مساكين العرب..، دائما على موعد مع موقف صعب، ينكشفوا فيه، و يبدو واضحا انهم
لا حول لهم ولا قوة.

نخبة مثقفة مشتتة، بين تيار نعراوي قبلي، و تيار نعراوي أصولي، و قلة رزينة خافتة الصوت تحاول أن تعمل عملا
مفيدا باستخدام العقل و الحكمة واعطاء الأولوية للمبادىء الانسانية..، و شارع غير ناضج أهوج تستثيره الشعارات
وتحركه الاشاعات..

ومساكين كذلك أبناء دارفور، ليس هناك من يسمع شكواهم و أنينهم، تتحدث الأخبار يوميا عن الفظائع التى تعرضوا و يتعرضون لها، و تتحدث كذلك عن الأهوال التى تنتظرهم ما لم يتم التحرك بصورة مكثفة لانقاذهم، و رغم ذلك لا يلتفت اليهم احد!

و مشكلة العرب، اذا طبقناها على نكبة دارفور، أنهم دائما لا يتحركون الا للبكاء على اللبن المسكوب، و اذا نظرنا للبكاء على انه فعل لا توجد به حركة نستطيع ان نقول بضمير مرتاح ان العرب لا يتحركون.. بل يكتفوا بالمشاهدة و البكاء و
الصياح.. الخ

بينما العالم المتحضر كله يحاول ان يفعل اى شيء لانقاذ أهل دارفور، نجد العرب يتحدثون عن نظرية المؤامرة، و العفاريت التى تتربص بهم، و الدسائس التى تحاك فى الظلام من اجل النيل منهم..، الخ

و بدلا من محاولة العرب اتخاذ خطوات تساعد على ايقاف النكبات التى تحل بأهل دارفور، عن طريق تقديم يد العون لحكومة الخرطوم لانهاء هذه الأزمة، نجد ان النخبة السياسية و الفكرية تحذر من التدخل الأجنبي و تنبه للمؤامرة التى يقوم
بها العفاريت.. الخ وتهون من شأن فجائع دارفور، فهذا هو حديث النكبات، حيث يتحول الموضوع الى موسم لللعب على وتر النعرتين الدينية و القومية.. و استعراض النباهة السياسية فى تحليل مضحك مفاده ان هناك مؤامرة تحاك ضدنا!

ما الذي ينبغي فعله حتى تقدر النخبة فى العالم العربى قيمة النفس الانسانية؟ و انا هنا لا اتحدث عن النخبة الحاكمة، و انما عن النخبة المثقفة، صوت المستضعفين و المقهورين؟ ماذا نفعل حتى نجعل هذه النخبة تلتفت للاغتصاب الجماعي و الحرق و الذبح و الأمراض والأهوال التى يعاني منها أبناء دارفور؟ ماذا نفعل حتى تخرج هذه النخبة من فخ الأيديولوجية و تتفاعل مع كارثة محققة تتفاقم كل يوم؟

ماذا نفعل حتى يعرف العرب أن العالم يتابع ما يحدث فى دارفور؟ وأن العالم المتحضر لن يسكت ازاء الجرائم التى تحدث هناك؟ ماذا نفعل حتى يعرف أولئك الذين يحاولون أن يهونوا من شأن فجائع دارفور أن العالم سيواجه ما يحدث بمنتهى الحزم؟ و انه عاجلا ام آجلا سيتم تقديم البعض للمحاكمة بسبب ما يحدث هناك؟

ماذا نفعل و بعض المثقفين يهونون من شأن ما يحدث فى دارفور، تارة بطرح فكرة المؤامرة من أطراف خارجية، وتارة باسم سيادة القانون أو باسم الشرعية، وتارة باطفاء صبغة هلامية على ما يحدث بأنه أمر وارد فى كل مكان ولا يندرج تحت بند التطهير العرقي(كما لو كان رفع تهمة التطهير العرقي كافى لتبرير هذه الفجائع)، وكل هؤلاء لا يمثلون فقط فكرا مريضا تخطى أشد النظم الشمولية التى عرفناها فى تبريرها للطغيان، بل يمثلوا كذلك أقصى صور ازدراء و احتقار النفس الانسانية، والحط من شأنها، فالحيوانات عندما تهان لا تبرر اهانتها بهذه البساطة؟

ماذا نفعل حتى تخرج النخبة المحصورة أيديولوجيا من غيبوبتها؟ وتعى ان عليها ان تتحرك قبل حدوث المصائب لا بعدها؟ وأن تطور العرب لن يحدث قبل استيعاب العرب لما يحدث حولهم على أرض الواقع، بعيدا عن النعراوية وأحاديث الكرامة و المؤامرات، وأنه اذا كانت الفرصة قد فاتت العرب هذه المرة(كالمعتاد) فى أن يفعلوا شيئا قبل المهلة لاصدار قرار من الأمم المتحدة بفرض عقوبات على الخرطوم ، فبامكانهم أن يفعلوا شيئا قبل أن يتطور الوضع بارسال قوات دولية لمنطقة
دارفور لكبح جماح الجنجاويد و تأمين المساعدت لمنكوبى دارفور..و انقاذ ما يمكن انقاذه من مذابح القتل و التشريد والاغتصاب الجماعى..؟؟

ولاية نيوجيرسى