ثارت في الأسابيع القليلة الماضية ضجة عنيفة وشكوك كثيرة حول إعلان مسؤولين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) احتمال تخفيض الوكالة للعديد من خدماتها التي تقدّمها للاجئين الفلسطينيين في القطاع والضفة ومخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان وسوريا بسبب العجز في ميزانيتها، هذا إن لم تتحرك الدول الداعمة للوكالة بتسديد هذا العجز المالي بسرعة، وكانت وكالة الأونروا قد تأسست في العام 1949 أي مباشرة بعد ما أصطلح على تسميته "نكبة فلسطين" التي أعقبت إحتلال فلسطين والإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل في مايو 1948 ، وكان تأسيس الوكالة حسب القرار رقم 302& من الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1949 على أن يكون تمويلها بشكل طوعي من الدول التي ترغب في ذلك، ومنذ ذلك التاريخ ظلت الولايات المتحدة الأمريكية و المفوضية الأوربية وبريطانيا والدول الإسكندينافية واليابان وكندا أكبر المانحين والمتبرعين لأعمال الوكالة الإنسانية بحق ما لا يقلّ عن ستة ملايين لاجىء فلسطيني. وكان المفوض العام للوكالة " بيير كريبنول " قد أعلن في نيويورك ب " أن المنظمة الدولية تعاني من عجز غير مسبوق في ميزانيتها يقدر بمئة وستة ملايين دولار مطالبا المانحين الدوليين بالتحرك لإنقاذ الاونروا وضمان استمرار برامجها في ظل الحاجة المتزايدة لخدمات الأونروا في مناطق عملياتها الخمس ". أمّا " عدنان أبو حسنة " مستشار الأونروا الإعلامي في قطاع غزة فقد أعلن بوضوح قائلا: ( العجز الحالي في ميزانية الأونروا المنتظمة يقدر بأكثر من مئة وستة ملايين دولار، وهو عجز غير مسبوق في تاريخ الأونروا، وهذا اضطر الأونروا إلى اتخاذ إجراءات تقشفية سواء داخل الأونروا على مستوى المصروفات، أو سواء بالنسبة لعمليات التوظيف، ستتم مراجعة كل عمليات التوظيف التي تتعلق بالميزانية المنتظمة، وهذه العمليات ستتم بعد مراجعة كل حالة بحالتها ولن تكون الأمور كالسابق، هذه إجراءات مؤقتة مرتبطة بسد العجز، قمنا بمثل هذه الإجراءات عام 2012، نأمل بالحصول على الأموال من المانحين حتى تعود الأمور إلى سابق عهدها".

عجز مالي أم مؤامرة كما يرى البعض؟
عقب هذا التصريحات من المفوض العام& والمستشار الإعلامي للوكالة، جرت على الأرض تأخيرات في صرف رواتب بعض الموظفين العاملين في الوكالة، تبعها مظاهرات واعتصامات واحتجاجات، وإعلان عن احتمال تأجيل العام الدراسي القادم بعد أيام قليلة في مدارس الوكالة، وترافق ذلك مع اتهامات فحواها أنّ المسألة ليست عجزا في الميزانية بقدر ما هي مؤامرة دولية لإنهاء عمل الوكالة كخطوة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في دول تواجدهم ، أي التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذي تضمنه قرار الجمعية العام للأمم المتحدة رقم 194 الصادر في الحادي عشر من ديسمبر والذي يقضي ب "أن الجمعية العامة تقرروجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى بيوتهم& وعن كل مفقود أو مصاب بضرر ". ومضمون القرار واضح بدون لبس أي حق العودة لمن يرغب من اللاجئين الفلسطينيين، وربما من المؤكد أنّ غالبيتهم كانوا سيعودون لو تمّ تنفيذ القرار في السنوات الأولى للهجرة ، أمّا اليوم بعد مرور 67 سنة على الهجرة وإقامة ملايين من اللاجئين في بلدان مختلفة حصلوا على جنسيتها وولدت لهم عدة أجيال في تلك البلدان ، فالسؤال الذي لا يجرؤ كثيرون على طرحه هو: كم نسبة الذين سيعودون من هؤلاء الملايين حملة الجنسيات المختلفة؟. لذلك ربما ليس عن غباء أو جهل قول القرار المذكور (...للاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم ). هذا دون إنكار أنّ قوى إسرائيلية وصهيونية قامت وتقوم بأنشطة متواصلة لإنهاء عمل الوكالة كي يفقد هؤلاء اللاجئين النازحين من وطنهم صفة اللجوء.

وكيف تكون مؤامرة والدول العربية ترفض مجرد منحهم حقوقا مدنية؟
إذا تم طرح موضوع التوطين للتطبيق فستكون الدول العربية هي المعنية، لأنّها الدول الوحيدة التي فيها ملايين من اللاجئين الفلسطينيين منذ عشرات السنين، لا يحصلوا حتى على الحقوق المدنية بينما كل من يعيش في الدول الأوربية والأمريكية فهم متوطنين من عشرات السنين ويحملون جنسية تلك الدول، ويشذّ عن الحالة العربية حالة الأردن التي نجم عنها بعد ضم الضفة الغربية عام 1950 حيث بموجب قرار الضم أصبح كل سكان الضفة الغربية أردنيون يحملون الجنسية الأردنية ويمارسون كافة الحقوق المدنية والسياسية والبرلمانية والحكومية، وأصبحت الحدود بين الضفتين مفتوحة كدولة واحدة مما نجم عنه اليوم نسبة عالية من سكان الأردن فلسطينيي الأصل مازالوا يحملون الجنسية ويمارسون نفس الحقوق، حتى بعد قرار فك الإرتباط بين الضفتين الذي اتخذه الملك حسين عام 1988 بناءا على ضغوط وطلبات من منظمة التحرير الفلسطينية بحجة إبراز الكيانية الفلسطينية الطامحة لدولة مستقلة. هذا بينما كل الدول العربية التي يعيش فيها ما يزيد على مليونين من اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948 محرومين من كافة الحقوق السياسية وأغلب الحقوق المدنية، حيث في لبنان كمثال يمنع اللاجىء الفلسطيني من ممارسة حوالي سبعين وظيفة رسمية. وغالبية هؤلاء اللاجئين يحملون ما يسمّى " وثائق سفر للاجئين الفلسطينيين " سواء كانت مصرية أو سورية أو لبنانية أو عراقية، فحاملها ممنوع من دخول كافة بلدان العالم بما فيها العربية بدون الحصول على تأشيرة دخول مسبقة هي أقرب للمعجزة في غالبية " بلاد العرب أوطاني ". فأين هي مؤامرة التوطين التي لم تتمّ طوال 67 سنة رغم كل المعاناة والتمييز الذي يعيشه حملة هذه الوثائق اللعنة؟. هذا بينما في كل الدول الأوربية والأمريكية إن أقمت إقامة رسمية من 4 إلى 7 سنوات حسب قانون كل دولة، تمنح الجنسية فورا وتمارس بعدها كل الحقوق المدنية والسياسية.

وهل التوطين إن حصل يلغي حق العودة لمن يرغب؟
وهو أيضا ربما يبدو سؤالا استفزازيا للبعض أو غير وطني لبعض آخر، ولكن علينا أن نتمتع بالجرأة كي نقول: إنّ تحسين معيشة اللاجىء الفلسطيني في كافة أماكن اللجوء العربية بما فيها منحه جنسية تلك الدول لا يمكن أن يلغي حقه في العودة إن رغب في ذلك ، وأساسا إن تمكنت السلطة والفصائل الفلسطينية وكافة دول الجامعة العربية من تحقيق هذا الحلم الذي ينتظره اللاجئون الفلسطينيون منذ 67 عاما. وضمن هذا السياق كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس واضحا وجريئا في تصريحه منذ سنوات عندما قال: " أرجو من أي دولة عربية تريد أن تعطي الجنسية للفلسطينيين أن تعطيهم فما الذي يمنع؟ هذا لا يعني التوطين وعندما تتاح للفلسطيني العودة إلى وطنه سيعود سواء أكان يحمل جنسية عربية أو أجنبية إنها مسألة عاطفية لا علاقة لها بالجنسية ". والسؤال الإستفزازي لجماعة (بارك الله في الزنود القوية...وبيان منكم يعادل جيشا بمعدات زحفه الحربية ) هو: كم هي نسبة اللاجئين الفلسطينيين التي ستبقى في مخيمات ومعسكرات اللجوء في كافة " بلاد العرب أكفاني " ، إن فتحت الدول الأوربية والأمريكية أبوابها وحدودها لهؤلاء اللاجئين للقدوم والإقامة والحصول على الجنسية ؟. لذلك ما عادت هذه المزايدات الفلسطينية والعربية تحقق نسبة من تحسين حياة اللاجىء الفلسطيني التي هي في بعض المخيمات خاصة في لبنان لا تليق حتى بحيوانات الغابات..حسّنوا حياة اللاجىء الفلسطيني ..وطّنوه..إمنحوه الجنسية كي يعيش حياة تليق بالإنسان، وإن حققتم حلم العودة فليعد عندئذ من يرغب.

والتخوف هو أنّ لا توطين ولا دعم مالي لميزانية الأونروا،
بالنسبة للتوطين والتجنيس فهو مرفوض من كافة الدول العربية بلا استثناء ليس حرصا على قضية لم تحلّ طوال 67 عاما بل لحسابات داخليىة وإقليمية، وبالتالي ستكون كارثة إنسانية بحق ما يزيد عن خمسة ملايين لاجىء فلسطيني في كافة مجالات حياتهم إن لم يتم دعم ميزانية وكالة الغوث بالمبلغ المطلوب، خاصة أنّ ما كانت تقدمه الوكالة للاجئين قبل أزمتها المالية الحالية، لم يكن يغطي سوى الحاجات الأساسية وبشكل ضئيل للغاية. ومن المهم التذكر صراحة أنّ المبلغ المطلوب لسدّ العجز في ميزانية الوكالة هو مبلغ بسيط للغاية إذا قورن بمصاريف بعض العرب في إجازة واحدة خارج دولته...فلننتظر القادم الذي نأمل أن لا يكون أعظم.
www.drabumatar.com
&