يقول العقل إن العلم من النور والجهل من الظلام، وتقر التجربة بان الغباء من الأوبئة الفتاكة والذكاء من عوامل النجاح وبعث السرور في الأنفس، ونقول أن ظلام الحياة أصعب من ظلام القبور، لأن الإنسان في حياته يمتاز عن أخيه الإنسان بالعلم والمعرفة والوعي والفكر والثقافة والايمان، أما في القبور فيتساوى العالم والجاهل أمام محكمة الآخرة وتحت التراب.

لم يولد الإنسان فيلسوفا ولا عبقريا، ولم يصل الفيلسوف او العبقري أو المفكر إلى مستواه العلمي العالي، إلا بعد سنوات طويلة و سهر آلاف الليالي، وهذا ينطبق على كل ذي علم ومعرفة ودراسة، لكنه حتما لا ينطبق على الجهلة وقليلي العلم والوعي من أمثال رئيس حزب التقدم المسيحي النرويجي كارلي هاغين وعضو البرلمان من حزبه يان سيمونسن بالإضافة لمعظم أركان حزبه من عديمي الوعي ومفتقدي المعرفة.

حزب كارلي هاغين ذو ميول عنصرية معادية للأجانب بشكل عام وللمسلمين بشكل خاص، وشعاراته العنصرية ليست جديدة بل قديمة قدم وجوده، فقد اتسع ونما حزب العنصريين الذي يدعي انه مسيحي وتقدمي بنفس الوقت، من خلال رفع الشعارات المعادية للأجانب وحاله في هذا كحال معظم الأحزاب المعادية للمهاجرين والأجانب في أوروبا.

طبعا هذه الشرذمة المجتمعة في الأحزاب المذكورة لا تمثل أكثرية في المجتمعات الأوروبية، وكذلك الحال مع حزب العنصريين (الكارليهاغيين) نسبة لرئيسهم كارلي هاغين، لا يمثلون نسبة كبيرة في المجتمع، لكنه حزب صاحب قاعدة شعبية ليست صغيرة، فهو ثالث حزب في الترتيب الهرمي للأحزاب، وهذا بحد ذاته يدعو للقلق والريبة من إمكانية استغلال الشعارات العنصرية المحرضة ضد المسلمين والأجانب بحجة مكافحة الإرهاب وصراع الحضارات لتعزيز قاعدة الحزب بين عديمي الوعي والحاقدين لسبب او آخر.
صعود هؤلاء العنصريين إلى سدة الحكم عبر التحالف مع أحزاب اليمين الأخرى أمر ممكن ووارد في حال تراجعت كفة أحزاب اليسار والوسط، لكن هذا بعيد المنال في المدى القريب إذا ما صدقت استطلاعات الرأي المحلية. ونمو العنصريين مرتبط بتطورات الحرب الأمريكية العدوانية على أهل الشرق وما سينتج عن تلك الحرب الإرهابية من بروز لعناصر إرهابية مسلمة وغير مسلمة قد تستعمل أساليب إرهابية ضد الأجانب في البلاد العربية وضد الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، فكل ما يحدث في العراق وفلسطين له آثاره ومردوداته في كل العالم.

كارلي هاغين عديم الوعي والجاهل بأمور الدين والدنيا شن هجوما غير مبرر على الرسول الكريم وعلى دين الإسلام، وقال " الأطفال الصغار يستخدمون كاستشهاديين (انتحاريين) لأسلمة العالم"، وأضاف أيضا " نحن المسيحيين مشغولون جدا بالأطفال" واستشهد بقول للسيد المسيح ( الفلسطيني ):

" دعوا الأطفال الصغار يأتون عندي" ثم أضاف كارلي هاغين " أنا لا اعرف قولا مشابها لمحمد، فهو قال دعوا الأطفال يأتوا إلي لكي أستطيع استخدامهم في الحرب لأسلمة العالم". طبعا هذا الكلام يدل على مدى غباء وجهل وقلة وعي ومعرفة وفهم كارلي هاغي للإسلام ورسالته. وقد صدق الناطق باسم الرابطة الإسلامية في النرويج زاهد مختار حين قال أن كلام هاغين يظهر مدى جهله بالإسلام، فالرسول الكريم محمد تحدث كثيرا عن الأطفال وإذا أراد هاغين معرفة وتعلم ذلك فليتفضل بزيارتنا او زيارة أي مسجد في النرويج.

يعتبر الإسلام أن من أهم مكاسب الإنسان في الدنيا أن يكون له ولد صالح، سوِّي الشخصية والسلوك.وقد روي عن الرسول قوله " من سعادة الرجل الولد الصالح" وكذلك " ميراث الله من عبده المؤمن الولد الصالح يستغفر له"...

ويعمل الإسلام تربويا على إحياء الاستعدادات الفطرية لدى الطفل، عبر تمييز الخير من الشر، و محاربة الميول المنحرفة والاتجاهات الشريرة الوراثية والقضاء عليها. والأساس الأوّل في التربية الإسلامية هو إشعار الطفل بوجود الله والأيمان به، وبما أن الطفل يجد في هيئة وصورة الله الحب والقيم والأخلاق والرحمة والأيمان والمحبة والمغفرة، فأن الرب سوف يكون ميزان الطفل في حياته وتربيته.

أمثال كارلي هاغين يستمدون عنصريتهم من كونهم عنصريون ومعادون للأجانب وللمسلمين بالذات، كما أن بعض تصرفات الأجانب وبعض المسلمين في النرويج تشجع هؤلاء على الجهر بمواقفهم واستقطاب مؤيدين وأنصار لهم. هذا كله لا يمسح عنهم صبغة العنصرية والعداء للعرب والمسلمين والمهاجرين، ولا يعفيهم من كونهم متعصبين و مبرجمون يمثلون السياسة الصهيونية، وضمن هذا المنطق المتصهين تأتي تصريحات هاغين العنصرية والمؤيدة لإسرائيل وكذلك قبل فترة تصريحات عضو قيادة حزبه يان سيمنسون التي عبر عنها ببرقية تهنئة لشارون بقتل قائد كتائب شهداء الأقصى بنابلس الشهيد نايف ابو شرخ ورفاقه الآخرين، وقد اعتبر سيمنسون ذلك جزء من مكافحة الإرهاب وملاحقة اسامة بن لادن.

الرد علة أمثال هؤلاء يكون بالتكامل مع المجتمع النرويجي دون الانسلاخ عن الأصل وعن الدين وعن التربية الإنسانية السليمة، وعبر تكثيف حلقات التوعية والتثقيف وإعطاء الأبناء حرية اكبر في التعامل مع محيطهم وواقع حياتهم في البلاد التي هاجروا إليها أو ولدوا فيها، مع الاحتفاظ بخصوصية معينة تحفظ لهم انتماؤهم الديني والجيد والجميل من عاداتهم وتقاليدهم التي ورثوها او حملوها معهم الى مهاجرهم. كما ان التطرف والتزمت والعزلة والانعزال في هكذا بلاد لا يؤدي إلا إلى نتائج معاكسة يستغلها العنصريون في النرويج وغير النرويج.

[email protected]