من يتذكّر فلسطين بعد الدرك الذي بلغته القضية التي كانت في الماضي القريب قضية العرب الاولى؟ من اجل لن نتذكّر فلسطين، هناك حاجة الى مشروع وطني جديد يأخذ في الاعتبار التحولات التي طرأت في الاعوام العشرين الاخيرة، خصوصا بعد الفشل في تطبيق اتفاق اوسلو الموقع في العام 1993، وبعد رضوخ العالم، على رأسه الولايات المتحدة لاملاءات بنيامين نتانياهو الذي وضع نهاية لخيار الدولتين.
صارت فلسطين غائبة عن الاحداث الدولية على الرغم من انّ شعبها ما زال يقاوم باللحم الحيّ وعلى الرغم من انّها قضيّة احتلال لارض هي ملك الفلسطينيين واغتصاب لحقوق شعب. لا ثاني لهذه القضيّة الواضحة المعالم في عالمنا الحالي. &
ليس طبيعيا ان تصل القضية الفلسطينية، وهي قضية محقّة، الى ما وصلت اليه في ضوء القدرة التي يمتلكها هذا الشعب على تأكيد وجود هوية خاصة به من جهة والتضحيات الكبيرة التي قدّمها في مراحل مختلفة من التاريخ من جهة اخرى.
كان الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات يخطئ في احيان كثيرة، خصوصا عندما فعل ما فعله في لبنان. كذلك كان يخطئ عندما كان يتوجب عليه الاسراع في الانقضاض على فرصة ما قد لا تسمح ثانية، وذلك قبل اوسلو وبعده. لم يخطئ ياسر عرفات عندما قال في حديث اجريته معه ان "الشعب الفسطيني موجود على الخريطة السياسية للمنطقة ولا يجوز ان يبقى خارج الخريطة الجغرافية".
لدى التساؤل عن الاسباب التي جعلت القضية الفلسطينية تتراجع الى درجة، بات فيها سقوط خمسة فلسطينيين من ابناء الضفّة الغربية في يوم واحد مجرّد خبر تأتي وسائل العلام العالمية بالكاد على ذكره، لا بدّ من الاعتراف بالواقع الاليم القائم. ولكن لا بدّ ايضا من البحث عن طريقة للخروج من هذا الوضع وتجاوز الواقع.&
هناك اوّلا الانقسام بين كيانين لم يعد ما يربط بينهما هما الضفّة الغربية وقطاع غزّة. تصرّ "حماس" على وجود "امارة اسلامية" في غزّة مكتفية بالتحرّش باسرائيل بين حين وآخر بما يفيد مصالح الجانبين. تعتبر "حماس" المستفيد الاوّل من الحصار الاسرائيلي. لذلك نراها تعمل كلّ شيء من اجل استمراره وبقاء اهل غزّة مجرّد رهائن لديها، في حين كان في استطاعتها تقديم نموذج لما يمكن ان تكون عليه دولة فلسطينية مستقلّة على استعداد للعيش بسلام وامان مع جيرانها. ابت "حماس" وضع نفسها في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني الذي كان هناك قبول به في الماضي واصرّت على القيام بانقلاب من اجل السيطرة على غزّة واهلها منتصف العام 2007.
تغيّر الوضع الفلسطيني بالكامل .لم تعد الادوات القديمة التي استخدمت منذ &الولادة الجديدة للحركة الوطنية الفلسطينية في العام 1965 قادرة على الاتيان باجوبة عن الاسئلة المطروحة في هذه المرحلة، خصوصا لجهة القدرة على استعادة المبادرة في الاراضي الفلسطينية نفسها او في الخارج. &لا قدرة ذهنية او عملية لدى الادوات الفلسطينية التقليدية، في مقدّمها مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، على التكيّف مع الواقع الجديد والعمل على تجاوزه. من يسمع بوجود حكومة فلسطينية منذ الضغط على الدكتور سلام فيّاض من اجل الاستقالة بعد اتهامه بالعمل على قيام مؤسسات فلسطينية فعّالة يثق بها المجتمع الدولي.
&لذلك، لم يعد مفرّ من الاعتراف بأنّ هناك حاجة الى مشروع وطني جديد قائم على توافق في شأن نقاط محدّدة. من بين هذه النقاط سؤال يتعلّق بشكل المقاومة للاحتلال لبلوغ الهدف المنشود، ايا يكن هذا الهدف المطلوب تحديده بوضوح.
هل ينفع الكفاح المسلّح او هل يمكن تحقيق نتائج عبر المفاوضات؟ الاهمّ من ذلك كلّه، ثمّة حاجة الى تفاهم على الحل النهائي الذي يريده الفلسطينيون. هل فلسطين "وقف اسلامي" كما تقول "حماس" او هل لا يزال ممكنا الكلام عن حلّ الدولتين الذي دفنه بنيامين نتانياهو.. ام لم يعد هناك من حل سوى الدولة الواحدة مع ما يعنيه ذلك من اندماج بالمجتمع الاسرائيلي؟ هذا الحلّ يرفضه عدد كبير من الاسرائيليين الذين يخشون من زيادة عدد الفلسطينيين بسبب النموّ السكاني في المدى الطويل.
يفترض في الفلسطينيين ايضا الاتفاق على شكل الحكم الذي يريدونه في حال اصرارهم على اقامة دولتهم المستقلّة او العمل من خلال الدولة الواحدة على الارض التاريخية لفلسطين. هل يريدون حكما دينيا، كما تطمح الى ذلك "حماس" ام يريدون دولة مدنية تشارك فيها كلّ الاحزاب الموجودة في الساحة الفلسطينية؟
استنفدت التطورات المتلاحقة المشروع الفلسطيني الذي اقرّه المجلس الوطني في خريف العام 1988 في الجزائر. لم يعد هذا المشروع قابلا للتنفيذ بعدما تكرّس الانقسام بين الضفة الغربية وغزّة، وبعدما اكّد نتانياهو المرّة تلو الاخرى انّه لم يعد مهتما بخيار الدولتين وانّ الهمّ الاوّل بالنسبة اليه هو ضمّ القدس والقسم الاكبر من الضفّة الغربية واستمرار الاستيطان.
اضف الى ذلك كلّه، انّه لم يعد من وجود يذكر لشيء اسمه منظمة التحرير الفلسطينية التي هي في الاصل مرجعية السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة السيّد محمود عبّاس (ابو مازن).&
هناك مشهد فلسطيني معقّد. هناك اسئلة كثيرة لا اجوبة عنها. لكن الحلقة المفقودة في ظلّ الفراغ القائم تتمثّل في الجيل الذي سيرث الجيل الحالي، خصوصا ان تنظيم "فتح" لم يعد قائما، فيما كشفت "حماس" انّها لا تمتلك اي مشروع يسمح لها باقامة دولة بالمفهوم العصري والحضاري للكلمة. هل من كيان في العالم يمكن ان &يكتفي من العيش عن طريق التهريب كما حال غزّة تحت سيطرة "حماس"؟
الى متى تبقى فلسطين عند بوابة الانتظار؟ قبل كلّ شيء، لا يمكن للقضية ان تموت نظرا الى انّها قضيّة شعب اوّلا. الحاجة الى جيل جديد يجيب عن الاسئلة المطروحة، جيل من ابناء الضفّة وغزّة يحل مكان الجيل الذي هبط من خارج مع اتفاق اوسلو. سيدوم الانتظار بعض الوقت، لأنّ مخاض الانتقال الى جيل آخر قضيّة معقدة في ظروف اقليمية اكثر من معقّدة.
الانتظار لا يعني الجمود. ثمّة حاجة الى التفكير في الخروج من المأزق، حتّى لو كان ذلك يعني طرح الاسئلة الممنوعة من نوع هل لا يزال من سبيل لاعادة الحياة الى خيار الدولتين؟ &&
&