يعتبر الفن والموسيقى والغناء من مظاهر المجتمع الثقافية، ومن لم يذكر أم كلثوم، التي اصبحت بفضل صوتها واغانيها جزءاً من المعالم الحضارية المصرية خلال ربع قرن من الزمن. ومن يستطيع نسيان الرحابنة وفيروز وصباح وفيلمون وهبي، ومن يمكن له أن يتجاهل صوت صباح فخري وجورج وسّوف اليوم.
لقد انجبت البلاد العربية في مصر وسورية ولبنان اصواتاً عملاقة في الماضي لم تنجب مثلها إلى يومنا هذا. وبعد أن أدّى اكثر من جيل مهمته الفنية، بدأ الفن العربي يتجه إلى عصر جديد يمكن أن نسمّية عصر الأنحطاط الفني بكل بساطة.
وساعد على أنحدار مستوى الأغنية العربية ظهور ماسمّي بالأغنية الحديثة، وشركات الإنتاج التجارية الداعمة لها. كما ساعد المخرج الناجح سيمون أسمر (كمخرج فقط) على هذا الإنحدار من خلال تبنيه لأصوات عادية جدّاً وتسويقها بأساليب حديثة كان السبّاق بها، كما ساعد ايضاً من خلال تربعه على عرش قناة الال بي سي اللبنانية لأكثر من عقد من الزمن. حيث منع الأصوات الجيدة من الظهور على هذه القناة بحجج أكثر من واهية كجورج وسّوف ونجوى كرم وغيرهم من المطربين الأوائل، ومن ثم إذاعة ماهبَّ ودبَّ من إغاني لإسباب نشكك في قيمتها الفنية.
كما ساعدت الإدارة السيئة لشركة روتانا واختيارتها الجزئية لبعض المطربات (أو عارضات الأزياء) وتبنيها لهم بشكل أفضل من المطربين الكبار على إشاعة الفوضى بشكل ضاع فيه الذوق الفني الرفيع.
لقد انحدر مستوى الأغنية العربية، واصبحت مقومات الغناء والطرب تعتمد على كليبات الفيديو الإغرائية جدّاً، وعلى الكلام الركيك في معظم الأغاني، إضافة إلى الألحان السريعة الراقصة المشتقة من تراث وثقافات الغرب والدول المجاورة.
وجاء برنامج السوبر ستار ليزرع بعض الأمل في إعادة الصورة الجيدة إلى الأغنية العربية ونجح في ذلك جزئياً السنة الماضية عندما استطاع تقديم اربعة اصوات افضل من عديد من أشباه المطربين المتناثرين شمالا ويميناً في شتى بقاع العالم العربي.
لقد نجح السنة الماضية، لكن هل ينجح هذه السنة، صحيح إنه قدم بعض الأصوات الجيدة الواعدة هذه السنة، لكن لعبة التصويت على مايبدو ليست في صيغة ممتازة لكي يتم الإختيار الأفضل للمطرب أو المطربة الأفضل.
لقد خرج من البرنامج اصواتاً جميلة جداً، مثل وعد البحري وعبير نعمة وحسام مدنية، وبقيت اصوات لايمكن مقارنتها ابداً أمام الذين خرجوا لولا لعبة التصويت العجيبة، والتي يمكن التلاعب بها بكل بساطة من قبل المتعصبين لأحد المتسابقين. حيث خرجت من الأدوار الأولى اصوات يمكن ان تكون محترفة، وهي بإمكاناتها أفضل من عدد كبير من المؤدين في فوضى الغناء العصري المنتشر شرقاً وغرباً في عالم عربي لم تعد تسيطر عليه النوعية ابداً.
وتتالت الحلقات لتخرج وعد البحري وعبير نعمة، وأخيراً المرشح والمنافس الأول على هذا اللقب الفنان القدير حسام مدنية.
ومن النتائج الغريبة، يبدو ان لعبة التصويت من قبل الجمهور ينقصها بعض الضوابط. إذ يمكن التصويت من أي هاتف خليوي (ونعتقد أنه بالإمكان التصويت أكثر من مرّة هنا). كما يمكن التصويت عبر الأنترنيب، الذي يمكن التلاعب به أيضاً وكما يلي.
حيث يمكن إيجاد حسابات وهمية واكثر من بريد الكتروني لشخص واحد، وكمثال على ذلك، قبضت الشرطة على احد مرسلي السبام على الأنترنيت، لسبب إنتحاله لثلاثمائة شخصية وهمية وثلاثمائة بريد الكتروني لشخص واحد. ولأن التصويت عبر الأنترنيت يتم عبر عنوان بريدي واحد، فإنه يمكن لأي من الراغبين أن يخلق العدد الذي يريده من العناوين ليتم التصويت الحقيقي والمزيف بنفس الوقت.
يضاف إلى الطريقة الديموقراطية المشوّهة في التصويت، الأقليمية في العالم العربي، حيث لم ينسى احداً كيف تم التصويت في نهائيات السنة الماضية في الأردن ولبنان وسورية.
ولا نستغرب اليوم لماذا فتحت ليبيا خطوطأ خاصة للمشاركة وتشجع مرشحها محمد الأعثر الذي لم يدخل منطقة الخطر منذ البداية، وهذا مايثير التساؤل كثيراً، كونه يملك خامة صوتية عادية جدّاً مقارنة مع الأصوات التي خرجت .
لقد خرج ثلاثة من أجمل الأصوات في السوبر ستار، وبقي ثلاثة اصوات عادية جداً، وهم صوت بريجيت ياغي ( العادي جداً جداً) وصوت محمد الأعتر وحكاية الهلبة التي احبها الصغار كثيراً، كما بقي رنيم قطيط، الذي استفاد من ظهوره الذي لم ينقطع ابداً من أي مقطع فيديو، مع أن صوته عادي ايضاً مقارنة مع الذين خرجوا واقصد الثلاثة الكبار، وعد البحري وعبير نعمة وحسام مدنية.
لقد بقي ثلاثة اصوات جيدة إلى اليوم، وهم مهند مشلّح الذي بالأصل لم، لكن وإلى اليوم، مازال يدخل منطقة الخطر. أما هادي الأسود فيملك صوت جيد يقارن بوائل كفوري بجودته. كما يملك عماّر حسن صوتاً عذباً مشابه لصوت ملحم كرم القدير وهو منافس أول على اللقب، وكم ستكون الخسارة كبيرة إذا خرج من المسابقة.
لكن لن نستغرب كثيراً بتر احد المشاركين الكبار في اصواتهم بسبب لعبة التصويت والإصرار على القطرية والشكل والتلاعب وماشابه بما لاعلاقة له مع خامة الصوت والأداء، الذي يشكل الأساس في وجود مثل هذا البرنامج.
سوبر ستار قد يحتاج إلى ضبط أكثر لعملية التصويت، وإلى إفهام المصوتين أن الإختيار هو للصوت أولاً وليس للقطرية أو الشكل أو الجمال أو التمثيل.
هل ينجح السوبر ستار في إعادة الروح إلى معنى الأغنية العربية بإصالتها الحقيقية؟ نتمنى!

مونتريال - كندا