نقلت صحيفة الشرق الاوسط اللندنية في عددها ليوم السبت 27 تشرين الثاني 2004، عن السيدة بثينة شعبنا وزيرة المغتربين السورية (ان مقتل المخرج الهولندي اقام الدنيا ولم يقعدها لان قاتله من اصل عربي ومسلم في حين قتلت أن ليند، وزيرة خارجية السويد، التي كانت تمثل ضمير اللانسانية من طرف متطرف مسيحي صربي ولم تقع ضجة كبيرة ضده او ضد بلاده وانتمائه الديني) وقالت الصحيفة ان هذا يثير في نظر الوزيرة شعبان الانتباه الى التضييق المجحف على جالياتنا العربية في المهجر.

السيدة بثينة شعبان تتبوأ منصبا كبيرا في الدولة السورية، وهذا يعني انها ليست (اي كان)، وبحكم مسؤليتها الكبيرة نعتقد انه يجب عليها ان تزن ما تقوله، او ربما استرسلت اكثر من اللازم(لانها كانت تتحدث في ندوة اقيمت في المغرب)، فالمفروض فيها تصحيح الامر، وبحسب علمنا، انها لم تفعل، اي لم تصحح او تكذب الخبر او ما نقل على لسانها.

الكل يتذكر ان مقتل السيدة ان ليند اثار استنكارا وحزنا وتساؤلات كثيرة، استكارا، لان السيدة ان ليند لم يعرف عنها تشجيعا للعنف او مساندة التطرف اي كان، وحزنا لان السيدة ان ليند كانت انسانة يستوعب قلبها محبة الانسانية بكل تلاوينها، ولانها ام تركت اطفالا وزوجا حزانى، وتساؤلات عن الدوافع، التي دفعت القاتل لارتكاب جريمته النكراء، ولقد كان خبر مقتلها الخبر الرئيسي لكل الوسائل الاخبارية، الا ان الخبر توارى الان، ببساطة لان وسائل الاعلام تنقل الجديد والمثير، وببساطة لان الناس تسمع وتقراء وتشاهد الوسائل الاعلامية، ليس لسماع اخبار سمعوها قبلا، بل رغبة في كل جديد.

الامر الذي استرسلت فيه السيدة شعبان، هو اتهامها لقاتل السيدة ان ليند (السيد ميخائيل ميخايلوفيتش) بأنه متطرف مسيحي صربي، فلو كنت مكان القاتل لاقمت الدعوة على السيدة شعبان، لهذه الاتهامات المجانية، والتي لا تتفق مع قرار المحكمة السويدية، حيث حكمت المحكمة عليه بأنه مصاب بمرض عقلي ويحتاج الى علاج وليس الى السجن (انظر صحيفة الوطن الكويتية عدد يوم 9 تموز 2004 ).

بودنا ان نسأل السيدة شعبان، هل عرفت دوافع القاتلين؟ اعني قاتل المخرج الهولندي ووزيرة خارجية السويد، اليس من واجبها كوزيرة او كمسؤلة حكومية، ان تهداء الامور؟ اليس تصريحها هذا يصب في خانة التأزيم واثارة مشاعر العداء بين مكونات المجتمعات التي تعيش في الغرب، وخصوصا بين الغربيين والجاليات المسلمة؟ حيث ان من حق كل مسلم يتعرض لاي مسألة قانونية ان يعزي الامر الى كونه مسلما، وليس لانه اخطاء، فاذا كان المسؤولون يقولن هذا فما بالكم بالناس العاديين والمساكين امثالي. فبدلا
من التخفيف من الامر، وبحث حيثيات المسألة والوعد بمساعدة قاتل المخرج الهولندي، ان كان بريئا، او الوعد بالعمل على ازالة او الحد من كل ما يدفع الانسان لارتكاب جريمة بحق انسان اخر، لاي سبب كان، ان ظهر ان قاتل السيد كوخ كانت تدفعه دوافع ايديولوجية، حين اقترافه لجريمته، بدلا من كل هذأ، تقول السيدة شعبان، لابناء الجاليات المسلمة وبالفم الملآن، ان كل ما يصيبكم في الغرب هو جراء انتمائكم الديني.

ان يكون هنالك تطرف في الغرب، فهذا ما لا يمكننا نفيه، فالغربيون اناس وبشر مثلنا، فيهم الطيب والخبيث، الجيد والسئ، الانساني والمتطرف، وهلم جر، الا ان الحكومات الغربية تحاول ان تضع عقوبة رادعة لكل فعل يعتبر مسيئا للاخرين، بغض النظر عن ماهية الاخرين، واعتقد ان من يعيشون في الغرب يدركون انهم وفدوا الى هذه البلدان طلبا لمجاء، تم منحه لهم، ليس هذا بل وفرت لهم كل اسباب العيش الكريم، من المأكل والملبس والطبابة، دون اي شرط، غير الالتزام بالقانون العام، وحتى في حالة الخروج على القانون، وهذه القانون لايفرق بين اي شخصي لاي سبب كان، فان الخارج على القانون يعامل معاملة كريمة، لا يطرد او يهان، بل لكل حالة عقوبتها المنصوص عليها.

والواضح ان قاتل السيدة ان ليند، شخص مريض عقليا، والدليل قرار المحكمة، والذي جاء بعد دراسة، مستفيضة، حيث ان القرار الاولي كان يقول ان القاتل يتحمل ما اقترته يداه بمعنى انه كان، هنالك قرار بانه مريض عقلي، الا ان المحكمة الاولية اقرت معاقبته، ولكن في المحاكمة الثانية، تم الاقرار بأن القاتل يحتاج الى علاج، وهذا القرار لم يعترض عليه اقرب الاشخاص الى الضحية، اعني زوجها واطفالها، وهذا يعني انهم يحترمون القرار، ولكن الاعتراض بعدم عدالة القضاء السويدي جاء من السيدة الوزيرة، بشكل ان المتهم متعصب مسيحي صربي، وهذا يعني عدم القبول بقرار المحكمة او الشك بعدلتها.

اما الحالة الثانية والتي اتهم فيها شخص من اصول مغربية ومن اتباع الديانة الاسلامية، فقد اثير لغط كبير، وتحليلات كثيرة، وهذا يحدث بعد كل جريمة تقع، وخصوصا عندما تطال المشاهير، كما حدث بعد اغتيال السيدة ان ليند، الا ان المحكمة الهولندية لم تعطي رأيها في الامر بعد، وبالتالي لا يمكن الحكم عليه.

وعقب عملية القتل تعرض بعض الممتلكات التي تعود للجالية الاسلامية لمحاولات التخريب والتدمير، الا ان هذه الممارسات لم تكن بأوامر حكومية ويتعرض مقترفيها للعقوبات المنصوص عليها في القانون وما حدث هو مدان اخلاقيا، لانه لا يمكن اخذ الكل بجريرة شخص واحد.

الا انه بعد الجريمة طال التحليل الاسباب المفترضة لعملية القتل، وهي الدوافع الدينية للقاتل، وقيام المخرج بانتقاد الممارسات الاسلامية تجاه النساء، وعدم تقبل المسلمين لاي نقد يوجه الى ممارساتهم الدينية، او عقائدهم، واعتبار ذلك كفرا، يستحق مقترفه القتل، ويحق لكل مسلم ان يعاقب مقترف ذلك الذنب، دون الرجوع الى القضاء، الذي يكفل لكل انسان حقه.

باعتبار المجتمع والدولة في الغرب (اغلبها) علمانية وديمقراطية، فليس هنالك من مقدسات فوق النقد، المقدس هو الانسان وحقوقه، فالنقد يوجه للوزراء ورؤساء الوزراء والقادة الروحيين والاديان واحداث التاريخ والشخصيات التي تعتبر عند اغلب المواطنين من المقدسات او فوق الشبهات، فهذه المجتمعات لها تقاليدها الديمقراطية والليبرالية، وهذه التقاليد هي التي مكنتها من القدرة على التعايش مع مختلف الثقافات، بحيث صارت وبحق مجتمعات متعددة الثقافات.

اليس مطلوبا من السيدة شعبان وحكومتها، ان ترسخ قيم التعايش والقبول بالاخر، وتقبل الرأي المغاير، وان تلغي كل ما يشجع على الكره والحقد، وكل ما يدفع الى ارتكاب الجرائم بأسم العروبة والدين والشرف، وكل ما يشجع على امتهان كرامة البشر، اليس هذا هو واجب الحكومات، ام ان واجبهم اطلاق الكلام والاحكام التبسيطية والتي يهلل لها البسطاء والجهلة؟

تيري بطرس