صفقنا وفرحنا كثيراً برحيل النظام الذي دام ثلاث عقود ونيف يصعق بنا ويستنزف من طاقتنا وامكاناتنا. وكانت نشوتنا أكبر عندما أمسكنا القلم ولأول مرة منذ عقود –نعم منذ عقود- لكي نعبر عما يجول في داخلنا من آلام وشجون للماضي وعن آمال وسعادة للحاضر والمستقبل. أقولها وبكل فخر أنها المرة الأولى يمسك بها المواطن العراقي قلمه ويكتب من دون خوف من أجهزة السلطة القمعية التي لم تكن تدع تلك الأقلام تأخذ حريتها في إفراغ ما تريد على ورق أبيض. وها نحن نعيش هذه الأجواء المشحونة بالكثير من السلبيات والقليل من الايجابيات التي نتمنى أن تنقلب عكسياً في أقرب فرصة ممكنة. مع ذلك وبعد الفرصة التي كنا نتمناها من زمن بعيد، إلا أنه عندما تمسك القلم لا يمكنك التعبير عما يختلجك من أفكار وكلمات كي تكتب موضوع ما أو زاوية ما في فوضى الجرائد والصحف التي نعيشها. كثيرة هي الافكار ولكن الكلام محسوب عليك أيضاً. فكل كلمة تكتبها ينبغي عليك أن تحسب لها ألف وألف حساب. لأن الذين يحكمون العراق اليوم ليس لديهم اتجاه واحد فقط كما كان سابقاً، بل اتجاهات عدة وتيارات مختلفة....!؟

وأنا أكتب هذه الكلمات أتوقف كثيراً عند كل كلمة وجملة وكل نقطة وفاصلة أضعها. وأفكر بالجملة والكلمة التي تلي ذلك وأين ينبغي عليَّ أن أتوقف.

أقول لكل من يحمل في قلبه ذرة محبة للآخر أن يدعو الأقلام تكتب ما تريد لأنه لا يمكن تحقيق الثورة الذهنية والوجدانية والوصول إلى المرحلة التنويرية للفكر إلا، بفتح المجال ونزع الأسلاك من على الأوراق وأيدي الكتاب والمفكرين، دعوهم يقولون ما يريدون بعد عقود من الكبت وقفل الافواه وتجميد العقول حتى صرنا لا نعرف كيف نتعامل مع الآخر وفق منطق وديالكتيك وحدة الأضداد.

فما الذي نريده من العراق؟ مع العلم أن كل التيارات الموجودة في الساحة مع كثرتها تنادي بوحدة العراق أرضاً وشعباً أي أن الهدف واحد ولا يختلف عليه اثنان ولكنهم يختلفون بالوسائل والطرق للوصول إلى هذا الهدف. فليكن موجوداً هذا الاختلاف الايجابي ولنبني عليه أسسنا وأفكارنا لرسم المستقبل والوصول الى الاهداف المشتركة وأن نبتعد ولو لفترة عن عقيدة الفكر الواحد الشمولي ونرضى بالآخر. حينها فقط نعرف ما نريد وما يريده الآخر.
صحفي عراقي