سقطت ورقة التوت التي تغطى بها سنوات طويلة من أوهم نفسه بأنه حامي حمى الإسلام والمسلمين وحفيد السلاطين العثمانيين والخليفة السادس الذي سيعيد أمجاد الأمة ويحرر القدس ويرفع رايات الخلافة في كل العواصم التي كانت عصية على أجداده وسيفتحها رافعاً راية لا إله إلا الله.

خرج رجب طيب أردوغان صفر الدين وقبض مبلغ 20 مليون دولار لتعويض عائلات القتلى والجرحى الأتراك الذين ذهبوا ضحية حماقاته في ما سمي وقتها سفينة مرمرة التي ذهبت لرفع الحصار عن قطاع غزة الذي تحول لقميص عثمان يستعمله كلما ضاقت عليه السبل ولم يجد ورقة يناور فيها بين الحلم بدخول الاتحاد الأوروبي والأمل بلعب دور محوري في تركيز منظومة إخوانية تبدأ بتونس وتقف على حدود اليمن بعد أن انطلقت كارثة الربيع العربي.

الخليفة السادس لم يجد كيف يستر فضيحته بعد أن اشبع المسلمين والعرب بطولات وجعجعة أرضت غرورهم سوى الاتصال بالرئيس الفلسطيني محمود عباس المغلوب على أمره ليطلعه على تفاصيل اتفاقه مع إسرائيل رغم أن الجانب الرسمي الفلسطيني لا ناقة له ولا جمل في كل ما جرى منذ حادث سفينة مرمرة ولعودة الود المفقود مع تل أبيب، ولكنه أستمع لما يحمله أردوغان من كوارث قادمة لاستكمال تمزيق الحالة الفلسطينية الممزقة بين انقلاب حماس في غزة ومشاريعه لجعلها سنغافورة جديدة برعاية إسرائيلية تركية وبالتعاون مع حكومة حماس الإخوانية.

تحرير القدس وإنقاذ غزة شعارات جماعات الإسلام هو الحل ولا بد من الجهاد في سبيل الله لدك معاقل الكفار في سوريا ومصر وليبيا وبعدها الهجوم لتحرير بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين تهاوت كلها في لحظة لم يتوقعها أكبر المنبطحين من الإخوان والذين صدقوا ما قاله الخليفة السادس في لحظات غضبه على ما يعانيه المسلمون في غزة هاشم.

الاتفاق الذي تجاهل ما كان يقوله أردوغان سيشكل بداية لشكل جديد من علاقات متشابكة بين إسرائيل وتركيا تأخذ بعين الاعتبار وضع حماس في قطاع غزة كجزء من التفاهمات التي ستضمن تمدد تركيا عبر بوابة إسرائيل في غزة لإقلاق الجار المصري وإيصال رسالة لإخوان مصر بأن أردوغان قريب منهم ولتوحيد الجهود عبر تعزيز العمل مع إرهابيي جبهة النصرة المنتشرين في الجولان السوري المحتل برعاية إسرائيلية وفي المناطق المحاذية للحدود السورية مع تركيا التي تشكل العمق الاستراتيجي للجماعات الإرهابية بمختلف تناقضاتها في مواجهة النظام السوري.

الإخوان الذين لن يسمع أحد صوت لهم للتعليق على الاتفاق التركي الإسرائيلي سيكونون جزء فاعل في توحيد الجهد التركي الإسرائيلي لضرب النظام السوري وإعادة التمدد والانتشار المتجدد مع بوادر قفز اليمين المتطرف في أمريكا وأوروبا للحكم وما يمكن أن يجره من نكبات وكوارث جديدة على شعوب المنطقة.

غزة هم أردوغان الأخير سينال أهلها فتات الموائد بعد أن تلتزم تركيا بكل شروط إسرائيل بمنع حماس من كل نشاط على أرضها لتمر مساعداتها عبر موانئ إسرائيل وينال قادة حماس بعد أن يتعهدوا بالسمع والطاعة للجيش الإسرائيلي حق المرور في المراكب التركية إلى خارج غزة المحاصرة وبحجم الالتزام ستكون المكافأة بأسلوب العصا والجزرة.

تحالف متجدد بين تركيا وإسرائيل سيتسع ليشمل أطراف وقفت وتحالفت مع أردوغان وفي مقدمتهم قطر التي تهلل فرحاً لنجاح دورها بعودة العلاقات لطبيعتها بين الشقيقين وجماعة الإخوان المسلمين التي ستجد متنفساً وسنداً تركياً لها برعاية إسرائيلية تبدأ بغزة ولا تنتهي في القاهرة ودمشق ونتائج هذه العودة ستكون واضحة المعالم على الأرض لجهة ضمان أمن حدود إسرائيل الجنوبية مع غزة وتصعيد الدعم والإسناد للجماعات الإرهابية المقاتلة ضد النظام السوري وأولها جبهة النصرة جناح تنظيم القاعدة والذي انتقل من صف الإرهاب إلى صفوف المعارضة الديمقراطية وانتهاء برسائل حامية الوطيس لمصر بأن الخليفة السادس سيفتك غزة من هيمنتها ويكسر نظرية ديكتاتورية الجغرافيا ويحولها لنظرية التقاء مصالح الأشقاء مع إسرائيل.

في كل هذه المتسارعات من الأحداث يبقى السؤال، هل سيخرج أحد قادة جماعة الإخوان وامتداداتها من موريتانيا إلى اليمن ليقول أن هذا الاتفاق خيانة للإسلام والمسلمين أم سنستمع لتكرار ما ذكروه عندما قفز الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى تل أبيب فخرجوا مهللين مذكرين بقوله تعالى "وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".