لا شك أن غزو قوات صدام حسين للكويت واجتياحها كانت القشة التي قصمت ظهر العراق والعراقيين والكويت والكويتيين والمنطقة العربية عموماً.

كما تعتبر عملية غزو الكويت وإقتلاعها من جذورها من أخطر الأزمات التي شهدتها العلاقات العراقية ndash; الكويتية. وهنا لابد من القاء نظرة على سلوك وممارسات ومواقف كل من النظامين العراقي والكويتي عقب وقف الحرب العراقية ndash; الايرانية أي قبل غزو الكويت وإحتلالها.

إن علاقات العراق والكويت ظلت متوترة ومتأزمة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى هذه الآن لم تكن بسبب طبيعة النظام الحاكم في العراق ملكي كان أم جمهوري، وحتى لم تكن بسبب خلاف بين حزب البعث وقادته وبين شيوخ الكويت، أو بين أي حزب سياسي أو ديني تولى السلطة في العراق وبين أي سلطة كويتية.فالمشكلة المستديمة لم تكن مرتبطة بشيخ معين من شيوخ وأمراء الكويت، بل أنها مشكلة ثلاثية الأبعاد تاريخية وجغرافية واقتصادية. أي أنها مشكلة عائدية الكويت سابقا للبصرة ومشكلة حدود لم يجر تخطيطها وترسيمها ومسألة نفط بين الدولتين متنازع عليه، إضافة الى وجود عناصر وقوى لدى الطرفين تصب الزيت على نار الخلافات والأزمات بين البلدين.ولا ترى في صالحها إقامة أي علاقة ودية وطبيعية تسودها الاحترام المتبادل والتعاون المشترك لما فيه خير الشعبين والبلدين، وبوجود العوامل الطبيعية والبشرية هذه إستمرت الخلافات والأزمات والتي إتخذت بعضها وخاصة في الثاني من آب / أغسطس 1990 طابع العنف والقسوة والحرب المدمرة لكلا الطرفين وخاصة العراقيين الذين ظلوا يعانون من جريمة الغزو حتى الآن.ولم تقف عند هذا الحد بل أستمرت الأزمات تارة بمحاولة الكويتيين بناء المفاعل النووي بالقرب من الحدود العراقية وتارة باعتقال بعض الصيادين العراقيين في مياه الخليج بحجة انها مياه اقليمية كويتية.وآخرها مشروع ميناء مبارك الكبير.

الاوضاع قبل الغزو
العراق
كان العراق بلداً له تاريخه وثقافته وهو بلد غني إذ هو ثاني بلد عربي في إنتاج البترول بعد السعودية فقد أعطته الطبيعة موارد من البترول تغنيه كما أعطته موارد من المياه تكفل له توسعا في الزراعة مما يرفر له أرضية إقتصادية حية وخصبة وأصبح يملك قوة عسكرية تؤهله مع إمكانياته الطبيعية والبشرية أن يلعب دوراً أساسياً في دعم التضامن العربي والوحدة الاقتصادية على المستوى القومي والاقليمي.

لكن الأطماع التوسعية والسياسة اللاعقلانية لصدام حسين حوّل العراق الى حزمة من المشاكل والمعاناة بعد أن أدخله في حروب مدمرة. كانت تكاليف الحرب مع إيران قد إستنفذت الاحتياطي العراقي ومقداره 40 مليار دولار ثم أضاف الى هذا الرقم رقما آخر لا يقل فداحة وهو مقدار الديون التي تراكمت على العراق بسبب أعباء الحرب. وكانت هذه الديون قد بلغت 60 مليار دولار، إضافة الى حوالي مليون شهيد وجريح معوق ومفقود وأسير. وسيظل العراق يعاني لأجيال كاملة من الاختلال الهرمي السكاني نتيجة فقدان نسبة كبيرة من الفئات الشبابية في حربه مع إيران إضافة الى جريمة غزو الكويت.

لقد إعتاد صدام حسين على معاملة العراقيين في العراق بنفس الطريقة البوليسية وهي سلطة الأمن والمخابرات وتحويل الأفراد والجماعات الى بشر خائفين حتى من أولادهم وإخوانهم. لقد إستطاع أن يفرض نظاماً دكتاتورياً شرساً أساسه الشك والاغتيال والتصفية الجسدية. وكان ما يتسرب الى الخارج من قصص عن جور وظلم النظام على مواطنيه قبل إحتلال الكويت كانت هذه القصص أما أن تختفي تحت دخان الحرب العراقية ndash; الايرانية أو لا تتجاوز لدى بعض النخب العربية عامة والكويتية والخليجية خاصة. التي كانت تعرف كل هذه الانتهاكات الفظيعة التي يقوم بها نظام صدام حسين ضد مواطنيه ولا حيلة لها إلا الصمت في أجواء الحرب الساخنة أو الباردة بجانب مخالب النظام الصدامي نفسه الذي لم يكن ليوفر لأحد مهما كان نقده متواضعاً.

ومما زاد في قسوة صدام حسين تجاه شعبه بروز ظاهرة التملق النفاق من قبل المسؤولين في قيادة الحزب والدولة، فقد تلقى يوم الخامس من حزيران 1990 برقية من الرئيس المجلس الوطني ( البرلمان لمناسبة انتهاء الدورة الربيعية للمجلس قال فيها quot; قيادتكم التاريخية يندر أن نجد مثيلاً لها في قيادات العالمquot;. ولم يكتف المجلس الوطني بذلك بل وخلال مناقشة مشروع الدستور الجديد التي وصلت الى المجلس الوطني الذي ناقشه وقرر بعد مناقشة المادة الخاصة بفترة رئاسة الجمهورية إنتخاب الرئيس صدام رئيساً للعراق مدى الحياة، إذ تنص المادة ( 86) على أن مدة الرئاسة (7) سنوات قابلة للتجديد وتبدا من تاريخ إداء رئيس الجمهورية المنتخب اليمين الدستورية.

أن شراسة نظام صدام ضد مواطنيه وإنتهاكه لحقوقهم الانسانية أصبحت معروفة للجميع وخاصة في الخليج والكويت، ألا أن الظروف الموضوعية لم تكن لتبيح الحديث الواسع حول هذه الشراسة، لكن خلال شهور الاحتلال الصدامي للكويت ظهرت هذه الشراسة الصدامية في أوضح صورها..

كما عمل صدام حسين على إقحام العراق في منافسة حادة للغاية مع الانظمة القزمية العربية الأخرى التي تطمح الى قيادة العالم العربي، والدليل على ذلك هو أن هاجس المنافسة التي دامت عقوداً عديدة بين سوريا والعراق على الرغم من التقارب الايديولوجي بينهما وجعل الدولتين في حالة من العداء شبه المستديم، كما أن العلاقات العراقية ndash; المصرية شهدت هي الأخرى فترات صعبة بسبب تصعيد المنافسة بين البلدين.

الكويت
الكويت من جانبها هي الاخرى كما جاء على لسان مسؤوليها أنها تحتاج الى زيادة دخلها وإن إختلفت الأسباب إذ أن كلاً من العراق والكويت يعتمد على نفس المصدر وهو البترول. وكانت للكويت أسبابها تراها من وجهة نظرها موضوعية وتبرر إحتياجها الشديد للمال. إذ كانت هناك أولا رغبة في الكويت في تعويض خسائرها أثناء الحرب العراقية ndash; الايرانية فقد إنخفضت صادراتها في تلك الفترة، كما أنها تحملت خسائر في منشآتها وتحملت تكاليف إضافية في عملية حماية سفنها في الخليج عن طريق إستئجار أعلام لناقلاتها، وربما يقال أن خسائر العراق وإيران كانت أكبر مئات المرات من خسائر الكويت، لكن الكويت كانت ضحية بين الاثنين وليست طرفاً في الحرب بينهما. وإذا كانت بعض الاضرار قد أصابتها فانها تحمّلت ما تحملته بسبب الآخرين. ومن حقها الآن زيادة مواردها المالية، وكان هناك ثانياً إحساس الكويت بأن أمنها مكشوف ومعرّض وتشعر بحجم الخطر المحيق بها، وتفكر في كيفية مواجهته، لذلك فان الكويت إندفعت في برنامج كبير للتسليح وفي سنوات مبكرة تبنت نظرية لحماية أمنها. وهكذا كانت الكويت محتاجة الى المال بنفس مقدار إحتياج العراق له، وإن إختلفت الأسباب. فبعد أسابيع من بداية الحرب العراقية ndash; الايرانية قدمت الكويت للعراق خمسة مليارات دولار قروضاً تساعده على أغراض الحرب، وكانت تصّدر لحساب العراق 125 الف برميل يومياً وفاءاً لالتزامات تعاقدوا عليها مع العراق في الأسواق.

وتقول الكويت أن تكاليفنا لم تكن مالية فقط، فقد طالتنا الصواريخ الايرانية ودليل دمارها ما يزال قائماً على منشآتنا البترولية، كما أن إستقرارنا الداخلي إهتز وسالت دماء على أرض الكويت.

ويؤكد الكويتيون أيضا أنه منذ أن بدات الحرب العراقية ndash;الايرانية أصبحت الكويت ميداناً من ميادين القتال ومع أنه كان ميداناً جانبياً إلا أن االتأثير عليه وعلى أعصابه كان كبيراً. فالكويت لا تبعد عن ميناء عبادان بأكثر من 60 كيلومتراً ولا تبعد عن ميناء البصرة بأكثر من 40 كيلومتراً. وكلا الميناءين أثناء الحرب تحولا الى شعلة من نار. وقد إستقر ظن الايرانيين أن الكويت تقف في صف العراق، فقد حدثت عملية تخريب واسعة النطاق في ميناء ( عبد الله) ثم إنفجر مصنع لتسييل الغاز في منطقة الشعيبة.

لقد كانت الكويت أقرب الأجزاء الى مخاطر التهديد الطاريء، ولم يكن صدى دوي المدافع يصل اليها وإنما طالتها شظايا الحرب خصوصا عندما سقطت الفاو وجزر مجنون في يد القوات الايرانية، ثم زادت على ذلك عمليات قصف صاروخي مباشر على موانيء شحن البترول وعلى مراكز تجمع الانابيب المعروف بالمركز رقم(15). وحينها. في تلك المرحلة من الحرب العراقية ndash; الايرانية التي إشتهرت بحرب الناقلات. وكان معظم التركيز على الناقلات الكويتية فقد أصيبت في هذه الحرب 160 ناقلة كان بينها 48 ناقلة للكويت وحدها.

وفي ذلك الوقت قررت الكويت شراء الحماية الدولية إزاء التهديد إذ تم توقيع عقد أتاح للكويت إستئجار ثلاث ناقلات سوفياتية ترفع العلم السوفياتي وتحمل البترول الكويتي، كما تم رفع العلم الامريكي على إحدى عشرة ناقلة كويتية بهدف شراء الحماية لها.
لقد دفعت الكويت للعراق مليارات الدولارات في حربه ضد إيران وقدر المبلغ الاجمالي الذي وصل الى العراق من دول الخ
ليج وعلى رأسها السعودية والكويت بحوالي 35 مليار دولار على شكل هبات ومساعدات، كما سخرت الكويت أجهزة الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لخدمة المجهود الحربي العراقي مما جعل من صورة صدام فرضاً يوميا على قراء الصحف الكويتية على وجه الخصوص والخليجية بوجه عام،كما تعرض موكب أمير الكويت الى محاولة إغتيال نجا منها باعجوبة
وأمام كل هذا فان ما قام به صدام حسين يوم 2/8/1990 وما بعده كان صدمة كبرى لشعور الكويتيين القومي،

الصعيد العربي

كان العالم العربي قبل غزو صدام للكويت يمر بمرحلة ايجابية خاصة بعد وقف اطلاق الحرب العراقية ndash; الايرانية، حيث شهدت المنطقة تطورات ايجابية منها:
1 ndash; نجاح الوساطات العربية المتعددة وخاصة الوساطة السعودية في وضع حد للصراع المغربي الجزائري،
2- مؤتمر الطائف الذي رعته المملكة العربية السعودية والذي وضع حدا للازمة اللبنانية وللحرب الاهلية التي استمرت اكثر من عشرين عاما.
3 ndash; عودة مؤسسة القمة العربية للعمل من جديد في كانون الاول/ديسمبر 1987 بعد توقف خمس سنوات منذ انعقاد قمة فاس وانعقدت بعد ذلك ثلاث قمم عربية اخرى في الجزائر والدار البيضاء وبغداد نفسها في فترة عامين.
4 ndash; التطور الكبير في استكمال عودة العلاقات العربية المصرية وعودة مصر الى موقعها في الساحة العربية وعودة الجامعة العربية الى مقرها في القاهرة. وذلك في قمة الدار البيضاء في تموز/يوليو 1989.

5 ndash; الايقاع الوحدوي السريع الذي عاشه اليمن بدءا من عام 1989 وصولا الى اعلان الوحدة بالفعل في ايار/مايو 1990.
لقد كانت المنطقة العربية قبل غزو الكويت على ابواب تشكيل اوضاع جديدة، فكانت نشأت مجلس التعاون العربي والاتحاد المغاربي ومجلس التعاون الخليجي، وكان الامل معقودا على هذه التجمعات باعتبارها تمثل تجسيدا واقعيا لدعوات التعاون والتكامل الاقتصادي العربي وباعتبارها الوسيلة المثلى القادرة على اخراج المنطقة من عثرتها وتدعيم الجهود المبذولة داخل هذه البلدان.

تـداعيات الغـزو

ليس مبالغة اذا قلنا ان غزو قوات صدام للكويت قد شكّل بتداعياته العربية والدولية أزمة خطيرة بكل المقاييس والابعاد، وللمرة الثانية في غضون عقد واحد يقوم صدام بعملين عسكريين يؤديان الى كوارث بعيدة المدى.

.. قدم غزو قوات صدام للكويت فرصة ذهبية لاسرائيل لمواجهة الانتفاضة المندلعة في الارض المحتلة على النحو التالي:
استغلال انشغال الراي العام العربي والعالمي يمتابعة احداث الغزو وتداعياته للقيام بحملة قمع للقضاء على البقية الباقية من اعمال المقاومة في الارض المحتلة. وادى انقطاع التسهيلات النقدية التي كان يرسلها الفلسطينيون العاملون في الكويت الى اهليهم في الارض المحتلة الى اضعاف قدرة سكان الاراضي المحتلة على المقاومة حيث كانوا يستعينون بهذه المساعدات في تنفيذ اعمال الاضراب والامتناع عن العمل في اسرائيل وتنفيذ كل ما تطلبه منهم القيادة الموحدة للانتفاضة من مقاطعة للاسرائليين ونتجاتهم. وكذلك استغلال انشغال الدول والمنظمات العربية بقضية الغزو واتاحة الفرصة لاسرائيل للقيام بعمليات توطين اليهود القادمين من الاتحاد السوفياتي في الاراضي المحتلة، وذلك دون إثارة القضية من جانب الدول والمنظمات العربية في مواجهة الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة والدول الاخرى التي يتخذها اليهود كمحطة انتقال في طريقهم الى اسرائيل مثل بولندا والمجر ورومانيا وغيرها.
ومن هنا يتضح لنا انه في كل الاحوال فان اسرائيل تعد المستفيد الاول من غزو صدام للكويت. كما ان احتفاظ الولايات المتحدة بتواجد عسكري دائم ومستقر ومشروع في الخليج يعد من الاعداف الاستراتيجية الامريكية التي سعت الى تحقيقه على مدى نصف قرن منذ الخمسينات.

كما كانت ايران الرابح الاكبر عام 1991 بما اسفرت عنه حرب الخليج الثانية من تدمير لافضل ما يملك صدام من قوة عسكرية الامر الذي ادى الى زيادة نسبية في حجم القوة العسكرية الايرانية.