اختلفت الآراء حول تعريف الجنسية.. وهناك كثير من النقاشات الفكرية والقانونية بهذا الشأن لا مجال للخوض فيها الآن، ولكن اجمع أغلب الفقهاء على أن الجنسية.. انتماء.. وولاء. انتماء لشعب ووطن، وولاء لدوله وحكومة، فكل دولة تكيّف قوانينها في ضوء مصالح شعوبها حسب أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والسكانية وكثير من دول العالم تسمح قوانينها العمل بازدواج الجنسية، ودول أخرى لاتسمح بذلك حتى لو تنازل المواطن الأجنبي عن جنسيته الاصليه. ولا يعني السماح بازدواج الجنسيه على أنها سمه من سمات الدول المتقدمه، والدول التي لاتسمح قوانينها بذلك بأنها من الدول المتخلفة، فألمانيا مثلا لا تسمح قوانينها بازدواج الجنسيه وهي من أوائل الدول المتقدمة، ولبنان ليس من الدول المتقدمة وإنما لمصلحة اقتصادية ومصالح أخرى تعم بالفائدة على لبنان بسبب كثرة المهاجرين اللبنانيين وانتشارهم في مختلف الأمصار جعل ت قوانينه تسمح بازدواج الجنسيه، أما الدول التي لاتسمح قوانينها العمل بازدواج الجنسية لا باس في أن تقوم بتعديلها حسب ما يستجد من ظروف ومتطلبات، فالعراق مثلا من الدول التي لم تكن قوانينه بحاجه إلى العمل بازدواج الجنسية، لقلة المهاجرين من جهة، ومن جهة أخرى عدم رغبة المواطن العراقي للغربة وترك بلاده، إلا أن ظروف السنين العشرة الماضيه وكما هو معروف تفاصيلها جعلت أكثر من أربعة ملايين عراقي فروا من ظلم النظام السابق والظروف الاقتصادية المعروفة فاستقروا في العديد من البلدان وخصوصا في الدول الاوروبية والولايات المتحدة الاميركيه فقد اكتسب الكثير منهم جنسية تلك البلدان. وفي ظل تغيير الأوضاع السياسية في العراق ومستجدات المرحلة القادمة، تم تعديل الكثير من القوانين ومنها مشروع تعديل قانون الجنسية العراقي الذي اعتمد العمل بازدواج الجنسية، ولا مجال للخوض في مناقشة تفاصيل احكامه الان. ولكن قد يتساءل البعض إذا كانت الجنسية تعني الانتماء.. والولاء فهل يعني إن الذي يحمل أكثر من جنسية مقسم الانتماء والولاء على الدول التي يحمل جنسياتها، لاشك إن قوانين كل الدول التي تعمل بازدواج الجنسية تنظم العلاقة بينها وبين حاملي جنسيات دول أخرى بوضع ضوابط من اجل حماية مصالحها الوطنية وقواعدها الدستورية ومواقعها السيادية كأن يسمح للمواطن المتجنس بالانتخاب ولا يسمح له بالترشيح إلا بعد انقضاء مدة معينة، وأمثله كثيرة على ذلك مثل مصر كدولة عربية تقبل بازدواج الجنسية ولكن لا يسمح لمن يحمل جنسية اجنبية أن يكون عضوا في مجلس الشعب لان ذلك العضو لا يمثل دائرته الانتخابيه وإنما يمثل الشعب المصري فلا يمكن لهذا العضو أن يكون مجزء الانتماء والولاء، وكذلك في حال ترشيح مواطن مصري لإشغال منصب فني كبير كمدير عام أو وكيل وزارة مختص وهو يحمل جنسية دوله أخرى، يعرض هذا الترشيح حسب القانون المصري على مجلس الشعب وفي حال الموافقة ترفع توصية من المجلس لرئيس الجمهورية معللا أسباب القبول لغرض إصدار قرار التعيين. أما المواقع السيادية كالسفراء والوزراء ومن هم بدرجة وزير فما فوق لا يسمح بتوليهم تلك المناصب مالم يتم تنازلهم عن الجنسية المكتسبة او التنازل عن قبول المنصب من اجل الاحتفاظ بالجنسية الأخرى، وهذا ما تعمل به فرنسا واغلب دول العالم ان لم تكن كافة دول العالم، ولكن نسمع عن كثير من الأشخاص بأنهم من أصول عربية وقد تم ترشيحهم لمناصب رئاسية في البرازيل أو الأرجنتين على سبيل المثال، وان وزير العدل الأميركي من اصل لبناني وغيره الكثير.. لتوضيح ذلك نجد إن أجداد وآباء هؤلاء قد هاجروا من سنين طويلة وأصبحوا مواطنين في تلك البلدان وان ولادة أبنائهم قد تمت هناك وعندما وصلوا بكفاءتهم إلى تلك الأمكنة فأصبح يشار إلى كونهم من أصول عربيه بدافع الافتخار أو التعريف.
إن المقصود من ما تقدم هو ان الدول والشعوب التي تريد الحفاظ على أمنها الوطني وتأمين حقوقها الدستورية ترفض أن يتبوأ أي مواطن اكتسب جنسية بلد آخر أو أي أجنبي اكتسب جنسية بلدهم مناصب رئاسية أو سيادية. ونعتقد إن هذا الكلام لا يروق لكثير ممن يحملون أكثر من جنسية في دول لشعوبها تقاليد خاصة، قد تجعل هؤلاء يتخوفون من الممارسات الديمقراطية كوسيلة للوصول إلى السلطة عن طريق الانتخابات، لأنهم يعلمون جيدا أن تقاليد وأعراف تلك الشعوب لايمكن لها قبول من يقودها، مجزء الانتماء والولاء، حتما سيتم التشكيك في نزاهة الانتخابات التي جاءت بهم إلى السلطة وسيقال عنهم بأنهم قد وصلوا إلى تلك المناصب بزود العمام، أو سيرفضهم الناخبون في حال نزاهة الانتخابات، ثم كيف سيتعامل ذلك المسؤول في حال حصول نزاع بين دولته والدولة الأخرى التي منحته الجنسيه. بالتأكيد سيتم التشكيك بأي قرار قد يتخذه كونه نابع من حقوق اتجاه تلك الدوله المانحة للجنسية.إن لم يكن قد يتهم بالخيانة أوالعمالة لتلك ألدولة، وما حصل في الهند من جدال حول تولي السيدة سونيا غاندي رئاسة الوزارة خير دليل على ذلك. بينما نجد المفارقة في العراق الجديد، أن يسافر كبار المسؤولين بجوازات سفر أجنبية فيما يعلنون بفخر أنه سيمنع دخول غير العراقيين من دون تأشيرات دخول. ترى كيف سيدخل الوزراء وقادة الأحزاب العراقيون إلى العراق وهم يحملون جوازات سفر أجنبية؟!
وفي الختام.. نذكر من قام بتفصيل مشروع قانون الجنسية العراقي على مرامه.. عليه أن يتحمل تبعية التجاوزات على الحقوق السيادية للدولة وان إصدار أو تغيير أي قانون إن لم يكن مؤقت لضرورة متطلبات المرحلة الانتقالية، غير شرعي ما لم يصدر عن سلطة شرعية منتخبة ويصادق عليه برلمان منتخب. وسيأتي اليوم الذي تتم فية تعرية كل من تلاعب في السجلات وغير أسمه من مستر أصفهاني إلى السيد... الفلاني. والتاريخ لايرحم الدخلاء، ولا يصح إلا الصحيح.


طـلال بركاتدبلوماسي عراقي عمل في وزارة الخارجية أكثر من خمسة وعشــرين عاما وفي بعثات دبلوماسية عديدة آخرها القائم بالأعمال المؤقت للسفارة العراقية في بيروت.. ونائب مندوب العراق الدائم لدى جامعة الدول العربيـة، مثل العـراق في مؤتمرات إقليمية ودولية متعددة. حاصل عـلى. شهادة البكلوريس في القانون وعضو اللجنة القانونية الدائمة لدى جامعة الدول العربية خلال فترة العمل في القاهرة. طلب اللجوء السياسي في ألمانيا عــام 2001 على أثر خلاف مع النظام السابق.

[email protected]