أ. د. محمد العبيدي


"لا توجد قوة عسكرية على الأرض مدربة مثلنا ولها من العُدد والسلاح والتكنولوجيا التي عندنا، ورغم ذلك لم نستطع أن نهزم رجال المقاومة العراقية". هذا ما صرح به قائد إحدى قوات المارينز الأمريكية بحقكم يا من أذقتم العدو مرارة وجوده على أرض الرافدين الطاهرة ويا من ستدحرون قواته آجلاً أو عاجلاً.

بعد تنامي وإشتداد ضربات قوات المقاومة العراقية البطلة وسيطرتها الكاملة على بعض المدن العراقية بعد أن حررتها من قوات الإحتلال الأمريكية، قرر بوش، وحسب توصية سفيره حاكم العراق الفعلي نيغروبونتي، تخصيص مبلغ 3.3 مليار دولار مما يسمى أموال إعمار العراق لأغراض تعزيز متطلبات الأمن في العراق كما يقول، أو بمعنى آخر لتقوية قبضة القوات الأمريكية على العراق والعراقيين وتشديد إجراءاتهم القمعية والتعسفية بحقهم، وبإعتراف القادة العسكريين الأمريكان أصبحت المدن العراقية الواحدة بعد الأخرى أرض حرام على القوات الأمريكية.

ففي لقاء حدث مؤخراً بين بعض من شيوخ عشائر سامراء والجنرال الأمريكي "جون باتست" في قاعدة قواته في تكريت، تحدث معهم هذا الجنرال بصيغة لم تخلو من خيبة الأمل والفشل حول ما حدث من "سقوط"!!! لمدينة أخرى بأيدي الثوار، حيث قال لشيوخ العشائر بعد أن ضرب الطاولة التي أمامه بعصبية ضاهرة "سوف لن نصرف قرشاً واحداً من أموال دافعي الضرائب الأمريكان إلى أن تساعدونا بطرد "الإرهابيين" من مدينتكم. وهز الشيوخ رؤوسهم وإبتسموا ثم إنسحبوا من الإجتماع عائدين إلى المدينة التي لا هم يسيطرون عليها ولا القوات الأمريكية (نيويورك تايمز 5/9/2004). كما ونشرت نفس الصحيفة في 8/9/2004 خبراً إعترف فيه أحد قادة البنتاغون أن المقاومة تسيطر على مناطق مهمة في وسط العراق وأنه من غير الواضح ما إذا ستتمكن القوات الأمريكية والعراقية الحكومية من إعادة السيطرة عليها، وهذا ما أكده أيضاً وزير الدفاع الأمريكي ومجرم الحرب رامسفيلد ورئيس أركانه ريتشارد مايرز في مؤتمر صحفي عقداه مؤخراً. وتضيف الصحيفة قائلة أن ما تم التصريح به هو إعتراف بأن القوات الأمريكية فشلت بإنهاء الزيادة المتطورة لعمليات المقاومة المسلحة وخصوصاً في مناطق الفلوجة والرمادي وسامراء وبعقوبة والمحمودية واللطيفية.

وعندما تنشر صحيفة أمريكية مثل النيويورك تايمز مثل هذا الخبر على صدر صفحاتها، فإنها تعبر بذلك عن رأي النخبة من اليمين المتطرف الفاشي التي تحكم أمريكا، حيث يؤكد ذلك على عمق الورطة التي وقعت فيها أمريكا في المستنقع العراقي والذي لم يعودوا يعرفون كيف يخلصوا أنفسهم منه. وهذا ما أكدته أيضاً صحيفة الواشنطن بوست في عددها ليوم 9/9/2004 حيت قالت أنه بعد ما يقارب على 18 شهراً من الإحتلال يبدو أن المقاومة قد إزدات ولم تقل. وقد أوضح تلك الحالة بأبسط صورها أحد الضباط الأمريكان الإحتياط حين وصف ما تعانيه القوات الأمريكية في العراق الآن بأنه يشبه ما عاناه الصهاينة في جنوب لبنان لمدة 18 عاماً من مقاومة أجبرتهم في النهاية على الإنسحاب. كما إنعكست الخسارة التي تعاني منها القوات الأمريكية على آراء أكثر الخبراء الأمريكان تشاؤماً والذين لم يصدقوا ما تعانيه القوات الأمريكية من خسارة في العراق، ومنهم خبير في حرب العصابات في كلية الحرب للجيش الأمريكي، إضافة إلى أنهم لم يصدقوا أن المقاومة للإحتلال ستشتعل منذ اليوم الأول لدخول قواتهم إلى بغداد.

لذلك على قيادات قوات المقاومة الحذر الشديد من المهمة التي سيقوم به علاوي في محاولة منه لتحييد بعض فصائل المقاومة وإقناعها بالإنخراط في العملية السياسية الأمريكية والتي أخذ الضوء الأخضر لها من دوائر البنتاغون، لأن البنتاغون يعتقد الآن أن تلك الطريقة هي الوحيدة الباقية والقادرة على القضاء على المقاومة حيث لم تنجح العمليات العسكرية الأمريكية رغم شدتها وقسوتها وهمجيتها في الحد من الخسائر التي أوقعتها المقاومة بقوات الإحتلال. بل أن الأخطر على فصائل المقاومة هو تأكيد دوائر البنتاغون أنها أعطت علاوي إشارة البدء بالبحث عن أشخاص داخل فصائل المقاومة ورشوتهم بأي شكل من الأشكال لغرض تحييدهم و العمل بكل الوسائل على ادخالهم ضمن لعبة المخطط الأمريكي في العراق التي يتم تنفيذها من قبل حكومة علاوي وجوقة المتعاونين مع الإحتلال. وفي هذا الصدد صرح أحد مسؤولي البنتاغون أن السيناريو سيكون بأن يقول علاوي لهؤلاء، أي الأشخاص في قيادات المقاومة، "أني أعطيكم الفرصة للحصول على ما تريدون بشرط أن تعملوا مع الحكومة من أجل القضاء على المتشددين!!!!!". كما ويأمل رئيس الأركان الأمريكي أن الجنود العراقيين الذين دربتهم القوات الأمريكية والذي يقول أن عددهم وصل إلى 95.000 جندي هم من سيقوم بمهمة القضاء على المقاومة!!! ولكن يبدو أن الغباء الأمريكي والتشدق بتصريحات مثل هذه لوسائل الإعلام الأمريكية ما هي إلا محاولة يائسة لدفع الناخب الأمريكي لدعم بوش في حملته الإنتخابية، إذ أن الناخب الأمريكي لا يعلم على سبيل المثال، وحسب ما أوردته نشرة أخبار الشرق الأوسط الأمريكية، أن 80 بالمئة من الجنود العراقيين الذي زج بهم الأمريكان لمقاتلة جيش المهدي في الحملة الأخيرة ضده قد تركوا مواقعهم وإرتدّوا على قادتهم لأنهم لم يريدوا مقاتلة إخوانهم في جيش المهدي تماماً كما حدث في واقعة الفلوجة في شهر نيسان/أبريل من هذا العام عندما رفض الجنود العراقيون الوطنيون مقاتلة أبناء شعبهم وإخوانهم المقاومين في الفلوجة. لا بل والمفرح أيضاً هو ما صرح به أحد القادة العسكريين الأمريكان مؤخراً أن أكثر من 10 بالمئة من الجنود العراقيين الذين دربهم الأمريكان يعملون ضد القوات الأمريكية وأن العشرات من أفراد الشرطة العراقية يعملون نهاراً في قوات الشرطة وليلاً مع قوات المقاومة. وفي الوقت الذي يعول فيه الأمريكان على القوات العراقية التي شكلوها ودربوها لمحاربة المقاومة، كما أكده رامسفيلد ورئيس أركانه، يقول ذلك القائد العسكري الأمريكي أن الجنود العراقيين غير مؤهلين على الإطلاق للقيام بهذا العمل!!!. كذلك صرح الجنرال مارتن ديمبسي، أحد قادة الفرق المدرعة الأمريكية، أن 40 بالمئة من الجنود العراقيين الذين دخلوا الجيش العراقي الجديد قد تركوا العمل لأنهم لا يريدون مقاتلة إخوانهم العراقيين. وأيضاً قال قائد عسكري آخر من قادة قوات الإحتلال أن جزءً كبيراً من العراقيين الذي إنخرطوا بقوات الأمن العراقية سواء كان الجيش أو الشرطة أو قوات الدفاع المدني قد رفضوا القتال إلى جانب القوات الأمريكية وتركوا مواقعهم ثم إنخرطوا بصفوف المقاومة وقد أكد ذلك جون أبي زيد نفسه في تصريح أخير له، والذي نتج عنه بعد ذلك أن سرحت القوات الأمريكية والسلطات العراقية العميلة أكثر من 30 ألف من أفراد القوى الأمنية العراقية التي شكلوها خوفاً منهم.

رغم شظف العيش وحاجتهم إلى العمل لإعانة أنفسهم وعوائلهم مما إضطرهم للإنخراط في صفوف القوى الأمنية التي شكلها الأمريكان، يعتبر هذا المنحى الذي إختطه هؤلاء العراقيون الأصلاء بتركهم الخدمة في صفوف تلك القوات أو إلتحاقهم بقوى المقاومة، تعبيراً حقيقياً عن الوطنية والدفاع عن العراق وأبهى صورة للذات العراقية الأصيلة في رفضها للإحتلال وعملاءه الذين نصبوهم على رأس السلطة، وبهذا يبدو واضحاً لأولئك الذين يتشدقون بالخيار السياسي أو يدعون إلى تعدد الخيارات كحل لدحر المحتلين أن لا مكان للخيار السياسي في مقاومة الإحتلال، بل يجب العمل وبكل الوسائل لإسقاط تلك الإدعاءات وإسقاط الداعين إليها إذ أن المقاومة المسلحة وحدها تبقى الوسيلة الوحيدة والناجعة لتحرير العراق ولو طال الزمن. والأمثلة أمام أنظارنا كثيرة، فمنها تحرير أوربا من النازية مروراً بإستقلال الجزائر وحرب التحرير الفيتنامية ما هي إلا دليل لا يمكن تجاهله على أن مقاومة الإحتلال عسكرياً هي اللغة الوحيدة التي تدحر الإحتلال وتحقق نيل التحرير وعودة السيادة، إضافة إلى أن مقاومة المحتل قد أكدتها العديد من الأعراف والقوانين الدولية كحق للشعوب في تحرير بلدانها المحتلة وبهذا فإن المقاومة المسلحة وحروب التحرير الشعبية تبقى اللغة الوحيدة التي يفهما الإحتلال والتي تفضي بالنهاية لدحره وجلاءه عن أرض العراق خصوصاً وأن قوات الإحتلال وعلى جميع أراض العراق قد واجهت مقاومة مسلحة لم يتوقعها المحتل وأصبحت تكبده خسائر فادحة تزداد يوماً بعد يوم.

لهذا يجب على الحركات الوطنية السياسية منها والدينية التي لها قواعد شعبية مؤثرة وخصوصاً تلك التي نشأت بعد الإحتلال والتي كانت ولا تزال تدعو إلى كون العمل السلمي هو وحده القادر على إسقاط المشروع الإحتلالي الأمريكي للعراق أن تعي أنه بعد ما يقرب من عام ونصف العام على الغزو الأنكلوأمريكي الصهيوني للعراق لم يحقق الغزاة للعراقيين الحرية والديمقراطية التي خدعوا شعبنا بها لأن هذه الكلمات الجوفاء لم تكن يوماً في قاموس الأمريكان وحلفائهم عندما أرسلوا قواتهم الضخمة لتحتل بلدنا، ولأن الفاشية الجديدة في الإدارة الأمريكية الصهيونية عازمة على إنجاح مشروعها الإستعماري في العراق ليس من أجل الإستفادة القصوى من ثرواته فحسب بل من أجل أن يكون العراق تجربة ناجحة لهم لإختبار مشروعهم التوسعي في المنطقة والذي يطلقون عليه مشروع الشرق الأوسط الكبير حيث المستفيد الأول والأخير هي الصهيونية العالمية والكيان الصهيوني المسخ. كما يجب عليكم وعلى أولئك الذين يستخدمون أقلامهم في الترويج لإنهاء الإحتلال فقط من خلال الفعاليات السلمية وعقد المؤتمرات والإجتماعات والخطب الرنانة أن يعوا أن الأمريكان وحلفائهم جاءوا ليبقوا في العراق وفق إستراتيجية وضعت فصولها والتخطيط لها قبل أعوام عديدة. فإن كان المحتلون وعلى لسان كبارهم قد إعترفوا بأن مدناً بكاملها قد أصبحت بقبضة الثوار المقاومين وأن الضربات الموجعة للمقاومة العراقية الباسلة ومن جميع فصائلها قد أوقعت بهم خسائر لم يعودوا يحتملوها وأنهم قد يخططوا للرحيل إلى غير رجعة، فما بالكم لا تنتهزوا هذه الفرصة لمد يد العون لقوى المقاومة وبذلك تعجلوا برحيل المحتلين بدلاً من سياساتكم السلمية التي يستخدمها الإحتلال للإمعان في مذلة شعبنا وقهره.