هذه المرة الاولى التي ستأخذ مفردة الاختلاف محل كلمة الخلاف و جاء هذا للضرورات الكتابية و التحليلية للهدف المرجو من هذه المقالة سيما و أننا نعرف أن الفرق شاسع بين الاثنتين في المعنى، و لأن الاختلاف ظاهرة طبيعية في المجتمعات البشرية بما تعنيه من تباين وتنوع، فقد أتفق مع الردود التي قد تأتي في سياق نقاش القضية لكن لن أتفق مع الكثير من الردود التي قد تصل إلى حد اتهامي بالمتصهين أو الخائن أو ما إلى ذلك سيما أن الظرف غير ملائم لطرح هكذا قضية خطيرة لكن... مع ذلك أنا مصر لخوض غمار هذه الحقيقة التي لم يتجرأ سورياً واحداً على طرحها بجرأة و شجاعة و هي قضية الخلاف الاجتماعي السوري ndash; السوري، و المقصود هنا بالاجتماعي هو أي من الإنتماءات الإجتماعية من قومية quot; أثني quot; أو دينية و التي يتفرع عنه الانتماء الاصغر و الاخطر و هو الانتماء المذهبي / الشيعي، السني / مقارنة بالانتماءات المذهبية في الديانة المسيحية التي لم تظهر حتى الآن في سوريا.
- الخلاف هو الصراع و الشجار على قضايا هي مثار جدل ترتبط فيها مصالح فردية أو جمعية كبيرة كالخلاف على الحدود بين دولتين الذي يصل أحياناً إلى إعلان حرب تمتد عقود و يذهب ضحيتها الملايين من البشر أو الخلاف بين شعبين عبر محاولة أحداً منه استغلال الآخر و اتهامه بعدم جدارته بالعيش في إطار قوانينه الاجتماعية و أخلاقياته و الاستعلاء عليه و محاولة طمس معالمه و خصوصيته القومية لقناعته بأنه هو الحقيقة الاولى و الاخيرة و أن وجود الآخر المختلف بجواره يشكل تهديداً لكيانه و كرامته و هذا بالنسبة لدينين مختلفين أيضاً.
- إن ما يجري اليوم من تلكؤ و تخبط في المعارضة السياسية و بالاخص منها العربية هذا الضياع بين العصبية القومية و العصبية الدينية من جهة و بين مكونات الفكر الوطني المدني و الديمقراطي من جهة أخرى و الذي يدفع ثمنه الشعب السوري دليل على هذا الاختلاف الفظيع بين السوريين.
- وتوضيحاً للقارئ الكريم أنا أتحدث عن الممارسات و ليس عن الفلسفات الانشائية و الخطابات القومية و الانسانية الرنانة أوالقصائد و الابتهالات الدينية و سأسقط هذه الحقيقة التي تتكشف يوماً بعد يوم في الحالة السورية اليوم رغم وجودها من عشرات السنين و بالذات مع ظهور الفكر القومي العربي على المستوى السوري و الذي للاسف كان أمتداداً مباشراً للفكر الاموي الذي وظّف الدين الاسلامي في خدمة الفكر القومي العربي عندما أقدم المأمون من أم فارسية خراسانية على قتل أخاه الامين من أم عربية بعدما عملت هذه الاخيرة على تغيير وصية زوجها هارون الرشيد من خلافة المأمون العربي غير النقي له و تغييرها إلى الامين العربي النقي...!!!
- لن أتحدث هنا عن الفكر القومي العربي كنظرية وضعها مجموعة من المفكريين العرب الاوائل من البستانيين و اليازجيين و الكواكبي إلى قسطنطين زريق و التي لم تتجه إلى العنصرية (الجنسية + الدم ) كأساس في المشروع القومي، بل ركزوا بصورة أساسية على اللغة والثقافة و فكرة أن العروبة رابطة حضارية غير معادية لأي إنتماء قومي أو ديني آخر.
- سأتحدث عن الممارسة السياسية للنظام السياسي العربي و التي جاءت في اتجاه مختلف للنظرية القومية، فرغم الحقيقة التاريخية و العلمية التي أكدتها معظم الدراسات و الابحاث التاريخية و أهمها و أولها هي أن سوريا كانت تعبيراً جغرافياً و ليس قومياً و رافقته الجمهورية السورية تعبير سياسي و قانوني لسوريا الجغرافية هذا يعني أن سوريا لم تكن ذات ارتباط عضوي و تاريخي بالعروبة كإنتماء قومي / جنسية / بل كانت عبارة عن لوحة فسيفسائية لمجموعة تعبيرات اجتماعية / العربية ndash; الكوردية ndash; الآشورية ndash; الارمنية ndash; الشركسية ndash; التركمانية ndash; اليهودية - السريانية / و قد جاء البعث العربي عام 1962 و كترجمة لشعاراته القومية و فكره السياسي لإلغاء كل لون أو إنتماء غير عربي و بأساليب قمعية و غير إنسانية و غير اخلاقية بقصد صهر كل الالوان و مشتقاتها الثقافية و الاجتماعية و السياسية في لون العروبة الواحد مما خلق حالة من الاغتراب بين المكونات العرقية بدلاً من الاقتراب و التودد و تعمقت الحواجز النفسية بين الشعوب بسبب ممارسات القوميين العرب حتى باتت تشكل خطورة على الوطن السوري مما قد ينشئ عنها حروب عرقية بين الشعوب السورية.
- إن تعامل الاوساط السياسية و الثقافية العربية من أفراد و جماعات مع القضية الكوردية في سورية من محاولة تهميشها و إقصائها و على ضوء الدراسات العلمية للفكر العروبي الديني الذي يتبناه معظم القوى العربية المعارضة تشير إلى أن مكوناتها الفكرية و السياسية الرافضة لكل مختلف معها بالانتماء هو السبب و ليس ما يشيعونه من أن الاكراد انفصاليين أو تقسيميين، بدليل أنهم يرفضون الاعتراف بكل المكونات الاثنية الاخرى إلا في إطار ما ينسجم من وحدة الامة العربية.
- فضلاً عن أخطر قضية يعانيها أو تعانيها المعارضة السورية و هي العقلية الانتقامية و المؤمراتية بدلاً من العقلية السياسية الرزينة الهادئة و المتعمقة في دراسة المواقف و الاحداث.
- كل هذه الامور تجعل من المرء يعيش حالة من القلق الشديد على المستقبل السوري إن لم تدرك المعارضة بأن مكوناتها التاريخية و موروثها الثقافي يجب أن تستوعب المفاهيم الجديدة للفكر العالم الجديد و أن الكيانات القومية الصغيرة ستنصهر في بونقة الكيان العالمي الجديد، و أن الآيديولوجيات المغامرة لم تعد تمنح الحاضر و المستقبل سوى الدمار و الهلاك.
- آخر تحديث :
التعليقات