اتخذ العرب قبل الإسلام عام الفيل حدثا بارزا يؤرخون ما حدث قبله وما جرى بعده في حياتهم التي لم ترى حدثا أو أمرا جللا يجعلهم يحددون به تاريخهم وتاريخ عظمائهم ورجالهم الذين ولدوا أو عاشوا في السنين التي سبقت أو تلت هذا العام، ويكفي أهمية لهذا الحدث ولادة سيد الكائنات محمد (ص) في عام الفيل والذي تغير العالم من يوم مولده عن الزمن الذي سبقه، وقد ورد ذكر عام الفيل في القرآن الكريم في سورة حملت اسم الفيل الذي مثل القوة العظمى في ذلك الزمان الذي أراد من ورائه أبرهة الحبشي ملك اليمن ان يهدم الكعبة المشرفة ويحول قبلة العرب في ذلك الزمان إلى معبد بناه باليمن وينهي بذلك المكانة والمنزلة التي تحتلها مكة في الأفئدة والقلوب، لكن ( للبيت رب يحميه ) كلمات قالها عبد المطلب سيد أشراف مكة بعد عودته إلى مكة وفشل مساعيه في إقناع أبرهة بالعدول عن قراره بهدم الكعبة المشرفة بواسطة الجيش والسلاح الجديد الذي مثله الفيل في ذلك الزمان لكن أهل مكة كانوا يمتلكون سلاحا أقوى واشد فتكا من الفيل وأسلحة الطاغية الأشرم وكانوا متيقنين بان للبيت رب يحميه وان حدثًًا ما سيقع وان الإله الذي يعبدونه معتقدين انهمتمثل في ما يزيد على 36. صنما قادر على الفتك بهذا الجيش الجرار وحفظ كعبتهم ومدينتهم التي شرفها الله من كل مدن وحواضر الدنيا.

عام الفيل الذي حدث قبل حوالي 1475 سنة لم يشهد تاريخ الإنسانية حدثا يوازيه أو يماثله رغم الإحداث والحروب والإمبراطوريات والدول التي توالت على الأمم والشعوب إضافة إلى الاكتشافات والاختراعات التي غيرت حياة الإنسان ورفعت من مستوى العلم والمعرفة إلى الحد الذي أوصله إلى غزو الفضاء والنزول على القمر وآلاف الاختراعاتالتي غيرت من وجه العالم وجعلت الحياة في مرحلة زمنية تختلف عن التي سبقتها اختلافا كبيرا رغم ان الفرق بالزمن أحيانا ليس كبيرا أو حتى يمكن حسابه بأصابع اليد لكن التغيير والتأثير الذي تحدثه هذه الإحداث تجعل الناس يتغيرون كثيرا عن المرحلة التي سبقته كما هو العالم الآن بعد استخدام الكومبيوتر والانترنت ووسائل الاتصال الحديثة.

لكن تأثير كل ما سبق من اختراعات واكتشافات لم يكن بمستوى التأثير على كل العالم أي هناك أماكن وشعوب كثيرة لم ينالها أو لم تقطف ثمار هذا التقدم والاختراعات لأسباب وعوامل عديدة لكن حدثا واحدا كان بمثابة الزلزال الذي هز العالم وأصبح العالم بعده ليس كما كان قبله، ذلك هو يوم 11 سبتمبر الذي حدث فيه ما لم يفكر فيه أو يتوقعه أو يخطط به احد من قبل وأصاب بفعله المباشر اقوي قوة في العالم في هذا الزمان ثم امتد بتأثيره المباشر وغير المباشر إلى معظم إرجاء العالم ومنها عالمنا العربي والإسلامي الذي وجد نفسه في تصادم مباشر في معركة لم يخطط لها ولم يختار زمانها ومكانها وامتدت نتائجه وآثارها وشرورها إلى مناطق عديدة من بلادنا.

لقد تغير العالم كثيرا بعد 11 سبتمبر 2..1 وتغيرت معه قواعد القانون الدولي الخاصة بالمفهوم التقليدي لسيادة الدول وأصبح العالم أكثر استعدادا للاجتماع والتعاون في سبيل مواجهة الخطر الذي لم يعد موجها إلى الضحايا الثلاثة آلاف الذين سقطوا في ذلك اليوم وإنما إلى ضحايا سقطوا ويسقطون كل يوم في أماكن عديدة من العالم تحت أسباب وتبريرات متعددة لكنها تجتمع في حالة وصورة واحدة هي ان العالم لم يعد آمنا كما كان قبل ذلك اليوم وان الجميع مستهدفون ويكتوون بنار الأرهابالتي اندلعت والتي لا يعرف احد إلى أي مدى ستصل إليه.

لقد دخل مفهوم الحرب الاستباقية بحجة الحفاظ على الأمن الداخلي والذي بدأت فيه الولايات المتحدة عندما شنت حربها في أفغانستان وهاهي روسيا تنضم إليها بعد الإحداث الاخيرة فيها وتوحد العالم الغربي فيما يشبه جبهة واحدة ضد الخطر الذي يهددهم في حين بقي العرب والمسلمون في موقع رد الفعل والمدافع عن المبادئ والقيم التي جرى تشويهها بفعل قسم من أبنائها والذين اضروا مجموع الأمة بأفعالهم وجعلوها في اضعف موقف ومركز إمام الأمم الأخرى بل واضروا بقضايا عادلة ومشرفة مثل قضية فلسطين وكشمير والشيشان وجعلوا النضال والمقاومة التي يقوم بها أبناء هذه الشعوب المغلوبة يأخذ تسميات أخرى هي ابعد ما تكون عن واقع الحال.

لكن أهم آثار أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالنسبة للعراقيين أنها خلصتهم من النظام السابق الذي جثم على قلوبهم وصدورهم ما يقارب 35 سنة وبدئوا ينظرون للمستقبل بعين جديدة تقوم على التعددية في الأفكار والأحزاب والأشخاص لكنها أيضا حولت بلادهم إلى ساحة مكشوفة لتصفية الحسابات مع أمريكا الفيل الجديد في هذا الزمان والذي نتمنى ان يرحل قريبا عن ارض العراق بعد ان يتحقق أملنا وهدفنا في العراق الجديد الديمقراطي التعددي الفدرالي القائم على المحبة والتسامح ولساننا الذي ينطق بكل لغات أهل العراق مرددا بأنه رغم كل ماجري ويجري فان للعراق رب يحميه.

محام وكاتب عراقي مقيم في الدنمارك

[email protected]