استولى بعث العراق على السلطة للمرة الأولى في انقلابه الأسود في 8 شباط 1963، وساهمت في التخطيط وتقديم الدعم لهذا الأنقلاب، المخابرات الأمريكية والبريطانية، وقدمت له الدعم كافة دول الجوار بدون استثناء، اضافة لمصر "العروبة "!، ولقد تم الكشف عن الكثير من اسرار هذا الأنقلاب وذلك من خلال اعترافات اقطابه والمشاركين فيه، وورد ذلك في "اوكار هزيمتهم" و"مراجعاتهم" و"دولة منظمتهم السرية" و"كتب مذكراتهم"، ولقد سلط الباحث الدكتور عقيل الناصري الضوء على الكثير من خفايا انقلابهم المشؤوم هذا في كتابه القيم ( عبدالكريم قاسم في يومه الأخير ). الوثائق والأعترافات التي ظهرت اسقطت ورقة التوت وبينت للعيان عمالتهم وصلاتهم المباشرة بالمخابرات الأمريكية ( صالح مهدي عماش، طالب شبيب،على سبيل المثال لا الحصر فقط)، وعُثر على مكتب الشهيد عبدالكريم قاسم اضبارة للدكتور ( إيليا زغيب ) والذي كان منتدبا للتدريس في جامعة بغداد وقتذاك، وكان عميلا للمخابرات الأمريكية، وظل لسنوات عديدة يقوم بنقل المراسلات بين القيادة القطرية في العراق والقيادة القومية لبعث عفلق. ولعب ( وليم ليكلاند ) وهو مسؤول مركز المخابرات الأمريكية في العراق والذي كان يعمل في السفارة الأمريكية بوظيفة مساعد الملحق العسكري دوره المكلف به من تخطيط وتدبير للأنقلاب، بما فيه إذاعة اسماء وعناوين الشيوعيين والقوى التقدمية من اذاعة تبث من الكويت. ولا ينسى احد مقولة امينهم القطري وقتذاك علي صالح السعدي ( جئنا بقطار امريكي ) ولا تزال الأيام السود لأنقلاب شباط راسخة في ذاكرة الناس، وبيانهم المشؤوم رقم (13). ويقدر ضحايا انقلاب شباط ( 5000 ـ 12000) قتيل، وعشرات الآلاف من المعتقلين.
وعاد البعث ( البكر ـ صدام )، مرة ثانية للسلطة في 17 تموز 1968 وهذه المرة بتخطيط ودعم المخابرات الأمريكية والبريطانية ايضا ودعم بعض دول الجوار، ولعب دور المنسق ( ناصر الحاني، لطفي العبيدي، علي عبدالسلام )، ويطلق عليها " كتلة بيروت "، وبتسهيل من ( النايف ـ الداوود ). واستفادوا من تجربتهم السابقة، ادعوا بالتقدمية لابل زايدوا على قوى اليسار، وانطلت على الكثير مناوراتهم، وخلال فترة حكمهم التي جاوزت الـ 35 عام، حقق البعث الفاشي لشعبنا " الأنجازات الكبيرة!! " منها زجه بلادنا في حربين خاسرتين لا مصلحة لشعبنا فيها، خلفت وراءها آلاف الأرامل واضعاف ذلك من الأيتام، ووضع شعبنا تحت الحصار لثلاثة عشر عاما، المقابر الجماعية، تشويه النسيج الأجتماعي، خراب في كل شئ، وأكثرها مرارة خراب النفوس، وخراب في القيم والأخلاق، اشاعة قيم واخلاق البعث من الرشوة والفساد الى حب جمع المال بأي طريقة وبأي اسلوب، اشاعة العنف وثقافته في المجتمع العراقي ونشر فكر البداوة ومحاربة أي فكر مديني حضاري، وترك خزينة الدولة خاوية لابل هناك ديون بذمة الدولة العراقية تقارب ( 200 مليار دولار ). ويلمس ذلك كل من يزور الوطن.
في 9نيسان 2003، سقط الصنم، واستبشر العراقيون خيرا، و توافقت مصالح الأدارة الأمريكية مع مصالح شعبنا في اسقاط نظام البعث الفاشي، فعمر مصالح الشعوب لا تتوافق مع مصالح الدول الأستعمارية، وكانت لدى الأدارة الأمريكية خطة واضحة وذات بعد استراتيجي، وتتلخص بإبعاد الأحزاب الوطنية عن اية مساهمة فعلية في التغيير، حيث قالوا وبصريح العبارة للمشاركين في مؤتمر لندن الذي عقد قبل انطلاق العمليات الحربية بعدة اسابيع ما معناه: ( ( اليوم الأول لنا، واليوم الثاني لكم ). وفعلا كان اليوم الأول لهم وحصل ما حصل من تخريب ودمار منظم ومخطط له ومدروس للبنية التحتية للدولة العراقية، وواهم من يتصور ان الأدارة الأمريكية اسقطت نظام صدام من اجل بناء الديمقراطية أو هي جادة في ذلك، ومن اجل سواد عيون العراقيين، لكنها فعلت ذلك لأن صدام حسين اصبح ورقة محروقة، ولا ينفعها في تنفيذ القادم من خططها في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الكبيرة للأدارة الأمريكية، فهي كانت ولا تزال تريد ادارة بعثية تقود الحكم من دون صدام، ولذلك اكتفت بالقاء القبض على الأسماء الواردة في الكوتشينة فقط " الـ 55 "، وكأن هؤلاء لوحدهم من ارتكب المجازر وكل الجرائم، ولم تقم سلطات الأحتلال بإعتقال أي بعثي من الملوثة ايديهم بدماء ابناء شعبنا، فمثلا عناصر " شعبة الأغتيالات " عناصر " شعبة التفجيرات "، لا يزالون مطلقي السراح، حيث تركتهم يسرحون ويمرحون بكل حرية، مما سهل لهم مهمة اعادة ترتيب صفوفهم واعادة تنظيمهم، وبعد مدة قصيرة تحولوا الى خندق الهجوم، واصبحت الأحزاب التي ناضلت طوال هذه السنين ضد نظام البعث المجرم، في خندق الدفاع ولا تزال، ويمكن ملاحظة ذلك عند زيارة بعض مناطق بغداد مثل، ( الأعظمية، شارع حيفا، العامرية، الرحمانية، العطيفية، السيدية، وغيرها الكثير )، ناهيك عن المدن الخارجة عن سلطة الحكومة العراقية المؤقتة وهي معروفة للجميع. واخذ المراقبون السياسيون بالأشارة الى ان حزب البعث في الآونة الأخيرة ارتقى الى مستوى يمكنه من توفير أماكن آمنة لقياديه الهاربين للأقامة فيها. اما من هرب من البعثيين الى خارج العراق بعد ان اخذوا معهم ما استطاعوا حمله من اموال الشعب العراقي، فهؤلاء لم يقرأوا الخارطة بشكل جيد، وتصوروا ان الأمريكان جادين في بناء الديمقراطية في العراق، وان هناك احتمال القبض عليهم ومحاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم بحق وطننا وشعبنا، او خشية غضب ابناء الشعب وتصفيتهم، ولقد عاد البعض منهم رافعا عقيرته بالمطالبة بخروج قوات الأحتلال، لا بل اصدر بعض الصحف التي تعبر عن لسان حالهم، أما قوات الأحتلال منذ اليوم الأول لدخولها عراقنا ولا تزال تبذل جهودها من اجل ابعاد الأحزاب الوطنية عن أي تأثير فعلي في سياسة البلد. وجاء الأخضر الأبراهيمي عراب الأطماع الأمريكية في المنطقة، واخذ يروج لمقولة ( العراق لجميع العراقيين ) وهي المقولة الملغومة والتي تعني ضرورة اشراك ايتام البعث في ادارة الدولة، وردد خلفه هذه المقولة امين عام الجامعة العربية، وهو الذي حصل فعلا من خلال تشكيلة الحكومة العراقية المؤقتة، والتوجه الذي يقوده الآن رئيس الوزراء من اجل اعادة تأهيل البعثيين والذي يتم بتخطيط وتوجيه امريكي، حيث ان الأدارة الأمريكية مقتنعة انها ستحتاج للبعثيين من اجل الموازنة مع القوى الديمقراطية التي تطالب بإقامة دولة القانون. وما بدعة انهاء الأحتلال ونقل السيادة الى الحكومة العراقية ماهي الا بالونة يلهو بها الصغار، صحيح ان الحاكم "بريمر" غادر العراق، ولكن حل معه "جون نيغروبونتي" وبماذا يمكن تفسير حضور الأخير مع رئيس الوزراء العراقي عند لقاءه برؤوساء العشائر لمدينة الثورة؟، وبماذا يتم تفسير موافقة قوات الأحتلال والسماح لكتيبة من الحرس الجمهوري سئ الصيت بالنزول بزيهم كريه اللون "الزيتوني" وتكليفهم بمهمة حفظ الأمن في مدينة الفلوجة؟.
يمكن الأستنتاج مما ذكر اعلاه ان استلام البعث الفاشي للسلطة مرتين تم بمساعدة الأدارة الأمريكية، وما يجري الآن من إعادة تأهيل للبعث الفاشي، والسعي لتأسيس جمهوريتهم الثالثة، يتم هو الآخر بمساعدة الأدارة الأمريكية.
وتناولت وكالات الأنباء مبادرة سياسية طرحها حزب السيد رئيس الوزراء، وهي بحق مبادرة حق يراد بها باطل، فظاهرها تعزيز الوحدة الوطنية والتوافق الوطني، وحقيقتها الفعلية هو اعادة تأسيس " جمهورية البعث الثالثة ".
والغريب في الأمر ان غالبية الوزراء في الحكومة المؤقتة، وكأنهم في اجازة، حبث ان السيد رئيس الوزراء هو الحاكم بأمره، فهو يعيد تأهيل البعثيين، ويعيد ضباط الجيش العراقي من رتبة عقيد فما دون للخدمة، ويسمح للضباط من رتبة عميد فما فوق بممارسة العمل السياسي، قبل التحقق من نظافة ايديهم الملوثة بدماء شعبنا، ولا يستثني أي طرف ( يعني حتى البعث الفاشي ) من المشاركة في العملية السياسية. والسيد رئيس الوزراء عاش لفترة طويلة في اوربا وهو يعرف حق المعرفة ان الحزب النازي لا يزال الحظر ساري عليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ولحد الآن، فكيف يتم السماح لحزب البعث الفاشي بـ " ركوب قارب العملية السياسية "؟.
دعوة لكل ابناء شعبنا ومنظمات المجتمع المدني واحزابنا الوطنية للتصدي لسياسة " عفا الله عما سلف " وليس للمجرمين الا حكم القانون.