2
حميمية الحوار، أجدى من عبثية الصراع في توفير الوعي
أسس الحضارة ودوافع الفكر:
لكي نؤسس لايجابية الحوار، فلابد لنا من توضيح الدوافع الفكرية والحضارية. وأهدافها لبناء الأنسانية، بكل اختلافاتها، وتوجهاتها، وأساليب الدعوة لديها. محاولين تجنب الصراع، الذي يؤدي بالضرورة، الى بروز غريزة الغلبة على الآخر. وظهور أساليب الربح والخسارة، التي تجر بالضرورة، الى تبرير ضرب الآخر بالأساليب الميكافيلية. سعياً لتأسيس امبراطوريات فكرية ــ إن صح التعبير ــ على ركام الأنسانية التي تمتلك حق المشاركة للجميع في التنظير لخدمة البشرية. في الوقت الذي تنتج حميمية الحوار تقارب في الرؤى، وتلاقح في الأفكار، وبالتالي وضوح المبادئ لدى عامة الناس ليتسنا لها اختيار الأصلح في بناء ذاتها، وصولاً لبناء الوطن، والدولة التي تفضي بالنتيجة الى حفظ النظام، الذي هو حفظ حقوق الجميع.
يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله((إن الشرط الأساسي لنهضة الأمة... أي أمة كانت... أن توفر لديها ( المبدأ) الصالح الذي يحدد لها أهدافها، وغاياتها. ويضع لها مثلها العليا، ويرسم اتجاهاتها في الحياة. فتسير في ضوئه، واثقة من رسالتها، مطمئنة الى طريقها، متطلعة الى ما تستهدفه من مثل، وغايات. مستوحية من المبدأ وجودها الفكري، وكيانها الروحي))(1) فالشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله، يحدد بدقة متناهية عناصر وشروط العمل السياسي العام المتداخل مع الفكر المعتمد لكل أمة، لينتج برنامجاً ساسياً واضحاً شفافاً، يضع الأساس العام للأمة بكل ما تملك من عددية بالفكر، أو بالأثنيات المكونة للمجتمع. فهي لاتنحصر بشكل واحد من أشكال الفكر، ولكن كل ما يعتمده المجتمع منه، وإن اختلف. ثم يأتي ليؤكد رحمه الله فيقول (( نحن نعني بتوفر المبدأ الصالح في الأمة، وجود المبدأ الصحيح( أولآً ) وفهم الأمة له( ثانياً) وايمانها به( ثالثاً).(2)
وعلى ضوء ما تقدم، تكون العقيدة لكل حزب، أو حركة، أو تنظيم، أو أي فصيل سياسي، وهذه كلها التي تشكل الأمة. هو ما يعقد في القلب ويصدقه العقل. ومن خلاله تتكون مساحاتها الجماهيرية لكل منها، وحسب ما تستطيع من نشر فكرها، التي لابد أن تصيغ منه المبدأ الذي يحدد لها أهدافها، وغاياتها، ومثلها العليا. وأن تصيغ منه أساليب الدعوة له لكي تفهمه قواعدها، ثم تؤمن به. وهنا لابد من وضع حد للصراع الذي يفضي الى التناحر والتجاذب السلبي، والبدأ بحميمية الحوار، للوصول الى برنامج وطني. ينتج بتلاقح الآراء وفق القواسم المشتركة لكل الأفكار، يجمعه الهدف العام، وهو سعادة المواطن الذي هو أداة البناء والتغيير، والوطن الذي هو وعاء الجميع.
ونحن نريد أن نجعل هذا المبدأ في العمل السياسي العام الذي يشمل كل نواحي الحياة منطلقاً له. بلحاظ أن السياسي لايمكن له الولوج الى ميدان العمل دون أن يكون له وضوح في الفكر الذي يستند اليه. كما لايمكن للحزب أن يُؤسَسْ بين عشية وضحاها، ما لم يمتلك من ألأصالة الفكرية والتجربة السياسية، في الكم والنوع، ما تؤهله لكسب ثقة المجتمع الذي يعمل فيه. من حيث أن العمل السياسي ليس كالعمل التجاري. والأنجرار وراء الكسب الشخصي، أو الطائفي بعيد عن المصالح العامة للشعب، يولد الصخب والأرتباك في بناء المجتمع، الخارج من حطام نظام شمولي شل كل نواحي الحياة السياسية، والأجتماعية في الداخل.
فالأديان بفكرها سماوييها ووضعييها. الفكر الأسلامي بأصيله ومتطفله، معتدله ومتشدده، ارهابيه وتكفيريه، ووفق مختلف المفاهيم للأسلام. والأفكارالوضعيه، شيوعييها واشتراكييها. الأشتراكية يسارها ويمينها ووسطها. القومية عنصرييها ولبرالييها، وحتى الرأسمالية. كلها تدعي أنها سعت، وتسعى من أجل الأنسان، كل على طريقته الخاصة، ومرجعيته الفكرية المعتمدة لديه. فمن استقى فكره من السماء، و من استقاه من الأنسان الذي أجهد نفسه لوضعه للآخرين. الكل يدعي بأنه يدعوا الى خير الأنسان، سعادة الأنسان، أمن الأنسان، محبة الأنسان لأخيه الأنسان، فالهدف الأول والآخير هو انسانية الأنسان، حقوقه وواجباته وتحت شعار العدالة الأجتماعية.
ولكن رغم وحدة الهدف، تجد هناك اختلافاً بالفكر، واختلافاً بالممارسة، واختلافاً بالدعوة والأساليب.أحيانا تصل الى التضارب باساليب الترويج كل لفكره، مما يصل الى درجة التصادم والتسقيط والألغاء، وبالتالي الغاء الهدف الذي يسعى كل طرف من أجله، وهو سعادة الأنسان، من حيث إن الذي يختلف معي بالتنظير، أو باساليب العمل والدعوة الى ما توصلت اليه، هو مثلي انسان فهو جزء لايتجزأ من الهدف العام للبشرية. فلماذا إذاً يتحول الحوار الى صراع؟، ثم الى تعاسة الأنسان الذي يسعى الجميع للدفاع عنه، بالتنظير والجهاد والنضال الى إحقاق حقوقه، وأمنه، ورفاهه. وهذا للأسف موجود في بلدان العالم أجمع وان اختلفت النسب، التي تتأثر بالضرورة بمستوى درجة الوعي التي تتمتع بها المجتمعات، أو التي تؤثر فيها نظريات من يدعي النضال أو الجهاد لأسعادها.
وعلى ضوء ما طرحه المفكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله، يكون لزاماً على أي حزب أن يوفر المبدأ الصحيح، الذي يحدد له أهدافه، وغاياته. ويضع له مثله العليا، ويرسم اتجاهاتها في الحياة. فيسير في ضوئه، واثقاً من رسالته، مطمئناً الى طريقه، متطلعاً الى ما يستهدف من مثل، وغايات. مستوحي من المبدأ وجوده الفكري، وكيانه الروحي. والكيان الروحي هنا، ليس أن يكون بالضرورة الفروض الواجبة لدى المسلمين، من صوم وصلاة، وحج وزكاة. بل لابد من الروح من غذاء، يربيها على الأمانة وحفظ العهد، وحب الوطن. وهذه تساعد مجتمعة أيضاً على بناء الثقة بين المواطنين، مهما أختلفت آراءهم، ومنابع ثقافاتهم. ثم يسعى الى رسم البرامج لجعل الأمة تفهمه ومن ثم يصار الى الإيمان به. فهو إذن مجموعة قيم ومفاهيم وسلوكيات تمثل سلسلة مترابطة بعضا بالبعض، ومكملاً بعضها البعض بحيث يشعر الفرد المؤمن به، جزءً لايتجزء من كيانه الشخصي الذي هو جزء من الكيان العام للأمة.
وهذه المفاهيم، والقيم، والمثل، والكيان الروحي، تخلق له الروادع عن الخطأ، الذي تنشأ داخل كيانه، بعد فهمه والأيمان به. وتكون له مراقباً، وموجهاً نحو الهدف العام، الذي هو سعادة البشر. ومن خلال المنافسة الشريفة في خدمة المجتمع كل حسب مايراه، مما تقدم من فكر وقيم. تثبت لدينا قدسية الهدف في التطبيق بعد فهمه والإيمان به، من خلال مايصح من عمل لتحقيقه. وليس قدسية الفكر لحفظه والتغني به، وجلد المجتمع به، دون تطبيق حامليه له. وهو المعرّض للتغيير، والتجديد. تبعاً لتغير الواقع الذي يتأثر بتطور العلوم والتكنالوجيا. ومن ثم كشف المزيف الوطني من الأصيل. عندها لايصح إلا الصحيح في خدمة الشعب والوطن.
1 ـ 2 ــ رسالتنا ـ السيد الشهيد محمد باقر الصدر ــ ص 21
التعليقات