ما من صحفى أو كاتب يكتب معبراً عن رأيه فى مشاكل الأقباط فى مصر، إلا ويسردوا الكلام المهترئ عن الوحدة الوطنية بين عنصرى الامة المصرية، ومدى تسامح الإسلام ورحمته ومحبته تجاه الأديان الأخرى، وهى كلها أقوال يعرف المسلم قبل الكافر أنها أقوال مزيفة لا علاقة لها بما تنص عليه شريعة الإسلام التى تمدح أهل الكتاب فى آية وفى أخرى تصفهم بالفاسقون وبالكافرون وغيرها من الصفات والألقاب الإعجازية الرفيعة البليغة!
كان جديراً بالمسئولين المصريين أن يبادروا إلى توضيح وتبديد الضباب الإعلامى الذى يكتنف قضايا الأقباط وكأنها أسرار عسكرية لا يجب الحديث فيها.
هذا الواقع المصرى المريض الذى يغذى الإثارة والعنف الدينى يطرح قضية خطيرة للغاية وهى قضية التواطؤ السياسى بكافة ألوانه والمنتشر منذ سنوات طويلة ضد الأقباط الذى يمارسه النظام الحاكم وأجمع فقهاء الدين والسياسة فيه على أعتبار الأقباط أخوة فى الإنسانية وأعداء فى الدين، هذه الإزدواجية وهذا التضارب الدينى أو الفكرى هو نتاج فلسفة مريضة ورثها المصريون منذ دخل الإستعمار الإسلامى إلى مصر ولم يتحرر منها بعد.
هذه الفلسفة المريضة تدفع جميع المؤمنين والفاعلين بها إلى التستر على المشاكل الأساسية الناجمة عن الفلسفة التعليمية الإسلامية فى مصر ونتائجها فى إيمان الأغلبية المسلمة بأن الأقباط هم مجرد أقلية " مواطنين " كفار ينبغى ردهم إلى سواء السبيل إلى الإسلام الحنيف، وهذا معناه أن المجتمع المصرى منقسم على نفسه فنجد أن الأغلبية التى يحركها الدين تعمل على فرض فكر الشريعة الذى يفرق بين المواطنين على أساس الدين فى قوانين ومؤسسات الدولة ثم الطرف الأخر وهو الأقلية المصرية بغض النظر عن دينها أو معتقدها والتى تحاول وتعمل على تفعيل سيادة القانون وأن يكون الجميع أمامه متساوون ليسود العدل فى المجتمع لكل المواطنين بعيداً عن الأجناس أو الأديان.
وسط الهستيريا الدفاعية والأنفعالية فى حجب الحقائق والتنكر الصريح للمشكلات التى يعانى منها المجتمع المصرى وخاصة الأقباط، أصبح كل شئ مباح للوصول إلى إلصاق التهم والفتن بأسرائيل وأمريكا أو العفريت الأزرق، وهذا التنكر لوجود المشاكل وطبيعتها وأسبابها، يريح ضمير الأغلبية لتستمر المشاكل وأحداث العنف والظلم فى الوقوع ضد الأقباط بدون أن يكون هناك حوار حقيقى مع الذات الكبيرة أى الأغلبية التى تتحرك بأيديولوجيات تخلق فكر سفك الدماء والعنصرية بين البشر.
إن الحكومة المصرية بذكائها السياسى تمتنع وتصوم عن التعليق على الملف القبطى وتترك الجميع ليقول ما يشاء حتى تضيع الحقيقة ويحل الكذب والنفاق والخداع محل الحقائق ليصدقها الجميع ويكتبونها فى تاريخهم المزيف تعبيراً عن سماحة النظام المصرى.
من خلال متابعة ردود الفعل لما حدث فى قضية الأقباط، أجمعت الغالبية على أن الفاعل والمثير للفتنة هو العدو الإسرائيلى وهذا شئ طبيعى فى الذهنية العربية التى خلقت لنفسها شيطان أسمه إسرائيل لتلهى به شعوبها العربية المستعمرة، وأن حوادث الإعتداء التى يقوم بها المسلمين من حين إلى آخر ضد المسيحيين وضد أماكن عبادتهم وممتلكاتهم فى إعتقاد هذه الأغلبية المسلمة هى حوادث طبيعية تقع فى كل العالم، وليس فى مصر وحدها، وهنا تكمن المصيبة الكبرى فى الفكر العربى الذى يجد ملاذه فى التعميم والتعتيم، حيث لا توجد علاقة تذكر بين ما يقع فى بلاد العالم وما يحدث فى مصر نتيجة للقوانين الظالمة الموروثة من الأنظمة الدينية الإستعمارية الماضية مثل الخط الهمايونى العثمانى الذى يحدد شروط بناء أماكن العبادة المسيحية ويحد منها، وهو قانون ما زال النظام الجمهورى يسير عليه على سبيل المثال وبدلاً من إلغائه لأنه قانون عنصرى لا يتناسب مع حقوق المواطنة قام النظام السياسى بتهجير موافقة وتوقيع رئيس الجمهورية إلى رؤساء المحافظات ليظل الخطأ مستمراً، وكان الأجدر أن يعلن النظام السياسى نفسه على لسان من يعجبه إلغاء قانون الخط الهمايونى وأن الحرية كاملة فى إنشاء الكنائس مثل حرية إنشاء المساجد طبقاً لقانون واحد يسرى على الجميع، لأن الجميع مواطنون فى دولة مصر يتمتعون بالمساواة فى كل شئ، هذا هو المطلوب أن يفهمه الجميع وأن تتحرر العقلية المصرية من المشاعر الدينية السلبية تجاه الآخر التى ما تزال الدولة بكافة مؤسساتها تهيئ لها المناخ الجيد للإزدهار.
إن مصر فى حاجة إلى وضع أسس الدولة المدنية الحقيقية التى تقوم على فصل الدين عن الدولة فى ظل حرية دينية يكف المسلمين فيها عن تكفير الأقباط والتنازل عن التعصب الجاهلى الذى يسود الوعظ الدينى والإعلام الرسمى وكافة أجهزة الدولة الحكومية، ولا أعتقد أن الأغلبية ستتنازل عن شريعتها التى كانت تتناسب وعصرها التى تأسست فيه، تلك الشريعة التى ترفض موالاة غير المسلمين وأغلب أهل الكتاب من الكافرين الفاسقين، حتى يطور المسلمون فهماً وشرحاً عصرياً لما يعتقدون فيه ليتحول من كراهية ولعن وبغض أهل كتاب ذلك الزمان إلى تعايش حقيقى على أسس إنسانية الإنسان ونشر قيم المحبة والحرية والمساواة.
/ ميشيل نجيب
- آخر تحديث :
التعليقات