أمران يتحدث بهما العرب خلسة ويخافون التحدث بهما علانية، الجنس والسياسة، ونحن في الأردن عندنا خوفنا الخاص أو "فوبيا" أردنية فريدة ، تتمثل بالخوف من طرح موضوع الوطن البديل الى العلن، مع اننا شرقيون وغربيون، لا تكاد تخلو مجالسنا من ذكر هذا الموضوع لا بل والغوص في تفاصيل متعددة لو ظهرت إلى العلن لكانت المفاجئة والفجيعة. ولان الحرية هي المميز الأول للإنسان عن بقية المخلوقات، ولان الظرف المحلي والاقليمي والدولي ينبئ بكوارث مقبلة، ارتأيت أن اكتب هذا المقال، لعله يكون مقدمة لحوار حول هذه المسألة، الغائبة الحاضرة، والتي هي برأيي أولى الهواجس والأولويات.

إن الدول، في ألف باء السياسة، أرض وحكومة وسكان ومقدرات، ولعلنا في الأردن قد حققنا ثلاث منها، لكن السكان غير محددين، وهذا هو مربط الفرس إذا أردنا الحديث عن اردن حديث متطور، فتحديد السكان الذين هم أداة وهدف التنمية يكون قبل الحديث في التنمية ذاتها. وقد تكتشفون ايضا أن عدم تحديد السكان يؤثر لا محالة في الحكومة اذا أرادت أن تكون ديمقراطية!!!

لا أقصد، ولايقصد أي عاقل، من طرح موضوع والوطن البديل او حله، طرد ملايين المواطنين أو سحب الجنسية منهم، فالكل أردنيون. ولكن ما أقصده في هذا المقال هو كيف نبدأ بخطوات عملية حقيقية لدرء خطر الوطن البديل وحماية كيان الدولة.

حديثنا وحديث الدولة منذ سنين كان يتركز على اننا قبرنا الوطن البديل بتوقيع معاهدة سلام مع اسرائيل، وهذا صحيح إذا كان المقصود من الوطن البديل اقامة دولة فلسيطينية في شرق الأردن، ولكن المعنى آخر ومختلف، وعلينا الاعتراف أن الوطن البديل يعني ابقاء الفلسطينيين النازحون واللاجئون في الأردن، فماذا اعددنا لمواجهة هذا الاحتمال الذي يبدو انه واقع لا محالة. الخيار للفلسطينيين، كان وما يزال شعار دولتنا، وهذا بحد ذاته هروب من ايجاد اي حل للمسالة، فمتى يكون الخيار للاردنيين،أو لنقل للدولة الأردنية.

ان مراقبة التطورات في الأراضي الفلسطينية، وتطورات العلاقة الفلسطينية الاسرائيلية لا يبشر بأي حل منظور، واذا جاء الحل فإنه سيكون على حساب الأردن، لسببين أولهما أن السلطة الفلسطينية، كما ثبت، غير معنية بقضية اللاجئين. اما السبب الاخر فهو أن الأردن لا يطرح هذه القضية سياسيا ولا يحاور الاسرائيليين والولايات المتحدة حول هذه القضية. وإذا كنا نفخر بأننا نستخدم معاهدة السلام لنصرة الفلسطينيين فالأولى ان نستخدمها وعلاقاتنا الجيدة مع الغرب لطرح موضوع الوطن البديل وحق اللاجئين والنازحين في العودة.

الحديث في الموضوع هو اضعف الايمان، كما في لبنان، حيث الموضوع علني ومتفق عليه، أما نحن فإننا نؤجله إلى وقت نفاجأ فيه باتفاقية فلسطينية اسرائيلية (كتلك التي حصلت في اوسلو) يتنازل فيها الفلسطينيون عن حق العودة، ولم لا اذا كان الاردن يخجل من طرح الموضوع أصلا!.

موضوع اللاجئين والنازحين معقد، لكن ذلك لا يعني أن نقف مكتوفي الايدي، إلى حين اقامة دولة فلسطينية والى حين أن يقرر الفلسطيني البقاء أو عدم البقاء.

ذكرت في بداية المقال أن عدم حسم هذا الموضوع يضر أو يعيق اقامة دولة ديمقراطية، وهذا امر واقع اذ أن قانون الانتخابات، المضحك ، الذي لا يساهم بفرز ديمقراطي للأشخاص، سببه هذا الأمر، خشية من طغيان جهة على جهة، وكذلك المشاركة في الحياة العامة، مقصورة على جهة واحدة، كجزء من توازن قوى هش، وباختصار ووضوح فاننا في الأردن لا نحن اعتبرنا الفلسطينيين أردنيين ولا نحن اعتبرناهم فلسطينيين، لا نحن أشركناهم بكافة مجالات الحياة وخاصة السياسية، ولا نحن حسمنا الأمر واعتبرناهم فلسطينيين.....

المجتمع المدني هو الذي يقود حركة الاصلاح والديمقراطية، وهذا لن يحدث في الأردن لأن العاصمة ( ذات الاغلبية الفلسطينية) لا تشارك، فنسبة التصويت فيها بالانتخابات النيابية متدنية. وبالمقابل فإن مسألة الولاء والانتماء، لأول مرة في التاريخ عليها خلاف واختلاف وأصبحنا نعرفها وندور حول معانيها، لأننا في الحقيقة لا نريد أن نواجه الحقيقة المرة وهي ان بعضنا أردني بجواز السفر فقط ، وآخرون أردنيون إلى أجل مسمى، وآخرون ينتظرون الفرج، والنتيجة أمر مقعد يؤثر على كياننا وحركتنا وتنميتنا، ومن وقت قريب صار يؤثر على قدسية العلم الأردني أيضا!!!!!


لنبدء باطلاق حوار حول الوطن البديل، فمن حق خمسة ملايين مواطن أن يبدوا رايهم، وانا اتحدى إذا كان في دولتنا أو مؤسساتنا الرسمية ورقة قانونية واحدة تتحدث عن موقف أردني من عودة الفلسطينيين. لا نريد همجية وصراخ بل نريد مثل كل الأمم المتحضرة حوار هادئ لعله يفضي إلى نتيجة، والمهم أن لا نبقى مكتوفي الأيدي.

اضافة للحوار، فإن الدولة تستطيع البدء باجراءات من شانها التخفيف من وطأة كابوس الوطن البديل، وأول هذه الاجراءات يكمن في سحب الجنسية من الاف الفلسطينيين، الذين نلتقيهم كل يوم وبيدهم ايضا جواز سفر فلسطيني ( مما يعني مخالفة القانون الاردني وقرار الجامعة العربية اللذان يمنعان ازدواجية الجنسية العربية) ، والاجراء الثاني يكون عبر سحب جوازات السفر من الذين يحملون أيضا وثائق اسرائيلية، والاجراء الثالث عبر سحب الجواز من المقيمين اقامة دائمة في الضفة الغربية، وبالطبع وقف تبديل البطاقة الخضراء بالصفراء.

كدارس للعلوم السياسية أقول: لقد تم منح الفلسطينيين الجواز الأردني كنتيجة لوحدة الأرض، لكن هذه الوحدة زالت، فأما أن تكون السلطة الفلسطينية باطلة لانها مقامة على أرض أردنية، أو أن نكون نحن نتدخل في شأن دولة أخرى عبر تجنيس مواطنيها!!! ، وكأردني أتوق إلى اليوم الذي يجتمع فيه مجلس الأمة الأردني، كما اجتمع عام 1951، ويعلن قرار فك الوحدة، وهنا وهنا فقط نكون قد بدأنا بوضع أقدامنا على الطريق الصحيح.

أما اللاجئون الذين لن يعودوا إلى اسرائيل، فاستغرب من أننا في الأردن قد سلمنا بحقيقة عدم عودتهم مع أن علينا أن نعمل على محاولة اعادتهم إلى دولتهم الفلسطينية، والا فعلينا أن نلغي المخيمات التي تفرخ حقدا وكرها ومظاهرات.

أن نكون أو لا نكون، هذا هو جواب مسألة الوطن البديل.... وباعتقادي أن حوارا هادئا وضبطا حازما لجوازات السفر ونقاشا قويا مع اسرائيل والولايات المتحدة يمكن أن يريحنا قليلا من هذه المسألة، يريح الاردنيين جميعا، بمن فيهم الذين يرددون صباح مساء شعارهم المكتوب على الجدران وغرف الاطفال... عائدون عائدون.

الخيار للدولة الأردنية، وبيدها الحل والعقد، أما البقاء على الحال كما هو، سيعطل التنمية، وفي المدى البعيد سيحدث الطغيان الذي نخشاه وستتحقق أسوأ الاحلام، حين ترتاح كل الدول المجاورة من مشاكلها اما نحن فاننا سنكون منشغلين بالاعراق والأصول، وربما باقامة فيدرالية!!!. لنعترف ولنواجه الحقيقة، الفلسطينيون أغلبية ونسبة ثلاثة وأربعون بالمئة تشمل الموجودين في الأردن، واضافة "فلسطيني" ميتشغن وحدهم يقلب الاحصائية رأسا على عقب.

آن لنا أن نتحرك، فقد قال لي فلسطيني في الغربة أن منح الجواز الأردني قد أضر بالقضية الفلسطينية وساهم في تذويب الهوية الفلسطينية وأن الأردن نافس الفلسطينيين في قضيتهم.... أجبته وبقلبي مراره، بأننا منحنا الجواز للفلسطينيين من منطق قومي وانساني.... هذا الكلام وغيره يبين أننا فشلنا...فشلنا في استعادة الأراضي المحتلة وفشلنا في زرع الولاء في صدور المجنسين وفشلنا في أن يكون الأردن أولا ، حتى في قصائد الصباح المدرسية.

نحن الأمة الوحيدة على أرض البسيطة التي فيها ازدواجية ولاء وانتماء، فحتى الفلسطينيون في اسرائيل يقولون ويتصرفون كمواطنين اسرائيليين، أما عندنا فالأمر مختلف وبسيط لأن الحصول على الجواز سهل ويسير وهو عند كثيرين مجرد وثيقة سفر لا تجبر حاملها على القول بأنه أردني حتى وأن شارك في وفد رسمي اردني كما شاهدت بام عيني!!!! وأمام هذه الفوضى يجب أن لا ننتظر إلى حين اقامة دولة فلسطينية، وحتى حينما تقام هذه الدولة فماذا عسانا صانعين؟؟؟؟هل سنطرح الأمر على استفتاء؟ ام ان الأمر يخص الفلسطيني ولا يخص الأردني؟

ليس بيدي حل سحري، لكن المؤلم أنه ليس بيد حكومة بلادي حل، فهي خجولة حتى من حسم مسألة وجود فصائل فلسطينية داخل الأردن! . والمؤلم أكثر أن سياسسنا منشغلون بتعديل الحكومات وتشكيل الصالونات السياسية والتوزير والاستيزار، لكن أحدا منهم لا يجرؤ على الحديث في هذه المسألة...فنحن خائفون من أن تسحب الدولارات من البلد؟؟؟؟؟؟ ما أضعفنا ما أضعفنا ما أضعفنا.