شهدت الساحة السياسية العراقية وكرد فعل لنظام الحزب الواحد والدكتاتورية المقيتة ظهور كم متنوع من الجماعات والتيارات السياسية الى الحد الذي اصبح فيه تشكيل الاحزاب في العراق احدى الموضوعات الساخنة للكوميديا العراقية
ربما يعتقد البعض بان ظهور كافة الوان الطيف السياسي العراقي وبهذا التلوين الصارخ هو ظاهرة صحية وقد يحاول هذا البعض ان يمطر من يضع علامة استفهام واحدة امام التركيبة السياسية العراقية الحالية بوابل من الاتهامات الجاهزة المتمثلة بالحنين الى الدكتاتورية وعدم القدرة على تحمل مشاهدة الشعب العراقي يتمتع بنسيم الديموقراطية العليل
ان هنالك قطاعات واسعة تفهم الديموقراطية لعبة شانها شان اية لعبة اخرى تحكمها قوانينها وقواعدها حيث من المتفق عليه ان ساحة اية لعبة تمثل اساسا لمعرفة عدد اللاعبين فيها فلايجوز مثلا ان يتواجد اكثر من اثنين وعشرين لاعبا في ساحة كرة القدم واثناعشر لاعبا في ساحة الكرة الطائرة وعشرة لاعبين في ساحة كرة السلة وهلم جرا - كذالك الحال ايضا في العبة السياسية حيث من المؤكد ان الساحة السياسية يجب ان تفرز عددا معينا من التيارات التي يستطيع الناخب على ضوئها قادرا على تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف فيما بينها
الولايات المتحدة الامريكية تحقق لعبتها السياسية عن طريق حزبين سياسيين فقط ولا اعتقد ان هنالك من يشكك في شرعية الديموقراطية الامريكية - في السويد هنالك سبعة احزاب فقط تمثل التركيبة السياسية على الساحة السويدية - لقد قال لي احد الاصدقاء السويديين في احدى المناقشات ان المواطن السويدي يرى صعوبة كبيرة احيانا في تحديد نقاط اختلاف جوهرية بين تلك الاحزاب السبعة واعتقد ان هنالك امثلة كثيرة على هذا المنوال - مسكين هو المواطن العراقي وهو يصاب بالتشويش لابل بالصداع من هذا اللحن السياسي العراقي النشاز
ربما يقول البعض بعدم القلق وتضخيم الامور طالما ان الانتخابات ستغربل حصاد الدكتاتورية هذا حيث سيعرف الجميع نسبتهم وثقلهم على الساحة العراقية - كل هذا صحيح ولكن من يضمن ان هذه الفرق المبتداة في هذه اللعبة قد اختارت جميعا ان تؤمن باحكام هذه اللعبة ايمانا صادقا وليس اسلوبا متاحا للوصول الى الاهداف بالامكان استغلاله مع عدم اسقاط الوسائل الاخرى التي يمكن اعتمادها عندما لايعطي طريق الانتخابات النتائج المرجوة- ان احد الامراض المزمنة للاحزاب السياسية العربية يتمثل في انعدام الثقة والامان فيما بينها فسياسة الرغبة في اسقاط والتهام بعضها للاخر كان ولازال سمة اساسية من سماتها وهدفا - ساميا - من اهدافها ولذالك فان الاحزاب الحليفة مثلا تقاتل على جبهتين في ان واحد - مع ضديداتها من جهة وفيمابينها -خفيا -من اجل اقصاء الحليف او استخدامه سلما للوصول الى اهداف انية من جهة اخرى - ان استخدام كل الوسائل الممكنة النظيفة وغير النظيفة من اجل ربح المعركة السياسية هو مبدا مسلم به في الحياة السياسية العربية بوجه عام والعراقية بوجه خاص حيث ان اللاعبين السياسيين الاساسيين القدامى والجدد هم تلاميذ نجباء لميكافيلي
لقد اصبت بالدهشة وانا اقرا مثلا دعوة - عنكاوة دود كوم- للاستفتاء حول لمن يعطي الناخب المسيحي صوته في الانتخابات اذ ارى امامي عشر تيارات سياسية مسيحية تتنافس على اصوات قوميات تشترك في الخلفية الدينية تمثل على احسن تقدير خمس في المئة من مجموع الشعب العراقي- لقد اصبح حال الاحزاب السياسية شبيها باصحاب - البسطات - او دكاكين وكلاء الحصة التموينية تعتمد في وجودها وديمومتها على ازقة بسيطة وشوارع فرعية معدودة او حي متواضع حيث ان الاتجاهات الطائفية واضحة جلية في عناوين هذه التيارات واسمائها
ان طريق الالف ميل يبدا بخطوة كما ان الروس يقولون ان البداية الطيبة نصف العمل و لكي تكون الخطوة صحيحة والبداية طيبة فان ذالك يتطلب نكران ذات وتضحيات من بعض السياسيين الجدد من اجل اظهار الصورة السياسية العراقية بالوانها الطبيعية الجميلة لكي تكون مهمة الناخب العراقي بسيطة وواضحة لكن هذه التضحيات المطلوبة قد تكون قاسية ومريرة وصعبة على عشاق المقاعد الامامية
ا لدكتور وديع بتي حنا




التعليقات