لم يخطر ببالي إطلاقا حين ركبت الباص بالأمس.. الأحد 1 أغسطس.. أن أسمع وأرى بنفسي أن هناك فئة من العرب الذين يدعون التحضر وهم أبعد مايكون عنه..لقد جربت الشماتة العربية بعد أحداث 11 سبتمبر على القنوات الفضائيه وشعرت بالخجل والحرج أنه لا زال هناك الكثيرون الذين تجردوا من الأحاسيس الإنسانية ويدعون التدين والتدثر بالتعاليم الإسلامية السمحة وهم أبعد ما يكونون عن روح الدين التي تدعو إلى الشعور مع الآخر والمشاركة الإنسانية في الأحزان..

بالأمس وحين ركبت الباص الرقم 10 من محطة أكسفورد في قلب العاصمة البريطانية، ركب معي رجل في مقتبل العمر لا يتعدى الخامسة والعشرون مع زوجته يحمل طفلا لا يتعدى الثانيه من العمر غارقا في النوم.. وحملت هي عربة الطفل.. الباص كان مزدحما. والحر يخنق الأنفاس.. لحسن الحظ أنني وجدت مكانا أجلس فيه.. بجانبي رجل باكستاني تبرع بكرسيه مباشرة للرجل.. وبقيت الزوجة واقفة، وبدأ كلاهما يتذمر من ازدحام الباص والحر الشديد بلهجة خليجيه بحتة.. والمقارنة بين الباصات هنا والباص في ديرتهم.. ثم سألته الزوجة هل هو دائما على هذا الازدحام وأجابها أنه يعيش في اسكتلاندا ولا يعرف،، وبدون أي سبب ولا سابق إنذار.. بهدوء تام وبتمالك أعصاب وصوت مرتفع بدأ الرجل بالسباب بأقذر الكلمات ولغة عربيه بحته.. لكل من في الباص، قائلا لهم أنهم أولاد كذا وكذا وأن جميع النساء الذين في الباص عاهرات و لا دين لهن وأن جميع أمهاتهم كذا وكذا.. و.. و... لم يلتفت له أحد على اعتبار أنه يتكلم مع زوجته وهي غارقة في الضحك.. ولم أعرف ماذا أتصرف أو أقول وتمالكت نفسي وأعصابي وأنا أكاد أن أموت خجلا وإحراجا إلى أن نزر من الباص وامرأته خلفه حينها فقط توجهت إلى الزوجة.. لمخاطبتها بالعربية "لا يحق لزوجك أن يتكلم بهذه اللغة ولا هذا الأسلوب"، لكنها لم تحرج إطلاقا.. بل ابتسمت لتشكرني.

سيدي.. في أواخر السبعينيات وحين كنت مع زوجي الذي كان يعمل مع شركه أميركية في الكويت، علمت بأن الشركات الأجنبية وقبل تعيين أي شخص ليعمل في الدول العربية.. يجب عليه أن يمر بامتحان أصول التعامل مع العرب، والتعرف على نمط التفكير واحترام التقاليد، وعليه كانت جميع الزوجات يلبسن جلابيات طويل حين النزول للتسوق، أيضا يتفادى أي شاب التكلم مع المرأة العربية، وأعتقد أنه آن الأوان لأن تتجه الدول العربية وعبر الإعلام إلى التشديد على هؤلاء الزائرين بأن يحترموا البلاد ومن فيها وأن لا يتخذوها مكانا لإرضاء شهواتهم ثم يعتبروها أنها بلاد بلا أخلاق ولا دين.. هناك الكثير من الأمثلة على سوء تصرف الزائرين العرب.. ومعاكساتهم للأجنبيات على اعتبار أنهم لا يفهموا اللغة.. ناسين أن هذه البلاد هي نفسها التي احترمت الكرامة الإنسانية للكثيرين من العرب الذين هربوا من الظلم ومن الحياة في مجتمعات تدعي التقييد بتعاليم الدين وهي أبعد ما تكون عن قيم الدين وناسيين أن هناك جيل جديد من الفتيات الأجنبيات ولكنهم بقلوب وأصول عربية.


ناشطة وباحثة في حقوق الإنسان