سلسلة العنف المستمر تدور رحاها بطريقة عجيبة، فهي تخفت من طرف معين و تشتعل قي طرف آخر، وتنطلق شرارة من جهة ما و تهدأ في جهة أخرى، وكأننا على أعتاب سمفونية ساخرة يشترك على عزفها أطراف عديدة، كل له نغمته الخاصة به، هذا الاوركسترا الموسيقي الضخم يفتقد إلى مايسترو جيد لأدارته و هو الحلقة المفقودة في دائرة الصراع الحالي.
القوات الاجنبية تدق طبول الحرب و تقرعها على إيقاعات أزيز الطائرات، و جنزرة الدبابات، وصدى نيران قوات المارينز، و هرولة أقدام المرتزقة التي تصول و تجول في ارض العراق طولا وعرضا و على نفقات النفط العراقي، إيقاع متناغم لا يجاريه احد، له حصانة عالية مهما خالف ضوابط الإيقاع الموسيقي، فهو ليس يمتلك حصانة قضائية فقط لجرائمه المبررة، و أنما لديهم حصانة ثقافية عالية الدرجة لسمو الهدف القادمين من اجله، فلا ضير أن سقط العشرات من العزل قدموا تلبية لنداء الشيخ الحكيم ( السيد السيستاني )، فهو خطأ بسيط وقع سهوا من السلم الموسيقي و لا يستحق الوقوف عليه. أ ن حركة إيقاع القوات الأجنبية بالعراق تشبه الى حد كبير السمفونية التاسعة لبتهوفن فهم بهذا الإيقاع الصاخب الشديد تلمس حالة تأديبية لبدوية العراق، أكثر منها حالة حسم للفوضى وجعل الأمور في نصابها الصحيح، هذه السمفونية التي استخدمها البريطانيين في تأديب سواق العجلات في مواقف السيارات لمنعهم من الفوضى التي يقومون بها، واستخدمتها أجهزة الأمن الإسرائيلي كإحدى وسائل تعذيب الفلسطينيين في سجونها معهم، وها نحن ألان أمام حالة ترويضية للشعب العراقي لكي يكون نموذج راقي لدول الشرق الأوسط بديمقراطيته على يد أغلى مرتزقة عرفها التاريخ البشري.
المليشيات المسلحة هو كورس موسيقي آخر ضمن ذلك الأوركسترا الضخم له إيقاع خاص منفرد يعزف بدون أي تناغم مع الأطراف الأخرى، دما مات طبول الحرب وصدى قذائف الهاون التي تدوي في المراقد المقدسة بالنجف و المدن الأخرى و القامات التي أصبحت وضيفتها ألان هو لقطع الرؤوس و التمثيل بأجساد الموتى، هذا الإيقاع المنفرد للميليشيات جعل من السلاح و العنف وسيلة لهو يتبختر بها أمام المناهضين لهم باسم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، ونسوا أن هذا الإيقاع الناشز هو الذي يبعد الآخرين عن الدين، و تناسوا أن أنكر الأصوات هو الصدى الصارخ الذي يفر الآخرين منه، وان حكمة المرجعية الصامتة هي التي حركت مشاعر الآخرين وألهبت أحاسيسهم و كأنها نشيد حب وسلام امتلكت قلوبهم و حركت وجدانهم و توجهت أبدانهم لنغمات صمت المرجعية.
كورس الزرقاوي وأنصاره تعلوا ترانيمه حين تخفوا أصوات دما مات النجف ونيران المارينز هناك، أما الفضائيات العربية من الجزيرة وغيرها فهم أحياء الطرب لمليشيات الخطف وملثمي قطع الأعناق و الأرزاق، يعزفون جميعهم على وتر الذبح و أصوات حشرجة السكاكين، و ترانيمهم تختمها الجزيرة بأنشودتها المفضلة ( نمتنع عرض الصور مراعاة لمشاعر المشاهدين )، أما أمن الشعب العراقي و استقراره المهدد بتلك العصابات فلا مراعاة لها حرصا على الصفة المهنية لتلك القنوات. أن صدى صرخات ذبائح النيباليين و الكوري وغيرهم أسكتت آهات جراحات الأطفال و الناس العزل في المدن الرهينة بسامراء و الفلوجة و الرمادي.
سمفونية العنف تدور في العراق بين تلك الكورسات، وهي جميعها تعزف على وتر حرية الشعب العراقي، والتي أصبحت رهينة بيد المرتزقة و الفوضويين و الإرهابيين، أن من يدعي تحرير شعبه من المرتزقة يجب أن لا تلطخ يده بدماء أبناء جلدته، ويتحول من مجاهد ومناضل وطني إلى قاطع طريق يتصدى للغيارى و الوطنيين من العراقيين، الذين اصبحوا صيدا سهلا تشترك بافتراسه كل تلك الكورسات الموسيقية ولعل هو هذا الخيط الخفي الذي يجمع بينهم ويظهر سبب التناغم المتوالي في بروز العنف في مكان ما و خفوته بمكان آخر.
لا خلاص للشعب العراقي ألا بعودة الحلقة المفقودة وذلك بظهور مايسترو شجاع و قوي ينبع من وجدانه ويتحكم بكل تلك الإيقاعات الناشز على ثقافته وخصاله الطيبة، ويظهر النغمة الأصيلة التي أطرب بها كل المحبين للعراق و أهله.
التعليقات