حالة السذاجة والغيبوبة والطفولة السياسية، وهروب العقل التي نعيشها في عالمنا العربي الآن، هي نتاج طبيعي وحصاد مثمر لما زرعناه أو ( زُرعَ فينا ) في خلال السنين الماضية. فقد سمحنا للقومي العربي أن يـُبرمجنا على هواه وحسب مزاجه، وحسب الموجهات التي تخدم مصالحه، التي أهمها بقائه في السلطة والخلود فيها وبأي وسيلة من الوسائل. وكانت أهم وسائله،هي أن يصنع لنا قضايا إنصرافية تلهينا عما نعانيه من جهل وبؤس وتخلف. ومن أهم تلك المصنوعات هو وهم الإمبريالية، التي لا نعرفها ولا نعرف لماذا نـُجـَنـَّـدْ لمحاربتها؟ وكيف؟ ولكن الإجابة سهلة ذلك أن الوقوف المزعوم ضد هذه الإمبريالية لا يتطلب غير الأبواق والميكروفونات والهتاف والتصفيق، بينما التنمية والتطور والدخول في حياة العصر يتطلب مؤهلات أخرى لم نتهيأ لها. ولكي نعيش في هذا الوهم كان لابد من إخافتنا أولا وأخيرا لذلك كان الاعتماد الأول والثاني والثالث على الأمن، لذلك لم يكن غريبا أن تجد من يستطيع أن يسبب الرعب والهلع، لأستاذ الجامعة وللطبيب وللقاضي،وعالم الدين، وللمثقف وكل فرد في المجتمع تـُشْتـَمُّ منه رائحة الخروج عن السرب.وقد يكون ذلك الذي يسبب هذا الرعب بنصف تعليم أو ربعه، أو حتى لا تعليم البتة، ولكن مؤهله الأول والأخير والمهم هو انه أحد أفراد الأمن. كانت نتيجة ذلك الرعب أن سكتنا على كل المصائب التي أورثونا إياها لأننا كنا مـُخدَّرين بمبارزة الإمبريالية نيابة عن الآخرين. لكن بعد أن زال الغطاء عن كثير من حقائق الواقع هل استفقنا؟ نعم استفقنا من نومتنا ولكن ليس لكي نتحرك،ولكن لنبدلها بغيبوبة، ذلك عندما أبدلنا القومي العربي برجل الدين ( الذي سَييَّس الدين ودَيـَّن السياسة )وكان أن امتدت رقعة عداواتنا لتشمل العالم كله، ونـُجنـَّدْ لمحاربته، وحل محل رجل الأمن صبي رجل الدين ( المـُسَيس ) وقام بنفس دور رجل الأمن السابق، إذ انه صارت له السلطة التي بموجبها يستطيع فعل ما يشاء بمن يشاء،بما في ذلك قطع الأرزاق والرقاب، وذلك بمجرد كلمة يسمعها،وقد يفهمها وقد لا يفهما ولكن فقط عليه نقلها وتوصيلها الى من جندوه. وأيضا هذا ( صبي رجل الدين) لا يزيد تأهيله عن سلفه رجل الأمن السالف ذكره فاستمر الرعب السابق بل زاد، واستمرت العداوات السابقة بل زادت لكي تشمل معظم العالم.وبعد كل هذا ما زلنا نسأل أسئلة ساذجة من أمثال: لماذا نحن في هذا الوضع المزري المتخلف؟ ولماذا نحن من دون أمم العالم نعيش في الماضي،بل ونتوغل في عمقه سنة بعد سنة؟ ولماذا نعادي العالم ويعادينا؟، ولماذا عقولنا نائمة إلا إذا غادرت منطقنا؟
نسال هذه الاسئلة لاننا لا نستطيع مواجهة الواقع الذي صنعناه بأيدينا وهو بيِّن واضح واسبابه واضحة ولكن نفتقد من يستطيع أن يرى ويواجه، وحتى نجده سنظل نسأل ونسأل ونسأل.....!
د/ مالك محمد العوضي