(أفضل العبادة الصمت وانتظار الفرج) الإمام علي "ع".
ربما يرجع الصمت وعباداته في المفهوم الشيعي الى تلك الكلمات التي صارت وصية تحظى بالتداول العبادي لقرون طويلة.كان خلالها ذلك الصمت الصميمي يمرّ بمراحل فلسفية وإغراض دعوية تفعل فيها اللحظات ما يحدثه وقع القطرات المتتالية في الصخر. وهي نتاج تنظير حكيم لما واجهته تلك المرجعيات من قمع وإرهاب جعل من التقية ملاذا آمنا.
غير ان الاجتهاد -الذي يميّز هذا المذهب -أنجب الكثير من الخارجين عن أعراف الصمت (السياسي الديني) في تاريخ العراق الحديث، وكان قادة هذا التمرّد الناطق من العائلة الصدرية والمقربين منها بامتياز. بينما بقيت الحوزة العلمية كمرجعية لغالبية شيعة العراق ترى ما يراه امتدادها المرجعي في وصايا الأئمة؛ كون الصمت بابا من أبواب الحكمة،و إنه يكسب المحبة وهو دليل على كل خير.وكان رديفا لهذا الصمت كسب عافية الدين لحظة يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء تسعة منها في اعتزال الناس وواحد في الصمت..غير ان الصدر الثاني ردد كثيرا الحديث النبوي الصحيح القائل:"المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
تيار الصدر ومن معهم يرون اليوم في غياب المرجعيات عن الأحداث الكبرى صمتا اعتزاليا،وهي خلافات تنطلق من قواعد فقهية يطول بحثها، وتتخذ مساند في تزاحم الضرورات في كتب الأصول،ظواهرها وأسباب الخلاف بينهم تنحصر في ؛الصمت،والغياب. ولعل غياب أربعة مراجع عن النجف الآن يترك من الأسئلة ما يعزز أراء الصدريين، وربما يـُقرأ أيضا على وجه الخصوص وبحذر أكثر ما يتعلق بتواجد السيد السيستاني للعلاج في لندن، والسؤال لم لندن وثمة ما يذكّر بوقائع سابقة؟!. شخصيا تعيدني قراءة تاريخية الى واقع ما يجري الان في حدث حصل بداية عشرينيات القرن الماضي ويكاد سياقه يحقق تطابقا تاما في تحصيل النتائج الحالية ويشكل لقراءات سببية في واقع حدوثها، وسأحاول هنا -مجردا من أي موقف- الوقوف بحياد المقارنة بين نجف اليوم ونجف ثمانين سنة خلت، فيما يتعلق بأحداث كبرى وكيفية تعامل المحتل معها:
قبل ثمانين عاما كان توصيات بريطانية قد وصلت الى الحكومة العراقية بطريقة ناجحة لتسفير الشيخ مهدي الخالصي،شرط ان يتنصل الملك من هذا الأمر، وبالفعل سافر الملك الى البصرة للالتقاء بزعماء عشائر هناك بينما وصلت قوة عسكرية اقتادت الخالصي خارج الحدود. كان غرض سفر الملك واضحا في طرح أرضية عذر مستقبلي حالما تتفاقم الأزمة،فعندما يحتج الناس على قرار حكومة السعدون سيجد الملك مبررا في القول ان ما حصل كان في غيابه..
ايضا وفي الجهة المقابلة ربما يمكن قراءة ما يحدث الان، من منع للتجول، ودعوات للإضراب العام، ومقاطعة دوائر الدولة.. وغيرها مما يرغم عليه الملايين تحت قوة السلاح، وفق لمحة تاريخية في فتاوى حرمة التوظيف التي بدأت قبل ثمانين عام، فالتأريخ يروي ان الملك فيصل الأول سعى بشكل جاد قبل تأسيس وزارة العراق الأولى كي تكون بأغلبية شيعية،ومعروفة في الأوساط العراقية وساطة الشيخ عبد الواحد ال سكر الى النجف وما حصل من مباحثات عاد بعدها الشيخ بخيبة كبيرة اثر الرفض البالغ للمرجعية في النجف من قبول العروض الملكية،وهو ما يعتبر مبرر قبول الملك بمبادرة بريطانية مدروسة في الاعتماد الجوهري على مجاميع من الضباط السابقين في الجيش العثماني لتتولى أمر حكومات العراق لسنوات طويلة.
الآن..العالم كله يطمح في حكومة عراقية قوية تحقق الأمن والاستقرار في المنطقة، وسيبقى المطلب الديموقراطي مطلبا محليا لا تتعامل معه الدول الأخرى الا بقدر مصالحها ومطامحها.والحكومة الجديدة تـُدفع قسرا نحو القبول بعاجل الحلول شريطة تحقيق الاستقرار.
فهل سيدفع الشعب العراقي الثمن مجددا بعد عودة الجيش العراقي السابق كمعادل موضوعي يشبه حكاية الاستتاب الأمني الذي أعاده ضباط الجيش العثماني؟.
انها قراءة تاريخية و لست مسؤولا عن رأي أي قارئ سيقسم حديث" أفضل العبادة الصمت وانتظار الفرج" على الحكايتين أعلاه،لتكون أفضلية الصمت تعبدية الآن في حكاية السفر،ويكون انتظار الفرج من جيش قوي مهما كان، مثلما في الحكاية الثانية.
التعليقات