الكلمة التي تقال او تكتب يمكن لها ان تكون دواء ويمكنها ان تكون سيفا بتارا، والمسوؤلية هي مسوؤلية الكاتب.. والكاتب المثقف، ولكي يستحق تسميته بـ(الكاتب المثقف) عليه ان يزرع ما يطور الحياة ويبني السلام والمحبة، هذه المحبة التي هي ارقى مراحل الحس الانساني.. ولكن احيانا يصعب على المرء ان يكتب من منطلق العقل والمنطق، فيخرج الى رحاب المشاعر.. والطامة الكبرى تحدث عندما تكون هذه المشاعر كلها حقد وكراهية للاخر، حتى من دون معرفة حقيقته.

بقدر ما يتعلق الامر بي، احاول جاهدا ان اكون محايدا في ما اكتب. احاول ان افهم الاخر، وفي ذات الوقت انقل له مخاوفي. اني اخجل كثيرا من نفسي، عندما اقرأ واسمع واشاهد اخوتي المسلمين وهم يرفعون رايات الدفاع عنا نحن المسيحيين، فاقول في نفسي ربما اسأت فيما اكتب لهم احيانا عن الاسلام، حتى وان كان من دون قصد. اقول يا ترى لو التقيت ببعضهم، الا يوجهون سهام نقدهم الي؟ اسئلة تراودني، ولكنني بما كتبت ابتغيت دوما نقد ممارسات واظهار المخاوف التي فشلنا في ايصالها الى الاخوة المسلمين.

ولكن في ظل حملة استمرار الاعتداءات على اخوتنا وبني قومنا، لا لسبب الا لكونهم مسيحيين، ياخذ العقل استراحة او يغيب. والذي يبقى مسيطرا هو المشاعر. ونحن الشرقيين نمتلك عموما مشاعر نارية وبالاتجاهين المتناقضين، مشاعر نارية عندما نحب، ومثلها عندما نكره.

نعم خسرنا الكثير.. خسرنا الشهداء الذين استشهدوا ليس لجريمة او ذنب ارتكبوه، وليس لمجرد انهم تواجدوا لسوء الحظ في الزمان والمكان الغير المناسب فاصابتهم قذيفة او شظايا انفجار، بل استشهدوا لانهم مسيحيون ليس الا. ثم خسرنا من بعدهم، ولذات السبب ايضا، الطمأنينة.

فعندما تعيش في بلد او مدينة او حتى قرية، يتشارك في سكنها مواطنون من مختلف الاديان، ويستل السيف للقتل على الهوية الدينية، فانك حتما لن تطمئن الى جارك من الدين المخالف حتى لو كنت قد عرفته وعاشرته انسانا ودودا. فما ادراك انه كان يبطن ما لا يخفي. فاحتمال ان تأتيك الضربات من كل ناحية هو احتمال وارد في كل حين ما دامت الطمانينة مفقودة. فكيف سيكون حالك اذا كنت من مجموعة سكانية قليلة العدد، قياسا بمن بأسمهم استل سيف القتل؟

هل نظل نستمر القول ان من يمارسون هذه الافعال ما هم الا مجموعة ضالة لا تمثل حقيقة الدين، بل انها تستغل الدين لمأربها، لا بل انها اسرت الدين لمصالحها الخاصة؟

ولكن ما جدوى تكرار هذه التاويلات للطرف الاخر، اقصد الضحية. فهل تكفي هذه التوضيحات المقتضبة ان تطمئن الضحية الى ذاتها ومستقبلها وتعايشها.

الا ترون معي ان الضحية قد تجد نوعا من التواطؤ بين القاتل وبين من يسوق التبريرات والذرائع لفعل القتل حتى وان جاءت بصيغة اتهام مرتكبيها (باسم الدين وراياته) بانهم لا دين لهم؟ وستظل الاسئلة تتوالد في مخيلة من لا حول له ولا قوة، ولا من مجيب سوى كلمات التبرئة احيانا والتبرير احيانا اخرى وبين هذه وتلك يستمر السيف بتارا.

ان ننظر للمستقبل ونعمل له من اجل شعبنا وبلدنا، يجعلنا نعمل من اجل ترسيخ مفاهيم الوطنية والعدالة وسمو القانون وحقوق الانسان. فذلك هو واجبنا جميعا بعد الدمار الهائل الذي اصابنا، انسانا وقيما وبلدا، خلال اكثر من ثلاثة عقود من حكم الرأي الواحد والزي الواحد والشخص الواحد.

ولكن تبقي دائما اللحظة الراهنة مطلة برأسها وتفرض وجودها وثقلها.

ماذا عن الضحايا وعن الخوف والهلع؟

لا بل وماذا عن روح التحدي التي قد تظهر عند الضحية؟

اين ستوجهنا عواقب القتل على الهوية؟

من سيدفع الفدية والثمن؟ اليس هو الوطن؟ هل سيدفعها المسيحيين وحدهم، من دمائهم واموالهم، ام ان لهب النار ستحرق الاخضر واليابس؟

ان تطرح اسئلة لاستثارة ملكة العقل امرعقيم لمن لا عقل له.

فصدام لو كان يملك عقلا لما حاول فرض اجندته الشخصية على حزبه وشعبه ومن ثم على المنطقة، فدفعنا كلنا ثمن نزواته، نعم كل شعوب المنطقة، بلا اسثناء، انها مسيرة الدكتاتورية، تحاول ان تفرض اجندة ضيقة او خارج اطار الزمن، على الاخرين والنتيجة تكون حروب ودماء.

ان القائمين بهذه الافعال قد قرروا فرض اجندتهم بكل الطرق والوسائل. فهذا هو المهم بالنسبة لهم، وليذهب الوطن والشعب الى الجحيم ما لم يكونوا من المؤمنين بهذه الاجندة.

لا بل ان المتطرفين الدينيين يقترفون اعمالهم بأسم الله، ولذا فهم يعتقدون انهم سائرون الى جنة تجري من تحتها الانهار ومالكين اثنتان وسبعون من حور العين.

لقد قال الامام علي (ان القرآن حمال اوجه)، والدين هو اليسر وليس العسر، فما بال هذه الشراذم الا ان تحاول قتل البسمة من على شفاه الاطفال ومن على وجوه الناس، ما بالهم يريدون اضفاء التجهم والفقر والبؤس على البشر.

لو نجحت مخططات هذه الفئة الضالة ضد المسيحيين واليزيدية والصابئة (لا سمح الله)، فالدور سيكون للشيعة والقوميين الكرد ومن ثم ضد كل من لا يتفق مع غلوها وتطرفها من السنة. انها حقيقة من حقائق الحياة فمن لا يقبل بالغريب البعيد، لن يقبل بالمخالف القريب.

ان لم يتم القضاء على هذه الفئات فالدور سيأتي على الكل.

فاما ان تنصاع للقانون، قانون العدالة والمساواة، او ان تقلع من جذورها.

لا يمكن التفاهم والتوافق مع من يريد نفيك او الغاءك، ومع من يريد استغلال قانونك ليسلبك الحرية والكرامة الانسانية.

صحيح ان الحرب موجهة (في طورها الحالي) ضد المسيحيين واليزيدية والصابئة، ولكنها ليست حربهم وحدهم، انها حرب كل العراقيين ضد الارهاب والفكر المتزمت.

ان السكين التي توضع اليوم على رقاب المسيحيين ستطال الكل ان لم يتم العمل سريعا لاستصال شأفة هذا السرطان الجنوني.

فليعذرنا الاخوة المسلمين فنحن لسنا ضد ما يؤمنون، فهذا شأنهم ونحن نقدره، كما ان ايماننا شأننا الخاص.

ولكن الالم يعصرنا عندما نرى فرض القوانيين الهمجية بحجة الدفاع عن الاسلام وقيمه، ويتم تطبيقها بهذه الوسائل.

لا تلومونا لو مددنا يدنا لطلب المساعدة. فان لم تأتينا من اقرب الناس الينا، وهم انتم، لا تلومونا ان خرجت ردود فعل من بين ابناء شعبنا.

فعندما يستشري قانون الغاب ويطلب منا السكوت على القتل على الهوية، فليس باستطاعتنا ان نحدد ردود الفعل، فالفعل هو فعلكم اليوم لاستئصال هذه الفئة الباغية، ولنبني وطننا نكون جميعا ابنائه، لا فضل لاحد على اخر فيه الا بما يقدمه لخدمة وطنه.


تيري بطرس