فجعت الاحساء برحيل آية الله الشيخ محمد بن سلمان الهاجري إلى جوار ربه فجر الاثنين 21/7/1425هـ عن عمر يناهز الخمسة و ثمانين عاما تقريبا قضاها عالما و معلما و فقهيا و علامة علمية على أرض الاحساء و أمتد علمه إلى دول الخليج العربي، و قد بدأ حياته العلمية في مسقط رأسه بالهفوف على يد علماء و مشايخ كبار أمثال الشيخ أحمد أبو علي الذي تعلم عنده مبادئ القراءة و الكتابة و درس المقدمات الفقهية لدى آية الله العظمى الميرزا علي الحائري المتوفى عام 1389هـ، و بعد أن أنهى المقدمات الحوزوية بالاحساء توجه إلى العراق للاستزادة في العلم و النهل من علم علمائها الأفاضل و المجتهدين و كان ذلك عام 1365هـ الذي درس بها دروس السطوح و أبحاث الخارج و قد امتدت إقامته بكربلاء المقدسة 24 سنة تلقى فيها دروس في الفقه و الأصول من مجتهدين و علماء كانوا في زمانهم أعلام و مجتهدين تركوا بصمات واضحة و جلية في الفقه و العلوم الدينية و تركوا آثارا علمية من كتب و مؤلفات علمية، و كان من ضمن العلماء الذين غرف من معين علمهم الشيخ علي بن الشيخ محمد العيثان و حجة الإسلام العلامة محمد علي التبريزي الأذربيجاني و آية الله العظمى السيد محمد هادي الحسيني الميلاني ا و آية الله العظمى الشيخ يوسف الخراساني الحائري، كما قام بالتدريس في مدينة كربلاء و له من طلبة العلوم الدينين الذين أصبحوا مجتهدين من أمثال آية الله السيد محمد تقي المدرسي و آية الله السيد هادي المدرسي و قد أجيز بالاجتهاد من مجتهدين هما سماحة آية الله الشيخ يوسف الحائري الخراساني و المرجع آية الله العظمى السيد عبد الله الشيرازي.
و رجع إلى وطنه عام 1389هـ و تحديدا بمنطقة الاحساء ليقوم بدور علمي و تنويري و إرشادي احتاجت له الاحساء في ذلك الوقت و ملأ فراغا علميا و خصوصا بعد بلوغه الاجتهاد فقد كان مرجعا علميا و فقهيا و حجة علمية أدى دورا علميا و اجتماعيا بارزين و قام بتدريس طلبة علوم دينية كثيرين في منزله لأكثر من 26 سنة أصبحوا علماء و خطباء يشار لهم بالبنان. و في عام 1411هـ درس البحث الخارج بمنزله لبعض طلبة العلوم الدينية و بعدها بسنتين و تحديدا عام 1413هـ تسلم زمام القضاء بصفة رسمية في المحكمة الجعفرية بمحافظة الاحساء الذي تحمل مسئولية كبيرة و أحدث تغييرا إداريا أتت بالفائدة الإيجابية على مسار الإجراءات الإدارية و الروتينية بالمحكمة،و هذه المسئولية زادت من مهماته الاجتماعية و قام بدور إصلاحيا اجتماعيا في المجتمع الاحسائي ساعدته مكانته العلمية الدينية و قبول جميع أطياف المجتمع بشخصيته الدينية و الاجتماعية لما يتحلى به من صفات كثيرة منها الورع و التقى و التواضع و بساطة العيش و دماثة الخلق و احترامه لكل الناس، فكان مظلة دينية يحتكم لديها الكثير من الأسر و العوائل بالاحساء و قام بدور اجتماعيا بارزا لإصلاح ذات البين بين الأسر و أفراد المجتمع و من صفاته أنه لا يرضى بالخطأ و خصوصا في الأمور الفقهية و التاريخية و اللغوية فرد على كثير من المفاهيم الغير مقبولة.
و كان للراحل المجتهد آثارا علمية مؤلفة قليلة مقارنة بتاريخه العلمي و الاجتهادي مثل "رسالة البيع " التي لم تكتمل و رسالة " في عدم جواز التقدم على قبر المعصوم بالصلاة و هي مخطوطات، و الجانب التأليفي ينقص كثير من علماء الاحساء التي كانت و ما زالت تزخر بالعلماء الأعلام و الأفاضل و المجتهدين و لكن تختفي سيرهم بعد موتهم بفترة قصيرة لعدم تدوين آثارهم العلمية و سيرهم التاريخية، و لم يلتفت إلى هذا الجانب المهم علماء الحوزة في المنطقة الشرقية و خصوصا الأحسائيين و ذهب تاريخا علميا و فقهيا كان سيفيد طلبة العلوم الدينية و الحوزة العلمية و يصبح حافزا للأجيال الحالية و القادمة لو أنه دون و حفظ في كتب.
و بالرغم من علمه و اجتهاده الذي لم يختلف عليه أثنين ألا أن الشيخ الراحل آية الله محمد الهاجري لم يلق التقدير العلمي الكافي الذي يليق بمنزلته الفقهية و الاجتهادية و العلمية و لعل مرجع ذلك الخلل الاجتماعي الذي يعيشه أفراد المجتمع بالاهتمام بالوجاهة الاجتماعية و السعي وراء البروز الأسري و الشخصيات الدينية التي تمتلك الإرث الأسري الكبير و الخلفية العلمية العريقة، و كأن العالم الديني يجب أن يكون من أسرة علمية دينية أب عن جد، و هذا عنصر مهم و لكن لا ينبغي أن يكون هو العامل الوحيد الذي يحدد المركز الديني و الاجتماعي.
و هناك عامل آخر يتعلق بالأماكن المقدسة الشيعية و هي المدينتين المقدستين النجف الأشرف و قم المقدسة، فلعل عدم دراسة الرحيل آية الله الشيخ الهاجري بهاتين المدينتين اللتين تزخران بالمراجع و المجتهدين و العلماء الكبار الذين تتوفر لديهم طلبة و تلاميذ ينشرون علومهم و بحوثهم الفقهية و الشرعية و يقومون بدور إبراز أسماء الأساتذة و العلماء، سبب آخر في عدم إعطائه حقه من التقدير العلمي.
و حتى مراسم جنازة الفقيد المجتهد ( الفاتحة ) و مع الشكر الجزيل للجهد المبذول من قبل القائمين و المنظمين على الجنازة ألا أن من المفترض أن تكون أكثر إعداد و تجهيزا و إعلاما يناسب مكانة و علمية الفقيد من حيث المكان و الأعداد لاستقبال و ضيافة الوفود المعزين من مختلف مناطق الوطن و من دول الخليج، فمكان الجنازة في مكان ضيقة وسط مدينة بالهفوف بالقرب من سوق مزدحم بالجمهور و السيارات، فهناك حسينيات و قاعات عامة تتوفر بها مواقف و مساحات فسيحة تتيح للمنظمين الأعلام و الاستقبال الجيد و التوسعة على وفود المعزين.
للمجتهد الفقيد مكانة علمية كبيرة في نفوس أهل المنطقة الشرقية و خصوصا مجتمع الاحساء و لكن لا ترتقي إلى مستوى اجتهاده و نبوغه العلمي و الفقهي و بفقده ترك فراغا علميا اجتهاديا و اجتماعيا من الصعب تعويضه، لذا مطلوب من طلبته و تلاميذته أن يعطوا هذا العالم الجليل المجتهد حقه و أن يدونوا ذكرياتهم الدراسية لديه و كتابة تقاريره العلمية و أن يكشفوا بشكل أكبر عن مشوار رحلته العلمية في كربلاء و الاحساء حتى تصبح تراثا فقهيا يستفيد منه طلبة الحوزة و حفظا لعلمه.
كما أن الأمل يحدو الجميع أن يتم الإعداد الجيد و أن يعوض ما نقص بالجنازة في أربعينيته من دعوات و إعلام و أن يتم الاستعداد من الآن.
نعزي الحوزة العلمية و جميع العلماء و أهل الاحساء في مصابهم الجلل و نسأل المولى القدير أن يتغمده في فسيح جناته و أن يلهم أهله و ذويه الصبر و السلوان، إنا لله و إنا أليه راجعون.
التعليقات