&قد أتفق والى حد بعيد مع من يريد القول ان العراق دولة يحمي أهاليها بعض الأشقياء.

من يعمل في حقل الدراسات السياسية يعلم بتحليل بسيط ان للهفوات السياسية بتشكيل قوة أو قوى خارج سيطرة الدولة لها نهايات محزنة وخطرة. الصياغة الشكلية للأستقرار الداخلي في العراق يدعو للتأسف والأسى لخضوع أهله ((بمكوناتهم القومية، الأثنية، والمذهبية)) الى صراع مستميت بين أشقياء لقادة حرس قومي، وفدائيو زعماء قوميات، ورؤساء أحزاب وعشائر، وكل منهم يحمل خريطة بائسة ساهمت في دمار العراق ومنع الأستقرار وخنق الحريات المدنية والتأمر بعقد مؤتمرات خارج حزام الدولة الأقليمي ويتم وفقها توزيع أدوار التأمر لغرض الوصول الى مسك السلطة وحيازة التسلط بلا إختيار جماهيري.&

فمن المقصود بدولة الأشقياء والهفوات والتأمر؟&

كم كان بودي أن أمتدح قيادات عراقية تعايشت مع الأحداث المؤسفة، إلا أني لاأستطيع إمتداح من لا يتمتع بعقلية إستراتيجية تعيد للعراق رونقه وبقائه في المحيط الإقليمي والدولي، وطالما اتخذت هذه الطبقة خطاً سياسياً يجاهر بالتأمر على تقسيم العراق.

يُعيدُ شقاوات العراق من الذين لايمتلكون الحكمة السياسية لإستراتيجية ((محاولات تنجح في مداها القريب وتفشل في مداها البعيد ))، بتكرار المبارزات الداخلية التي سادت منذ وصول شقاوات ألإنقلابات عام 63 وعام 1979، ويعيد صيغ نشر الأجواء المسمومة الإنقلابية اليوم شخصيات، كل واحد منها يحمل خريطة تقسيم سياسية يعرضها على دول ومخابراتها طلباً للتحقيق. من هذه الشخصيات رئيس حكومة اقليم كردستان نيجيرفان بارزاني٬ الذي شن هجوماً من محطة صوت أمريكا على كيان الدولة العراقية، ونادى “باستقلال إقليم كردستان٬ وحق الشعب الكردي في تقرير مصيره" وقال (( بأنه وبعد انتهاء داعش٬ علينا أن ننهي موضوع الحدود الذي حددته قوات البيشمركة بدمائها٬ وعلينا تحديد حدود كردستان التي حررت بدماء البيشمركة، سواء بقينا في الحدود العراقية٬ أو البقاء كإقليم كونفدرالي )).&

وحول كيفية إعلان الاستقلال٬ قال “نحن نفهم جيداً بشروط الإقليم٬ ومحيطنا٬ وجميع الدول الذي استقلت مرت بنفس الظروف الصعبة٬ والمشاكل السياسية٬ والاقتصادية٬ ونحن مثل هذه الدول سنستطيع أن نعالج هذه المشاكل”.

ويرى الكثيرون بوجهة نظر معقولة ان الدولة العراقية محاصرة من معارضين ينطّون ويقفزون على سُلّم المسؤولية، وبعد كل قرار جماعي استراتيجي لحماية الدولة وتحصين أرض العراق، دون التمعن بجيوبولتيكية " الجغرافية السياسية " للمنطقة وأخطار التقسيم وردود فعلها المتثلة في جلب القتال الى داخل المناطق الأمنة في كردستان والتضحية بدماء البيشمركة من جديد وأجهاض الرؤية والحلم للمواطن الكردي، ودون التمعن بدستورية الدولة والاستجابة للأكثرية الديمقراطية. وقد سبق نيجرفان الرئيس مسعود بارزاني بعدم ثباته من وحدة التراب العراقي وتهديده بالأنفصال عن جسم الدولة وعواقبها الماثلة أمامنا منذ حملة الأنفال السادية في عهد صدام، وتحديه لشروط تجارية تمنحها الحكومة لإتفاقات بيع نفط الى أوردغان – تركيا التي ينبغي أن تتم بالتقيد بشروط التصدير للثروة العراقية، كما قام بتوقيع العديد من الاتفاقات التي لاتعترف بها الحكومة الأتحادية، وقام بتعطيل برلمان الأقليم، وضم أراضي الأيزيديين في سنجار التي إستنكرها السيد انور معاوية امير الأيزيديين في العراق.&

هذه المواقف جميعها إسهام في إلحاق الأضرار بمصالح العراق من الشمال الى الجنوب وخطر عدم التقيّد باتحادية الدولة وفدرالية كردستان التي قد تتعرض لنكسة أخرى بعد إحتضان مجموعة شقية تتركز تجارة بقاءها على الكلمة الإعلامية و كل ما يثير الاضطراب الأمني الأجرامي والسياسي بإحتضان مصالح دول خارجية.

&الشخصية الاخرى هو النجيفي المتقلب المزاج. ويُميّزُ من بين غيره "بمذهبية الشكوك بمكون عراقي ورعاية مكون عراقي" ويرتمي في أحضان دول خارجية ويتأقلم مع قراراتها بشأن الأمور الداخلية الحساسة للوطن والمواطن. وهو يحمل خريطة تقسيم العراق ويعرضها على دول يضع فيها ثقته قبل وضع ثقته بأبناء شعبه. أما هوية وهفوات المعارض الاكبر وزعيم الحركة الصدرية مقتدى الصدر فهي معروفة بتهيّيج الشارع العراقي بدعوة أنصاره للتظاهر ضد الحكومة وإسقاطها، إن أمكن، دون حساب للفوضى التي أدخلها الى البلد والفوضى اللاحقة. فالصدر تُسيّرهُ أهواءه ومايصل إُذنيه ومزاجه الشخصي الذي يعلنه في خطب المزايدة المحببة الى نفسه التي لا يتوفر فيها خط سياسي واضح ولا منهجية تتبناها الدولة بالمسؤولية الجماعية المتفق عليها، الامر الذي أدى الى حصار قيام دولة مدنية حديثة تلتف حولها تطلعات الجماهير.

هذا الحصار بدأه من أشرنا إليه أعلاه بتشكيل مليشيات وشقاوات مسلحة، وليستمر حصارها وإفسادها الحياة المجتمعية ومنع تطورها وبناءها بعسكرة اهالي العراق وتجنيد أبناءه للقتال والقتال فقط، وخوض مايطلق عليه بالمعارك المصيرية، وإنهاء الحياة المدنية في كل المحافظات،فهاجر سكانها ورحلوا عنها لفقدان الأستقرار النفسي والأمني وإضطراب الحياة اليومية وإنعدام الحقوق المجتمعية المضمونة لتبقى الدولة في مسيرة صراعها الذي لاينتهي وتحت رحمة شخصيات تبنت هذا الموقف بما فيه من إعوجاج ومهاترات، ولايصدر من أفواهها إلا خيانة تربة العراق والتعلق بمصالح دول أجنبية.&

ومجلس النواب الضعيف ورئيسه الجبوري يتستر ويُبعد نفسه عن بحث هذه الأمور المهمة العالية الخطورة والملف الأمني المضطرب. ولايناقش مجلسه، وبحزم وصرامة، أمور هذه الشخصيات، بينما يبحث، كما ورد في بياناته الرسمية، مع ستيوارت جونز السفير الأميركي لدى العراق، الملف السياسي والأمني في بغداد، ويتداول معه بشأن " دور مجلس النواب في المرحلة القادمة ويؤكد أهمية زيادة الدعم الدولي للقضاء على تنظيم داعش".

لقد أضاع ساسة العراق فرصاً عديدة بهفواتهم وأخطائهم وثرثرتهم السياسية وعدم الوقوف صفاً واحدا لمحاسبة فئة طاغية أضرت بمصالح الشعب،ولم تبدي إعتذاراتها وبأحترام شديد للشعب ومكوناته القومية والمذهبية.&

الشكل المقبول لوضع الأستقراروإحلال السلام في العراق تعترضه وتمنعه تيارات حزبية ودينية تأقلمت مع مؤتمرات ومؤامرات الواقع القديم. فهي تعارض وتعارض وتعارض ومعارضتها مجرد مناورات للقفز على المسؤولية الجماعية الدستورية الديمقراطية للدولة ومنع تطبيقها. وهذه التيارات غامضة وسرية في التصرف والهدف و بلا منهج ولا نظام داخلي ملزم لأعضائها ككل الأحزاب في العالم.&

نزعة دكتاتورية هذه الأحزاب لقيادة المجتمع الى صراع دائم ليست حديثة ومراوغاتها السياسية الرتيبة قادت الفشل الى فشل ودمار أكبر وشروعها في آخذ طرق المغامرات التأمرية أنجب حالات مشوهة، وأوقف العمل المنهجي المنظم، وجعل من العراق دولة المهاوشات والهفوات والتهرب من المسؤولية وتوصيل الإعتذارات الى قادة دول.&

حمل وتحمّل أهل العراق الأمرين من رحيل أدباءه ومثقفوه وفنانوه وخبراءه وهجرة أطباءه ومهندسوه وعلماءه الى خارج خندق الصراع الحزبي والديني المقيت.&

وأحس مثقفوه عدم تألق أو نجاح أي مشروع وطني للحمة، بتعدد الهفوات والتوقف عند منتصف طريق النجاح وفقدان دينامكية العمل المنتج لمشاريع ضلت مهملة. فلاتوجد وصفة طبية لسياسة طبقة توقفت عن العمل ولاتفهم العمل السياسي الخدوم وسبب إنتخابها. طبقة التوقف وعدم التعرف على المسؤولية الجماعية أضرت بمهمات العمل السياسي والعسكري والأقتصادي والتجاري المطلوب والمناط برئاسة الحكومة من جهة ومجلس النواب من جهة.

المسؤولية الجماعية للقرار درس مفيد للتقدم والبناء والتشّيد، ولايتسبب في الإنزلاق الى ماكنا عليه والإعتذار عن الإنحرافات بكلمات مُهيأة مبررة" لحالات السرقة وفقر ميزانية الدولة،والإندفاع المتهور لتوقيع إتفاقات تُلغى لاحقاً لعدم ضرورتها، وقتال داعش في معارك خلقنا أُمراءها لأنفسنا.&

فقدان بوصلة التقدير السليم جعل من العراق دولة الهفوات والإعتذارات وقيام مبعوثيه الإنحناء الى مختلف مبعوثي الدول وممثليها.&

وختاماً أقول أن تسليم المسؤولية الجماعية المجتمعية بأيدي قادة شقاوات ومليشيات هو الميل والقبول للجرائم الأرهابية وتعميم الفساد والفوضى وإدخال الدمار. ولنكن على يقين ذكي تفضيلي بأن الأصوات العراقية للجماهير العربية والكردية، وبأي صورة إحصائية، لن تميل الى مؤسسات وأحزاب الأشقياء لقيادة العراق بخضوع وتطرف قومي أو مذهبي.

باحث وكاتب سياسي