا اعلام مع من ومتى تم تقاسم الرغيف؟، مع اليهود مع الازيدية مع العلوية، مع المندائية، السنة مع الشيعة او الشيعة مع السنة، ان التكاذب الذاتي لن يوصلنا الى نتيجة، بل قول الامور بصراحة تامة، وهو ان هناك استهداف لمعتنقي الاديان الاخرى، وحتى داخل الاسلام هناك صراع تناحري بين الشيعة والسنة. وعليه فالاماني والاستجداء وغيرها لن تنفع، الذي ينفع هو القوة واظهارها، ان يكون المسيحي ليس قويا بايمانه، ولكن قويا بارادته في البقاء على ارضه وباحقاق حقوقه وبكل السبل، حتى سبيل القوة المجردة. واذا كان البعض يعتقد اننا ضيعنا البدائل فاعتقد ان بديل القوة هو افضلها والاكثر ملائمة مع فهم المنطقة ومع مسارات الامور. ان المنطقة وبهذه الصورة متوجه لا محال لحروب اهلية في كل بلد وبين تحالفات من بلدان مختلفة وعلى اساس طائفي واضح، والامر سيطول وقد ياخذ سنين لحين استقرار المنطقة على ضؤ موازين القوى، الناتج بعد اجهاد الجميع واستنزاف امكانياتهم. ولذا فالعمل من اجل تقوية المجتمعات التي المسيحية هي احد مظاهر هويتها يكون بان تكون قوية من الداخل وتمتلك الادوات الكافية للرد على اي اعتداء بحيث يقنع الجميع ان استهداف هذا المكون هو خسارة للمعتدي باكثر مما هو للمعتدي عليه. ان مجالات القوة تكون متعددة بلا شك، ولعل اولها وحدة الصف وووضع اوليات وبرامج وخطط لتحقيق الاهداف. المنطقة صارت مستودع للسلاح بكل انواعه، واذا كان للاخرين الحق في امتلاكه فانه يحق لنا ذلك، على الاقل دفاعا عن الذات امام كل تهديد جدي وللرد على كل محاولة استهداف. لن ينفعنا التغني بالاوطان، فالاوطان التي لا تقبلنا وتعمل بعض الاطراف فيها على اقتلاعنا، ليست اوطانا بل مقابر جماعية وعلينا ان نجعل منها حقا اوطانا.
- آخر تحديث :
التعليقات