سميل بلدة صغيرة، تبعد عن مدينة دهوك بحوالي 15 كلم، في هذه البلدة وبلدات أخرى وفي الطرقات وكل مكان طالته يد الاجرام، اقترفت جريمة بشعة، من قتل وبقر بطون النساء وسحل الناس خلف السيارات والعربات، وكان اخر مشهد في هذه الجريمة عندما خير الناس ان يعبروا واديا ووقف الجنود على جانب وحينما هرب الناس ونزلوا الوادي وصعدوا على الطرف المقابل لكي يخلصوا انفسهم، تم رشقهم برشقات متتالية من الرشاشات، حتى تم ابادتهم كلهم، وكل من قتل من الرجال في هذه الجرائم المتتالية النكراء لم يكن مسلحا، بل اعزلا، تتفاوت التقديرات بين ثلاثة الاف وخمسة الاف عدد الضحايا التي لم يتم احصاءها لان هناك عوائل كاملة ابيدت ولان الناس لم تفكر بالاحصاء بل بلملمة الجراح وهجر الالاف العراق جراء ذلك. ليست سميل اكبر مذابح الاشوريين، فهناك مذابح الحرب العالمية الأولى او كما عرفت شعبيا بسفر بلك او سيفو، حيث فقد الاشوريون بكل طوائفهم ما يقارب السبعمائة وخمسون الف نسمة، وهناك مذابح بدرخان بك ومذابح محمد كور الراوندوزي ومذابح 1895 و1905. وكلها فقد فيها الاشوريين اكثر مما فقدوه في سميل، ولكن سميل اقترنت حقيقة بأمور جعلتها ترتقي الى الإبادة الشاملة بالتخطيط المسبق واوامر حكومية واضحة واعلام محرض، ودولة في عصبة الأمم موقعة على تعهدات بحماية ومنح الحقوق الكاملة للأقليات المتواجدة فيها.
ومن ناحية التخطيط فهناك برقيات حكومية واضحة بإعلان الجهاد ضد الاشوريين او الاثوريين الكفرة، وهناك مئات المقالات من التي نشرت في الصحف العراقية خلال الشهر الذي سبق المذبحة التي تدعوا الى القضاء على فتنة الاثوريين، واغراء العرب والكورد بدفع مبلغ مالي مقابل كل راس اثوري، والسماح للقتلة بالاحتفاظ بالمسروقات التي يستولون عليها، مما يؤكد التخطيط المسبق من قبل الدولة للتخلص من القضية الاشورية، باقتراف مذابح بحقهم. ومما يثبت ذلك أيضا قيام الحكومة بمنح الاوسمة والاحتفاء بالقادة المشاركين في هذه المذابح، وكان احدهم بكر صدقي الذي تغني به العراقيون لحين استيلاءه على الحكم من خلف الستار، بعد انقلاب القصر في عام 1936.
فبعد اقل من سنة، من اعلان استقلال العراق، وتأكيده ضمان حقوق الأقليات، يزج الجيش العراقي الضعيف في ابشع جريمة يقترفها جيش نظامي، ضد اقلية عراقية، كانت الأولى التي دافعت عن الحدود العراقية الشمالية الشرقية وتمكنت من اخراج الاتراك من قضاء راوندوز. ومرة تلو الأخرى ومنذ زمن طويل يتم التثبت بان لم تعر أي حكومة لا في العراق ولا في المنطقة أي أهمية للمواثيق والعقود التي يوقعون عليها.لقد ضم مجلس الوزراء، ممن دفعوا نحو اقتراف الجريمة كل من رشيد عالي الكيلاني رئيس الوزراء، والوزراء حكمت سليمان وزير الداخلية، وياسين الهاشمي وزير المالية، ونوري سعيد وزير الشؤون الخارجية ومحمد زكي وزير العدل وجلال بابان وزير الدفاع ورستم حيدر وزير المواصلات وسيد عبد المهدي (وهو والد السياسي العراقي الحالي عادل عبد المهدي) وزير المعارف. لقد كان هؤلاء الوزراء في غالبيتهم ممن عاشوا وترعرعوا في العهد العثماني، حيث ترسخت لديهم الفكرة الطائفية وتقسيم الناس وحقوقهم على أساس انتماءاتهم الدينية. كانت تبعات المذبحة اشوريا، الانزواء فترة طويلة عن المشاركة في العمل السياسي العراقي، السكوت عن المطالبة بالحقوق القومية السليبة، فالأشوريين كانوا الارفع صوتا في تحديد والمطالبة بالمطالب القومية بعد الكورد، ولكن مشكاة الاشوريين كانت مسيحيتهم، التي جعلت الفئات المتحكمة تنظر اليهم على انهم كفرة يحق قتلهم، ما لم يرتضوا الاحسان المقدم لهم بتركهم على قيد الحياة في ارض الإسلام.
عراقيا، ما حدث في سميل وجوارها من الجرائم البشعة، صار امرا عاديا في الممارسة العراقية وفي تصفية الخلافات السياسية وفي الاعتداء الممنهج على الاخرين. فبكر صدقي الذي ارتقى الى منصب رئيس اركان الجيش لبلائه الحسن في قتل الاشوريين، قام بفرض رئيس وزراء و وزراء ممن يوالون أفكاره في ما سمي بانقلاب القصر، و حتى قام احد الناشطين القوميين العرب من قتله. ليس لجرائمه في سميل بل، لاعتقادهم انه يجر العراق بعيدا عن العرب. وهنا اتى مرة أخرى رشيد عالي الكيلاني، الذي كان احد المخططين والداعمين للقضاء على الاشوريين. وما حدث بعدها من اسقاطه والقاء القبض على العقداء الأربعة واعدامهم، وتلاها الفرهود الذي طال اليهود، ولعل القضاء على العائلة المالكة وبعض السياسيين في العهد الملكي بسحل جثثهم، وحروب الرفاق في الموصل وكركوك، كلها أتت تمثلا بما جرى في سميل، فان قمت مرة بامر ولم تعاقب عليه، فانك ستقترفه مرار لانك تدرك ان العقاب لا يطالك. العقاب الوحيد، كان الخلافات بين الأطراف والتي كانت لابسط خلاف، تلجا للانتقام احداها من الأخرى كأسرع وسيلة للتخلص من الخلاف. عراقيا، عندما سكت الجميع عن ما حدث في سميل، سمحوا بالفرهود للمرور، وبالسحل وبالانفال وبالحلبجة وبحرب ايران والكويت. لقد تلطخت ايادي الجيش العراقي، كمؤسسة، بدماء الاشوريين، فسهل لهذه المؤسسة الشوفينية، ان تنقلب على الحكم مرارا، وسهل لها ان تدخل كطرف الحرب الاهلية وسهل لها ان تكون يد الأنظمة وليس سياج الوطن. لقد قام الجيش الذي بنى باموال العراقيين كلهم، بقتل العراقيين، مرة بحجة انهم كفرة، ومرة بحجة ان النظام عميل ورجعي، ومرة بحجة ان الكورد عملاء الصهيونية. فاين كان الجيش العراقي كل هذه الفترة، نحن لم نشاهد جيشا عراقيا، لانه لم يقم بصد أي عدوان على العراق، وبالحقيقة انه لم يحدث مثل هذا العدوان، بل كان أداة للعدوان على الاخرين مثال الحرب على ايران واحتلال الكويت، داخليا تحول الى أداة قمع وقتل والحل الحاسم لكل المشاكل.
سميل صرخة اشورية مدوية، في وجه الكل، العراق وجيشه، العرب والكورد والمؤسسات الدولية كافة، صرخة تقول، شعب لم يلجأ لأي خيار، غير خيار تقديم العرائض والرسائل، للنظر في مظلوميته، ولكنه قوبل بالقتل والسحل والسبي والاغتصاب من قبل مؤسسة كان موكلة بالدفاع عن الوطن وعن أبناء الوطن. علما ان الاشوريين لم يكونوا الوحيدون ممن قدموا العرائض، بل كان الكورد والازيدية وحتى الشيعة العرب.
ومن ملاحظة الاحداث التاريخية للأشوريين، فان جل شهدائهم، لم يكونوا نتيجة معارك خاضوها، بل جراء جرائم تم اقترافها بحقهم، حيث هوجموا في قراهم ومساكنهم ومراعيهم وتم ابادتهم وفي الغالب من قبل جيرانهم. كما لا يمكن وصف ما تم اقترافه بحقهم على انه صراع عشائري بين عشيرتين، لانه كان زحفا يضم تحالفات واسعة في الغالب، ضد الاشوريين وفي الغالب ضد المسيحيين بحجة انهم كفرة. لقد تم دفع الاشوريين للدفاع عن انفسهم في الحرب الكونية الأولى حينما شاهدوا بام اعينهم الأرمن يتم ذبحهم بلا رأفة، وانتقال القتل والذبح الى مناطقهم الغربية وخصوصا اتباع الكنيسة السريانية وكل من يسكن تلك المناطق، ولم يكن امامهم أي مفر اما الاستسلام ونتيجته معروفة وواضحة في مصير الأرمن والاشوريين في مناطق مثل ديار بكر ومديات ومناطق منعزلة أخرى، حيث تم إبادة الالاف، ولذا دافع الاشوريين ببسالة وحاربوا القوى العثمانية رغم امكانياتهم الضعيفة، الا انهم في النهاية أيضا انكسروا نتيجة تزايد الضغط عليهم من مختلف الاتجاهات.
في سميل واحداثها، كان راي الاشوريين دراسة مقترحات الحكومة في مشروع الإسكان المقترح، كان الاشوريين يتكلمون وهم يحملون كما هائلا من الخبرات الماضية عن التعايش بينهم وبين الكورد، فلذا أرادوا صيانة ذاتهم من أي احتمال مماثل لما حدث سابقا، من اجتياحات كوردية متتالية عليهم، ولكن الحكام العراق الجلاف والذين في غالبيتهم كانوا خريجي المدارس العسكرية العثمانية او كتاتيب المساجد، كانوا يجدون صعوبة في هضم ان يقوم مسيحيين بطرح مطالب ويناقش ويحاول ان يستحصل على حقوقه. كان الاشوري لدى حكام العراق شيء غريب، مسيحي من نوع اخر، لا يطأطئ الراس ولا يخاف، يرد الاذية فورا، وهذا لم يكن مقبولا، لانهم كانوا قد تعلموا من المسيحيين انهم ليسوا سوى حملة المناشف على اكتافهم لكي يأتي العربان ويمسحوا اياديهم بعد انتهاءهم من الاكل او الوضوء. فكان الامر بكسر شوكة الاشوريين والازيدية، ومن ثم انسحب الامر تدريجيا على الجميع.
التعليقات