الصحافة الأعلامية لتناقل الأخبار المثيرة لم تكن ضمن دراستي الجامعية وتخصصي في العلوم السياسية. ولم يمنعني تخصصي هذه المرة في أختيار العنوان المثير أعلاه لتأدية دور صحفي، أنوي (عن قصد)جلب الأنتباه له لكونه يعطي أكثر من مغزى وأبعد من أستهجان لطباعنا المتوارثة.
السياحة المزدهرة في أسرائيل هذه الأيام هي نقل السواح من جنسيات مختلفة بباصات سياحية الى هضبة الجولان السورية وتمكينهم بنواظير وتلسكوبات مكبرة، مشاهدة وتصويرالمعارك الدائرة بين القوى السورية النظامية والمعارضة على بعد أقل من كيلومتر من الحدود. وزير الدفاع الأسرائيلي أيهود باراك نفسه كألآخرين من المشاهدين أراد التمتع بمسرحية تجري فصولها التراجيدية المؤلمة على الهواء الطلق، فأصطحب المقربين له لمشاهدة مايجري عن قرب. أنه منظر لم يكن يحلم به يوماً أي من قادة أسرائيل للنجاح الذي حققه شعب الله المختار على شعوبنا المنكوبة.
على جبهة القتال الشمالية يقف بموازة الحدود السورية التركية زوار الأدارة الأمريكية على رأسهم أكثر العنصريين تطرفاً ضد العرب (جان مكين واليهودي جوزف ليبرمان) ويطالبون الرئيس أوباما و الأطراف الدولية بمساعدة ثوار سوريا وتمويل وتدريب وتسليح عناصر الجيش السوري الحر. ومع أن الموقف الأميركي من القدس لم يتغير بتغير الإدارات، والزيارات و تصريحات مرشح الجمهوري الأميركي ميت رومني quot;بنقل السفارة الإميركية للقدس عاصمة إسرائيل الموحدةquot; ليس فيها جديد، أِلا أن مواقف العلانية والخفاء العربية تتفق مع موقف الأدارة الأمريكية والأسرائيلية في أي شأن سياسي يتعلق بالقدس والمستوطنات وتطبيع العلاقات.
ومن دمشق تتسرب معلومات سرية عن قيام وزير الدفاع الجديد بأصدر أوامر مشددة لضباط وأمراء الوحدات العسكرية بسحق كل من يحمل سلاحاً من الأجانب الذين ولايحملون الجنسية السورية وأعتبارهم مرتزقة يقفون الى جانب الجيش الحر بوجه الجيش السوري بعد أن فقدت القيادة توازنها بمقتل أعلى الرتب العسكرية في الأنفجار الأخير بمقر خلية الأزمة في قيادة غرفة العمليات بدعم أستخباراتي دقيق يشير الى CIA ودولة خليجية وردُ المخابرات السورية بأخبار غير مؤكدة بأغتيال شخصية خليجية أمنية.
وبفشل مهمة المراقبيين الدوليين والتأييد والدعم ألأعلامي السياسي من الأدارة الأمريكية وأعضاء الكونغرس للحث على تدفق الرجال والسلاح والعتاد ورؤية الأوضاع الميدانية بالمنظور ألأسرائيلي والجهد العسكري لمخطط المخابرات الأسرائيلية ونجاحها المميز في أشعال الحرب الأهلية فأن النتائج المتوقعة هي الدمار والتشريد العام كما حصل تماماً في العراق. فمجتمعاتنا العشائرية التركيب، سمحت quot; ولفترة طويلة quot; لوحوش بشرية بالعيش بيننا ونشر سموم ثقافة القتل والتصفية.
على الأراضي السورية يجري توجيه الفرق الجهادية من زمر القاعدة والأسلاميين والسلفية والأمراء والمرتزقة المتدفقين عبر الحدود التركية ودخول مدن وقرى وأرياف سوريا وتدمير صروحها وقتل قادة مجتمعها وعلمائها وتهجير شعبها العربي الصابر، أعتقاداً بأنهم quot; وعلى بركة الله quot; يقومون بطاعة الخالق في مقاتلة الكفار وشبيحة النظام بقتل أبن سوريا. وتوفر دول حلف الأطاسي وقطر وتركيا للزمر الجهادية ماتحتاجه من سلاح وعتاد ولوجستك وتقتل بلا رحمة بأسم الأسلام، مسلمين يخالفونهم في العقيدة. ويرى الأسرائيليون بدهشة شعارات الله أكبر ترفع من طرف، ومن الطرف الأخر ( الأسلام هو الحل) لأرساء الخلافة ألأسلامية.
أما أمر من سيتسلم مقاليد دولة مهشمة محطمة بائسة لن يكون بأمكانها مستقبلاً أمتلاك قوة عسكرية في المنطقة بعد أن يتم حل الجيش السوري النظامي وفرار قادة وحداته بأنتهاء فصول الربيع المظلم، فأن ذلك موضع خلاف حاد بين الباحثين والمتنفذين والمتفرجين من يهود أسرائيل بعد أنتهاء موسم السياحة والأصطياف وألتقاط الصور التذكارية في الجولان. كما أنه تسليم مقاليد الدولة السورية سيعتمد على من سيقوم بتغذية خرافات الدول الأسلامية بسموم أعلامية سرعان ماتتغلغل الى النفوس وتستعر على شكل صراع المذاهب التي يرجع تاريخنا الدموي الى أكثر من 4 ألأف سنة. هذا الخلاف يطابق تماماً خلاف المعارضة العراقية حول تشكيل السلطة السياسية بعد عام 2003 وصراعهم الحالي عليها، وهو مايضمن أستمرار الصراع الذي يراهن عليه الجميع.
ففي حين تم في القاهرة أجتماع المجلس الوطني السوري وأرتأى أعضائه تكليف هيثم المالح بتشكيل حكومة انتقالية، أسرعَ من جهة أخرى رئيس المجلس الوطني عبد الباسط سيدا quot; وهو كردي سوريquot; بوصفها quot; خطوة متسرعة، كنا نتمنى ألا تكونquot;، مضيفاً أن quot;تشكيل هذه الحكومة أو غيرها بهذه الطريقة أمر يضعف المعارضةquot;.
أما فرع المعارضة السورية في باريس والتي تضم مجموعات سياسية أكثر ليبرالية فلها موقف سياسي كلي آخر. ومهما حاول المرء تعليل من سينضم أو ينشق فأن تسجيل النقاط للفائزين والخاسرين لم يبدأ بعد، كما أن القيادة المشتركة للجيش السوري الحر في الداخل كانت قد أصدرت مقترحاً لمشروع للمرحلة الانتقالية يعطي الأفضلية للضباط المنشقين وتأسيس المجلس الوطني الأعلى لحماية الثورة.
وبعد كل ماجرى لأهلنا من أرهاب وتقتيل وتهجير في العراق، ونعت كل جانب لحزب أو كتلة عراقية وأتهامها لكتلة أخرى بأقذر النعوت والصفات، وبعد كل الضحايا من مختلف الأطراف ( أكثر من 100 ألف قتيل عراقي وأكثر من 4 ملايين عراقي مشرد)، كنا نظن أن العرب والمسلمين تعلموا درساً من مأساتنا التي يفترض أن يهتز لها ضمير أي أنسان ( أوعلى الأقل ألأنسان المسلم المتعلم)، بعدم تجميل عمليات الأرهاب والتصفية الجسدية التي تتستر بالغطاء والقناع الديني وتحمل كذباً رايات الله أكبر للتحريض على القتل وأضفاء مسميات وفتاوى أسلامية مهلهلة وخاصةً بعد ماقامت به أمريكا وحلفائها العرب والترك من تدمير لمجتمعاتنا وتشتيت رابطة الوطن وأقناعنا بطرق التخدير الدينية على أن الله معنا.
وقلة تحمسي وتخوفي من أنتفاضات تونس وليبيا ومصر واليمن والسودان وسوريا، سببه دخول حلف الناتو بأسلحته ومخابراته لأزاحة دكتاتور فاسد وأحلاله بصديق جديد مؤازر ومساندة قوات لصوصية أنتهازية من السلطة القديمة تتنافس على الغنائم في السلطة الجديدة. وبمراقبة خفايا الأحداث فأن نتائج هذه الأنتفاضات تبدو أن كل جانب من جوانب الصراع له شبيحته ومليشياته من القتلة، وهو أمر يُُقلّل من العزيمة الشعبية في طلب الحرية وطعم الحياة ورحيقها ويدعوها لهجرة مجتمعاتها، كما أنه وتمكّين للهدف ألاسرائيلي الأستراتيجي ونجاحه في الأمساك بزمام السيادة على الأرض العربية بأي شكل من الأشكال.
كاتب وباحث سياسي
- آخر تحديث :
التعليقات