فى 22/11/2008 كتبت فى ايلاف مقالا بعنوان: (لتضرب لنا سوريا مثلا)، وهذا بعض مما جاء فى ذلك المقال:
(ليس سرا فى ان سوريا تحتضن كبار أعضاء حزب البعث العراقي الذين يتحرقون الى العودة الى العراق واعادة بسط حكمهم الدموي عليه. وليس سرا فى أن سوريا هي منبع أفكار حزب البعث الذى حكم سوريا والعراق عدة عقود وسبب أكبر كارثة حلت به فى تأريخه القديم والحديث، ولم نتخلص منه فى العراق الا بعد دخول القوات الأمريكية وازالة صدام حسين من الوجود.).
كنت يائسا من نهاية حكم البعثيين فى العراق، ولكن تخبط (القائد الضرورة) وزجه بالعراق فى حروب خاسرة أعادته الى العصر الحجري، كما قال (بوش الأب)، وادى ذلك الى سقوط صدام المهين، وتشتتت عائلته والمقربين اليه وهربوا الى خارج العراق يحملون معهم ملايين لا تحصى من الدولارات وكل ما خف وزنه وغلا ثمنه. ووجد معظمهم فى سورية البعثية موطنا جديدا وفى حاكمها الجديد بشار الأسد عونا لهم على تآمرهم على العراق الجديد، وتحالفوا مع مجرمى قاعدة الارهاب الذين هيأ لهم بعثيو سورية ما يحتاجونه من ميادين تدريب على قتل العراقيين وزودوهم بالاسلحة والمتفجرات والخرائط، وسهلوا لهم سبل الاتصال ببقايا البعثيين والمتعاطفين معهم فى العراق بحجة وجود الأمريكان فيه فقتلوا وجرحوا من العراقيين عشرات المرات أكثر مما قتلوا وجرحوا من الأميركان.
استولى البعثيون السوريون على الحكم فى إنقلاب 8 آذار/مارس 1963 اي بعد شهر واحد من انقلاب البعثيين الأسود فى العراق فى 8 شباط/فبراير 1963، وفى 16/11/1970 استولى حافظ الأسد على الحكم بما عرف ب(الحركة التصحيحية)، وحكم سورية حتى وفاته فى 10/1/2000 وجاء البعثيون بإبنه بشار ونصبوه رئيسا للجمهورية بعد تعديل الدستور الذى كان ينص على أن عمر الرئيس لا يقل عن 40 عاما بينما كان عمر بشار 34 عاما. حافظ الأسد أثبت مهارة كبيرة فى حكم سورية فقد كان يكيد ويراوغ ويخدع مما كفل له البقاء فى الحكم قرابة 30 عاما ذاق الشعب السوري خلالها مرارات الحكم البعثي ومنها مجزرة مدينة حماة التى قتل عشرات الآلاف من سكانها عندما أمر حافظ برميها بالمدفعية الثقيلة. اختلف حافظ مع صدام بشدة وكل منهما يريد لنفسه المركز الأول لحكم البلدين، وتبادل الاثنان المتفجرات التى قتل فيها العديد من العراقيين والسوريين. وعندما اصبح صدام رئيسا للعراق كان اول عمل قام به هو إعدام العشرات من البعثيين العراقيين الذين اتهمهم بالعمالة لحافظ الاسد.
بشار الأسد طبيب العيون الشاب لم يكن فى ذكاء أبيه ولا خبرة له بالسياسة، ومع أنه قام ببعض الاصلاحات، ولكنه لم يستطع معالجة الأوضاع السيئة التى خلفها له أبوه، بل زادها سوءا. وكما أسلفت فقد سهل بشار مرور القتلة السفاكين من القاعدة والبعث العراقي للنفاذ الى العراق فقتلوا عشرات الآلاف من العراقيين دون تمييز فى الأسواق والمدارس والمراقد المقدسة والمساجد ومجالس الفاتحة على ارواح الشهداء.
حاولت الحكومة العراقية إفهام نظيرتها السورية بأن حكم البعث فى العراق قد انتهى الى غير رجعة وإن ما يقومون به من تسهيل لدخول الارهابيين بكل اشكالهم وجنسياتهم الى العراق لن يكون فى صالح سورية التى تصدر مصنوعاتها الى العراق ويستلم السوريون ثمنها بالعملة الصعبة التى هم بأمس الحاجة اليها بالاضافة الى ما ينفقه السياح العراقيون الذين ألفوا السفر الى سورية فى الصيف من كل عام لزيارة المراقد الدينية وللراحة والاستجمام، فيصرفون المبالغ الطائلة وما يتبع ذلك من تشغيل للأيدى العاملة العاطلة. ولكن الحكام البعثيين رفضوا كل ذلك واستمروا فى كيدهم للعراق. وقد وجدوا من زملائهم البعثيين القدامى فى العراق ما يبعث على الأمل على قيام اتحاد عراقي سوري تحت راية البعث، فقامت بعض الكتل والتجمعات السياسية العراقية التى يسيطر عليها البعثيون العراقيون والمتعاطفون معهم بالضغط على الحكومة العراقية، طالبين منها تحسين العلاقات مع سورية، وتعددت زيارات الدكتور اياد علاوي البعثي القديم الى سورية، واضطر رئيس الوزراء العراقي السيد نورى المالكي بزيارة سورية يوم 13/10/2010 بعد اسبوعين من زيارة علاوي لها، واتفق مع بشار الاسد على أمور كثيرة اهمها تشديد المراقبة على الحدود العراقية السورية لمنع الارهابيين من دخول العراق فوعده بشار بإصلاح الأمور. وسرعان ما نكث وعده بعد ايام قلائل فقط من عودة المالكي الى بغداد واكتشاف مؤامرة سورية ضد العراق، فاحتج المالكي بشدة على ذلك، وبدلا من الاعتذار قام بشار بكيل عبارات سوقية وشتائم لا تليق برئيس دولة، وعاد التوتر كما كان بين البلدين الجارين، وانتقدت القائمة العراقية احتجاج المالكي واعتبرته ناكرا للجميل حيث كان قد التجأ الى سورية تخلصا من مطاردة صدام المقبور له وللمعارضين العراقيين لحكمه.
فى منتصف آذار/مارس 2011 انطلقت من دمشق ودرعا مظاهرات احتجاج سلمية سرعان ما امتدت الى جميع المدن السورية رافعة شعارات ضد القمع والفساد وكبت الحريات، فهاجمها جند بشار بالأسلحة الثقيلة، فقام المحتجون الذين اخترقت القاعدة صفوفهم بالمطالبة بإسقاط النظام ورحيل بشار، مما زاد فى قسوة النظام عليهم فقتل الآلاف من السوريين ومعظمهم من العزل والنساء والأطفال، وخربت مدن وقرى، وأصبح الوضع فى سورية يشبه ما كان عليه العراق فى الأعوام 2006-2008، وهكذا انقلبت الاحتجاجات السلمية الى معارك طائفية دموية بفضل ارهابيي القاعدة المزودين بالأسلحة الفتاكة التي تفضلت علي بعض دول الخليج وتشجيع وإسناد من تركيا واقليم كردستان العراق.
إرتأت الحكومة العراقية ان لا تتدخل فى الأمر خاصة وان هناك مئات الألوف من العراقيين فى سورية وان التدخل لصالح أي من المتخاصمين يعرضهم لأخطار شديدة. وكفت القائمة العراقية عن المطالبة بتحسين العلاقات بين البلدين، ولكن عندما بدأت الأمور تتحسن بالنسبة للمحتجين قامت العراقية وبكل صفاقة بالتهجم على المالكي تتهمه بالولاء لبشار ضد الثوار، وطلبوا منه ان يقف الى جانب الثوار ويزودهم بما يحتاجونه من رجال وسلاح للقضاء على حكم بشار، ولكنهم عادوا الى الصمت مرة أخرى بعد أن تبين لهم اختراق القاعدة واندساسهم بين الثوار وان نجاح القاعدة فى سورية يعنى تهديدا خطيرا لسلامة العراق. وبعد ان منعت الحكومة العراقية دخول اللاجئين السوريين اليها خشية اندساس الارهابين بينهم عادت ولبت طلبات عشائر الانبار العراقية الذين تربطهم مع العشائر السورية المجاورة روابط القربى. واندفع اللاجئون السوريون الى داخل العراق حيث نصبت لهم الخيام ليسكنوها بصورة مؤقتة ريثما تهيأ لهم المساكن المريحة.
وفى اثناء ذلك يشتد القتال ويعم الخراب بفضل الأسلحة والأعتدة التى تصل الى الطرفين المتحاربين فتسيل الدماء مدرارا وترتفع اعداد اليتامى والأرامل والمعوقين، وليس هناك بارق أمل بقرب انتهاء المجزرة التى خبرنا مثيلتها فى العراق، ولا نملك الا الدعاء برفع الغمة عن شعب سورية الأبي وتحقيق أمانيه وعودة السلام العاجل الى سورية الحبيبة.
- آخر تحديث :
التعليقات