&أحيانا كثيرة نقرأ من بعض معارضي التنظيمات المتطرفة المزعومين، ان أعضاء هذه التنظيمات يصرخون وينددون ويهددون إسرائيل واليهود والنصارى ولكنهم يفجرون انفسهم في المسلمين! واليوم قرات لكاتب اسباني نفس القول وان كان بصورة أخرى وهو ان داعش قتلت من المسلمين اكثر من الغربيين! وهذه الجمل اما هي تبريرية، لعدم القيام بضرب هذه المنظمة لانها ليست خطرة على الاخرين بل فقط على بني جلدتها و باعتبار ان ادعاء البعض ان هذه المنظمات تهدد السلم العالمي ومصدر تهديد مستقبلي للغرب ليس صحيحا، او هي تقول ان داعش كاذبة في شعاراتها، مما يوحي ان من يقول انه لو كانت داعش قد فجرت نفسها في اليهود والنصارى لهان الامر، وبالتالي ان ما حدث للأزديين والمسيحيين في العراق وسوريا من عمليات قتل واختطاف وسبي وبيع السبايا، امر ليس مهما وليس منظورا لانه يخص بضع الاف وليس بضع مئاتا من الالاف او الملايين. باعتقاد ان اسواء من يدعون انهم أعداء داعش وافكارها الظلامية، هم من يقولون ويرددون، ان داعش تصرخ الموت لاميركا وإسرائيل وهي تفجر نفسها في المسلمين، ان ضررهم متاتي من ما يحمله قولهم من معاني لا تختلف عن ممارسات داعش، لانها تبارك لو كان التفجير في غير المسلمين، او على الأقل في الإسرائيليين او الامريكان، ولكن استنكارها لانه يطال المسلمين بحسب ادعاءها.
الجميع ينسى او يتناسى، ان داعش والقاعدة قبلها وغيرها من المنظمات، تؤمن بانها الوحيدة الحاملة للمعتقد الصحيح، كل الاخرين هما في ضلال مبين، ولكن كمية او مدى ضلال الاخرين هو امر محسوب، وعليه يمكن لمثل هذه التنظيمات ان تتعاون او تتحالف مع اطراف معينة زمنيا، لحين التمكن، وحينها ستنقلب عليهم. وليست المشكلة في هذه التنظيمات الواضحة في الهدف والغاية، بل في من يعتقد، رغم وضوح هذه المنظمات، انه يمكن ترويضها ببعض التنازلات، سواء بتقديم أموال (جزية غير معلنة من قبل بعض الدول، لعتق رقاب رعاياها) او بغض النظر عن توسعها في ما يسمى بالدول الإسلامية. ان الشعار الأساسي لهذه التنظيمات هو (تمسكن حتى تتمكن) وحينها اعلن انقلابك على الاخر، وستجد في القران والسنة حتما ما يبرر فعلتك لتكون شرعية.
ان هذه التنظيمات الاجرامية، تعتقد بان أولى مهامها هي تنظيف محيطها وترويضه وجعله تابعا ذليلا لها، ولكن لانها تحمل أيديولوجية خلاصية، بمعنى ان لا خلاص للبشرية الا بما تؤمن به، فانها تدعو الى اخضاع العالم وكما يقولون تنفيذا لاوامر الاهية، فان حروبها حتما ستمتد الى بقية العالم، لفرض رسالتها على الجميع. ولان الأيديولوجية، أي ايديولجية قابلة لتفسيرات متعددة، من قبل اشخاص مختلفين، او حتى من قبل شخص واحد حسب الزمان والمكان، ولان الأيديولوجية تدعي بانها امر الاهي، فتوقعوا بعد انتصارها الذي تتمناه، أي حكم العالم، مزيدا من الحروب العالمية. انها رسالة الحرب الأبدية حتى نهاية البشرية.
ومما يساعد على انتشار الحروب والاحتلالات، هو ان اقتصاد مثل هذه التنظيمات واقتصاد مثل هذه الأيديولوجيا، يعتمد بالأساس على الغنائم، والسبايا والعبيد. في انتاج لا يكثر من الموارد، بل ان الموارد الأساسية تترك لمن يدفع الجزية في الغالب، وهم ممن لم يتركوا عقيدتهم ويسمح الإسلام لهم بالبقاء، مقابل الجزية. ولكن هذا الإنتاج يتقلص رويدا رويدا، بفعل تفضيل الناس الدخول في الإسلام، للحصول على المغانم والتخلص من الجزية. ان انتصار التامة للايديولجية الخلاصية هو خطر ومبشر بعصور الخراب فكيف بحالك وهناك تنظيمات مثل داعش وغيرها اقتصادها أساس مبني على الحروب، ان انتصار داعش لا سمح الله لا يعني الا الحروب المستمرة.
ان استمرار هذه التنظيمات في محاولاتها المتكررة في استهداف العالم بجرائمها، التي تقتل من خلالها الكثير من مواطني الدول الكبرى، يعني انها تعمل بجد وباخلاص تام، للوصل الى حرب دينية، والا لاي سبب كانت كل هذه المحاولات في الولايات المتحدة الامريكية وبريطاناي وفرنسا واسبانيا وغيرها من الدول الغربية او المحسوبة عليها. باعتقادي ان حتى الركون الى حكمة قادة هذه الدول، والذين يحاولون وفي كل مرة تجنيب الإسلام كدين، مسؤولية ما يجري، وباصرار قد يراه البعض غباء او مشاركة في مؤامرة ما، الا ان ادراك هؤلاء الزعماء مرامي هذه التنظيمات في اعلان الحرب على الإسلام، والتي ستعني تقسيم العالم الى طرفين، مسلمين، يخضعون لهذه التنظيمات والعالم الاخر كله. أي ان هذه المنظمات ستتمكن من ان تقود المسلمين كيفما تشاء ورغم إرادة كل المسلمين في العالم. ان المجتمعات الغربية، تتشكل من أناس، لهم قدرة معينة للقبول والتسامح والصبر، ولذا فان أي عملية جديدة لهذه المنظمات يزيد من ميل الناس نحو اليمين واليمين المتطرف الذي يطرح حسب اقوال ممثليه الحلول الجذرية لهذه الهجمات ولعل ما طرحة المرشح الجمهوري للرئاسة السيد دونالد ترامب، يدخل في هذا الاطار. وباعتقادي ان أي احد لا يمكنه ان ينتقد السيد ترامب او أي دولة أخرى ان اتخذت خطوات باتجاه التضييق على من يكون حاضنة للارهاب والارهابين، وخصوصا ان اغلب الدول العربية والتي منها اغلب الارهابين، قد نفذوا ما يطالب به ترامب، لا بل بابشع صوره، ولعل مسألة طرد أبناء العراق وسوريا ومصر ولبنان من مواطنيه الاصلاء من أبناء الديانة اليهودية، وبشكل جماعي مع الاستيلاء على كل ممتلكاتهم ووثائقهم، سيجعلها تلتزم الصمت التام، علما ان اليهود في هذه الدول لم تكن تمثل أي تهديد لمواطنيها في نفس الدولة من الديانات الأخرى، حتى لو تعاطف بعضهم مع الحركة الصهيونية.
وبالتالي ان القضاء على مثل هذه الحركات، قصاء مبرما، ونعني بالمبرم، بما لا يساعد على ظهور مثلها، وان ظهرت ستبقى حالات فردية، هو امر واجب القيام به من قبل كل الجهات واولهم الدول والمؤسسات الإسلامية، ومن قبل كل القوى المحبة للخير والسلام، والتي تؤمن بالتطور العلمي والاقتصادي والاجتماعي، لان هذه الحركات حتما ستقضم الكل ولن تبالي الا بالحالة الراهنة لها. لانها تضع كل ثقلها على الغيبيات وتتطلع الى الحياة الأخرى على الأقل في ما يخص الاخرين، وان كانت قيادات مثل هذه الحركات شرهة للحياة ومباهجها اكثر من تطلعها للحياة الأخرى.
ولكن للقضاء على مثل هذه الحركات، يتطلب تغييرات شاملة في مناهج التعليم وفي الحريات الاجتماعية والحريات الفردية الأخرى مثل حرية الراي والمعتقد. ان الدعوة لتغيير مناهج التعليم وأسلوب التربية الدينية، مازالت مستمرة وعلى مختلف المستويات، ولكن هناك تلاعب بذلك، فاحد اهم مؤسسات تعليم ما يسمى الإسلام الوسطي، حينما ادعت انها بصدد التغيير، لم تغير الا المطبعة الخاصة بطباعة الكتب، فيما ظلت اغلب الطروحات، قائمة، مثل حق قتل تارك الصلاة وغيرها من ثوابت الإسلام. ان الدعوة لتغيير مناهج التعليم يتطلب أيضا، تغيير تدريس التاريخ المليء بالاكاذيب والانتصارات الكاذبة ورمي أسباب التخلف في المنطقة على الاستعمار، دون النظر ونقد موقف الدين من أي تطور والذي اعتبره بدعة وكل بدعة ضلال. ان القيام بالتركيز على معاناة الأقليات في المنطقة، من حكم الأكثرية ومن فرض قيمها على الأقليات، سيعتبر بحق خطوة أساسية لمعرفة الناس حقيقة ما جرى، مما يسمح بالتعايش السلمي بين مكونات المنطقة ويفتح الطريق لظهور الكتب التي تبحث التاريخ من خلال معاناة الناس وظروفهم المعيشية وليس من خلال انتصارات مزعومة وعدالة مدعاة بها. حان الوقت للقيام بنقد التصور التاريخي الذي خطته الأيديولوجية العروبية والتي رمت أسباب تخلف المنطقة وشعوبها على الاخرين وليس الى عوامل ذاتية، لانه الوصول الى هذه النقطة، أي نقد التصور التاريخي، كان يجب ان يتم كشف دور الإسلام وعلماءه المزعومين في الجمود الحضاري للمنطقة. لقد اثبت تجربة الاربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ان الاختلاط، بي الجنسين كان افضل لخلق مجتمع اكثر انفتاحا وقبولا واقل امراضا، من الواقع الحالي، ففي تلك الأزمنة كانت مسألة التحرش مثلا نادرة وليست كالمرحلة الراهنة، ان الاختلاط في المدارس والمعامل والحياة الاجتماعية تجعل للمراة مكانة ويمنحها الاحترام الذي تستحقة، ويبدأ الرجل ينظر الى ما تحمله من الأفكار والاراء اكثر مما يبحث عن مكامن الاغراء فيها. ان الاختلاط يمنع ظهور الأفكار المتطرفة، والانعزالية ويفرض على الناس الحوار والنقاش بحرية واحترام
teery@[email protected]
التعليقات