مع الأسف في أيامنا هذه اصبح الشعب السوري يقّيم على أساس مع أو ضد، معارضة أم موالاة، خائن أم وطني، سني أم علوي، شيعي أم كوردي، مسيحي أم درزي، تركماني أم شركسي، ولن أدخل في تفاصيل كل مذهب أو دين على حدا، لأن هذا لوحده يحتاج لأشواط من العمل، ولحسن الحظ لا أملك هذا الوقت، ولا أنصح من يملك الوقت للعمل على هذا المشروع، لأنني متأكد أنه لن ينجزه، والقرار لكم.
منذ سنة ونصف أعيش حالة لم اعشها طيلة حياتي، فعندما التقي بأحد ما ويسألني عن جنسيتي، بطبيعة الحال ارد عليه بالقول، أننيquot; سوريquot; مع العلم اني احمل جنسية اوروبية أيضاً، ولكن اقول هذا بشكل تلقائي، لا اعرف لماذا، لقد سألت نفسي هذا السؤال مرات عدة، والجواب يعرفه كل سوري وطني، فلن أزايد على احد بالوطنية.
سؤاله الثاني يكون، والذي بت اعرفه عن ظهر قلب، وأشمئز ولا اريد سماعه، هل أنت ضد أم مع، موالٍ أم معارض، إلى ما هنالك من مصطلحات تستخدم في هذا الصدد، إن قلت له quot;معارضةquot;، سيكون سؤاله التالي، مجلس وطني، هيئة التنسيق، الجيش الحر أم كتيبة من تلك الكتائب، وأن قلت له quot;موالاةquot;، سيكون سؤاله، الجيش النظامي، أقليات، حزب الله أم من الشبيحة، على علمكم، ما عاد عرفنا مين مع مين، ولا مين على مين، في البداية لم أكن اعرف ماذا سأقول بماذا سأجاوب، وكنت في حالة يزرى لها، كنت أسأل نفسي، من انا، مع من انا، بطرف من انا، ومع مرور الوقت اكتشفت الجواب الذي كان في الأساس في قلبي وعقلي، أنني quot;سوريquot;، quot;سوري وفقطquot;، أنتمي إلى هذا البلد العريق، ملتقى الحضارات، البلد الذي قدم لكل العالم، وأخص العرب منهم، قدم ما لم يقدمه أي بلد عربي آخر لهم، فهل يجب ان يقيمني الناس على انني سوري؟ أم على أساس انتمائي لطرف ما؟.
لقد نسي جزءٌ كبير من الشعب السوري ( مع احترامي وتقديري لجميع الشرفاء ) انتماؤه الوطني لسوريا الأم، لسوريا التي حضنتنا وعلمتنا، سوريا التي كبرنا في حواريها، التي كانت تفوح منها رائحة ذكية، نادرة يعرفها ويتذكرها كل سوري، وكل من زار سوريا.
لن أنكر مدى الفساد المتفشي، والقمع والاستبداد الذي كان موجوداً، وأن بعض فئات الشعب كانوا مضطهدين، من مجتمع لم يعد يعرف إن كان ينتمي إليه أم لا، ولكن هل هذا سبب كاف في ان يحمل السوري السلاح في وجه السوري؟ أن يدمر السوري بلده، أن يدمر حضارته وتاريخه الذي يمتد منذ الاف السنين ليومنا هذا، أن يشّرد ويهجّر مئات الآلاف من السوريين ويرميهم على حدود البلاد، في مخيمات ليس فيها أي نوع من انواع الرعاية الإنسانية، أن تدور النزاعات في مدن مؤهلة، بين المدنيين، أن نقحم شعب أعزل في قتال ليس له فيها أي مصلحة بتاتاً، حرب لن ولا تجر إلا الخراب على البلد، سوريا أكبر من أن تدمر من قبل اطراف لها أجنداتها الشخصية أو الخارجية، أو دول شعارها الحرية والديمقراطية، وهي لا تمس بها لا من قريب ولا من بعيد، ولا أقصد هنا الغرب، الغرب هم الغرب، وكلنا واعي لهذا، بل دول الجوار، الذين يتاجرون بالدم السوري، لاستلام مفاتيح الشرق الأوسط، وعلى رأسهم تركيا، التي تسلح (الجيش الحر)، ومجموعات أخرى، وتتهم الكورد بأنهم مجموعات مسلحة ارهابية تهدد أمن تركيا، ولكن المجموعات التي تسلحها الأخيرة، والتي تحارب في المدن المؤهلة في سوريا فليست ارهابية، من وجهة نظرهم، غباء سياسي فاضح، سوريا لا تتمثل في شخص واحد، في مجلس، هيئة او نظام، ولم تكن، ولن تكن، والمثل الشعبي يقولquot; لو دامت لغيري ما وصلت الي quot; سوريا قوتها في شعبها، في الارض، في الوطن، في وحدتها وليس في تدميرها، مع كل ما ذكرت أنا واثق من أن الشعب السوري سيتخطى كل هذه العقبات، ولكن يجب علينا فعل هذا بأقل الخسائر.
من طرف آخر سأعترف ايضاً بمدى الجهل الموجود في بلدي، ولا احمل هذه الفئة المسؤولية، بل المسؤولية الكاملة تقع على عاتق الدولة، سيقول البعض (اسمحوا لي ان استخدم هذه المصطلحات quot; الموالونquot; فاليوم كما قلنا، ما عاد في رمادي، يا ابيض، يا اسود، والرمادي خائن عند الطرفين) والمواطن الذي يبحث عن السلام والاستقرار سيكون خائن إن لم ينضم لطرف ما، لنعود لموضوعنا، سيقول البعض أن الدولة أمنت التعليم المجاني لكافة فئات الشعب، إلى ما هنالك.
فهل هذا كاف؟
الجميع يعرف جيداً أن دخل الفرد في سوريا قليل لدرجة أن يضطر الشخص ترك دراسته لتوفير قوته اليومي، هذا موضوع آخر لن اتطرق إليه الآن، ولكن في الوقت نفسه مهم جداً، لأنه متصل أتصال مباشر في عدم نمو الوعي الاجتماعي، السياسي و الاقتصادي الكامل عند جزء لا يستهان به من الشعب، واختفاء الحس الوطني عند فئة معينة منهم، هذا سبب من الاسباب الرئيسية في زيادة نسبة الجهل في بلدي، وهناك ايضاً نسبة جهل بين المثقفين، وعندما تقول مثقف، لا يعني هذا انه على دراية بأمور الدنيا كلها، التعليم، في مكان ما يعزز معلومات الشخص، ويثقفه في مجال ما، وليس بالضرورة ان يقضي على جهله بالكامل، فهناك أطباء، مهندسون، محامون و سياسيون في قمة الجهل، وفي نفس الوقت نعرف أميين في قمة الثقافة، وعندما يكون الانسان جاهلا، يكون من السهل قيادته ودفعه لأي عمل يساعد في تخريب البلد، من طرف آخر هناك فئة أخرى، ممن يعيشون في وهم الثقافة السائدة، quot;حب السلطة والنفوذquot; الذي يعريهم من انسانيتهم، وهم مستعدين لفعل أي شيء للوصول او البقاء في السلطة، حالة مرضية موجودة في بلدي، ( مع الأسف ) في النظام والمعارضة، وجزء من الشعب.
في تاريخ سوريا القديم والحديث، معروف عن شعبي، حبه لوطنه وغيرته عليه، والقتال من أجل حريته، سيقول البعض( المعارضون) اننا نحارب من اجل الحرية والديمقراطية، أنا لست ضد ما ذكر، ولكن لمن الحرية، ضد من نقاتل؟ سوري ضد سوري؟ لأرض من دون شعب؟ إن استمر الوضع على هذا الحال، كم من الوقت يلزم لتصفية الشعب السوري، ولمن سنترك الارض، من منظوري السياسي البسيط والمتواضع، أرى أن المعارضة ( مع احترامي للمعارضة الشريفة التي تغار على كل قطرة دم تسقط على الأراضي السورية) هي شريكة النظام في كل ما يحصل. لماذا لا نذهب للحل السياسي، سيقولون ايضاً، لأن لا حل مع من تلطخت يديه بالدماء. القوي، هو الطرف الذي يقنع الطرف الآخر في الحوار والحل السياسي، القوي والوطني، من يقبل أن يجلس مع الملائكة والشياطين لأجل وقف حمام الدم، القوي، من يستطيع أن ينقذ طفل لا ذنب له، ولا حول ولا قوة، وإيقاف شلال الدم.
سوريا والدتنا، وهي التي من أطعمتنا، علمتنا، أعطتنا الحنان، الدفء، وتارة غضبت علينا وعاقبتنا، أمطرت وأبقتنا في شوارع من دون مأوى وفراش، ثياب متقطعة و حذاء مثقوب، ولكننا لم نغضب منها بل احببناها أكثر فأكثر، فهي quot;الأمquot; كن سورياً ولا تدع الناس يقيمونك على اساس انتمائك لطرف أم لآخر، بل دعهم يقيمونك على أنك quot; سوريquot; فقط quot; سوريquot;.
وأنت، مع ولا ضد، quot; معارضة quot; ولا quot; موالاة quot;؟؟؟
- آخر تحديث :
التعليقات