جاء رد الفعل العالمي على مجموعة التفجيرات والمجازر الوحشية والأحداث الأخيرة التي حدثت في مناطق متعددة ومتفرقة شمالا وجنوبا من العالم ليزيد من صب نار الغضب فوق الزيت الذي يغلي في مرجله منذ أكثر من ألف عام مضرما نار العداوة ضد الإسلام والمسلمين وكأنهم سبب الشر والفساد في العالم وأنهم لابد من استئصالهم عن بكرة أبيهم وإبادتهم إذا أمكن لأنهم لا يستحقون الحياة وأصبحوا لعنة على البشرية وما جزاء هؤلاء المتخلفين والمتوحشين المتعطشين للدماء سوى الموت والسحق والتنكيل وهو ما تعالت به الأصوات من روسيا وأوربا وأمريكا بتناغم وانسجام كمعزوفة موسيقية متكاملة بدءا من استوانيا حيث مذبحة نفذتها الحكومة السوفياتية ضد أطفال مدرسة احتجزتهم مجموعة شيشانية راح ضحيتها أكثر من خمسمائة قتيل وألف جريح ومرورا بخطف وقتل المدنيين بالعراق وتفجير السفارة الاسترالية بإندونسيا وغيرها من الأحداث التي تشير أصابع الاتهام دائما للمسلمين وكأنهم حفنة من المجرمين الذين لا يعرفون غير لغة القتل والدماء.
وإذا كان هذا الموقف الغربي مفهوما لأسباب ترجع في معظمها لسوء الفهم المتعمد من الغرب تجاه العرب والمسلمين وإدانتهم باعتبارهم أعداء وهو موقف أيديولوجي لا يمكن زحزحته بسهولة وهي نظرة استئصالية عدوانية مركبة ومتراكمة في الثقافة الغربية منذ أكثر من ألف عام لعب الاستشراق دورا كبيرا في إذكائها كما كان للميديا التي يسيطر عليها اليهود حاليا دورا كبيرا في تغذية هذه الصورة المشوهة والمغلوطة والمقصودة ضد الإسلام والمسلمين لكن هذا الموقف المنحاز والذي ينظر للمور بعين واحدة وبرؤية أحادية غير موضوعية وغير أمينة للأحداث ولا يرى الأسباب الحقيقية التي أدت إليها وهو غياب العدل وتراكم الظلم والقهر في بلاد العرب والمسلمين لمثل هذه الأحداث الدامية فالذين أدانوا عملية استوانيا واعتبروها عملية إرهابية وهي بكل تأكيد عمل إرهابي بامتياز يتناسون عن عمد جرائم الاتحاد السوفيتي ضد المسلمين في جروزني والشيشان وإبادة مئات الألوف في مجازر وحشية جماعية تحت سمع ومرأى من العالم الحر الذي لم يرف له جفن لدماء هؤلاء الضحايا الذين مازالوا يحلمون باستقلالهم كغيرهم من بلاد الاتحاد السوفيتي السابق في دولة يعيشون في ظلها أمنين.
والذين يدينون خطف وقتل المدنيين الأجانب بالعراق وأقاموا المنادب ونصبوا سرادقات للعزاء لقتل أحد عشر نيباليا وصبوا جام غضبهم على الإسلام والمسلمين يتناسون نهر الدم المتدفق يوميا بلا نهاية في العراق وفلسطين وكأنه دم رخيص لا يستحق أن يحزن من أجله أحد ويغمضون عيونهم وينامون ملئ جفونهم للمجازر الصهيونية والأمريكية التي تعد من قبيل حرب إبادة ضد العرب والمسلمين دون ذنب جنوه ولا جرم أقترفوه وقد قامت الدنيا ولم تقعد لخطف اثنين من الصحافيين الفرنسيين الذي نسب لجماعة تطلق على نفسها لقب جماعة إسلامية وتناسى الجميع أن العراق بلدا مفتوحا يذمر فيه الشيطان ويعربد من أقصاه إلى أقصاه فهناك جماعات مافيا تزيد عن عشرين ألف يعملون لحساب أمريكا ويتقاضى الواحد منهم يوميا مايزيد على ألف دولار ومحصنين قانونيا من الملاحقة والمساءلة من قبل الحكومة العراقية المؤقتة ومهمتهم القيام بالعمليات القذرة التي لا يمكن للجيش الأمريكي كقوات احتلال أن تفعله فما المانع قيام هؤلاء بخطف الصحفيين الفرنسيين وإلصاق التهمة بالجامعات الإسلامية الإرهابية لتشوية صورة الإسلام والمسلمين كما تعمل بالعراق المخابرات الصهيونية الموساد التي تجوب العراق من أقصاه إلى أقصاه دون عوائق ولا موانع وتغتال خيرة أبناء العراق من العلماء المتخصصين في علوم الذرة والأسلحة النووية وقد حمل الموساد معه قبل الاحتلال الأمريكي للعراق قائمة بأسماء هؤلاء العلماء وأماكن تواجدهم ولم يعلق أحد من المتحضرين في الغرب والشرق لمقتل هؤلاء العلماء وتصفيتهم وهم يتساقطون يوميا شهداء الواحد تلو الآخر باعتبارهم الرصيد الحي للعراق في تنمية حقيقية ونهضة علمية منشودة كما يزعم السادة في واشنطن الذين جاءوا لتحرير العراق وجعله نموذجا للرفاهية والديمقراطية في الشرق الوسط لو كانوا صادقين في تحرير العراق والعمل على تمدينه وترقية أوضاعه اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
والغريب في الأمر أن هذه المواقف التي تتسم بالنفاق والكدب وعدم الموضوعية والحياد لها أنصارها في بلادنا الذين يزداد عددهم يوما بعد يوم وكأنهم بغاث بإرضنا يستنصر ويتوالد بكثافة مستغلا الوضع المتردي والأحداث الجارية فيعزف على الوتر الأمريكي الصهيوني تقربا وتزلفا بصورة تزكم الأنوف ولا يتوارون خجلا ولا يعطون أنفسهم فرصة للإجابة عن السبب الكامن وراء هذا العنف المنبعث من هنا وهناك والذي هو في حقيقة الأمر رد فعل طبيعي ضد الظلم والقهر والاحتلال فماذا ينتظر من المطارد من أرضه وبلده والمنتهك عرضه وماله هل ينتظر منه أن يأخذ الأذن في الدفاع عن نفسه أو الانتقام لشرفه بأسلوب لا يخلو من مبالغة ورد فعل غير متوقع وهل يحاسب احد المشنوق عن اضطرابه وارتجافه.
وأين المؤسسات الدولية التي تجتمع وتتخذ القرارات الفورية فيما يخص شئوننا خصوصا إذا كان الأمر أمر إدانة وتجريم في حقنا كمتهمين على طول الخط فاجتمع مجلس الأمن واتخذ قرارات سريعة بإيعاز أمريكي ضد السودان في دارفور وهو أمر له ما بعده من فرض حصار وعقوبات على هذا البلد للتضييق والإذلال ولما لا أليس بلدا عربيا وإسلاميا كما اجتمع مجلس الأمن بإيعاز من أمريكا وفرنسا لاتخاذ قرار بشأن سحب القوات السورية من لبنان ولم يتحرك لمجلس الأمن ولم يرف له جفن للإبادة الجماعية ضد المسلمين في الشيشان وجروزني ولا للمجازر اليومية في فلسطين ولا لإدانة الوحشية الأمريكية في العراق وأفغانستان.
وقد أقام وكلاء واشنطن في إعلامنا صحفا وفضائيات بحرب دعائية منظمة ضد احد رموزنا الفكرية وأحد القامات الكبار في الفكر الإسلامي المعاصر فضية الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الذي أفتى بقتل الأمريكيين المتعاونيين مع قوات الاحتلال بالعراق وشنوا حملة إرهاب وتنديد بالرجل الذي كان يجب عليه منح الأمريكان فيتوا مجانا لإبادة العراقيين والعرب والمسلمين حتى يكون شيخا مستنيرا وعصريا ومتمدينا وليس إرهابيا متعصبا مثله مثل أسامة بن لادن وعمر عبد الرحمن يتخفى وراء قناع مزيف كما ذهب بعض ناقديه من حملة المباخر والمشاعل الأمريكية لتمديننا وتنويرنا.
ونسى هؤلاء وأولئك من أنصار المواقف الأيديولوجية المعلبة والمعدة سلفا أن الطغيان والظلم الأمريكي هو الذي يفجر الأوضاع في العراق فما يلاقيه العراقيون من قتل وتدمير وإذلال على يد قوات الاحتلال هي التي تدفعهم للخطف وارتكاب أعمال وحشية أحيانا خارج القانون والشريعة وهو نفس الموقف الذي يفعله رجال المقاومة في الشيشان ضد روسيا كقوات احتلال وقتل واغتصاب لبلادهم وهو نفس السيناريو المتكرر بصورة أبشع وأفظع في فلسطين التي يلاحق أبناؤها العزل بالطائرات والصواريخ في واحدة من جرائم العصر التي تعد دليلا حيا على نفاق المجتمع الدولي الذي يغضي الطرف عن المجازر الصهيونية اليومية بحجة حق دولة الكيان الدفاع عن نفسها ووصل الأمر بتهديد دول كما حدث أخيرا بتهديد سوريا بحجة ان العملية الأخيرة التي وقعت داخل الأراضي الإسرائيلية تم التخطيط لها خارجيا في سوريا ومن ثم يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها بضرب سوريا ولما لا أليست أمريكا هي صاحبة فكر الحرب الاستباقية وضرب الإرهاب بأرضه قبل أن يضربنا بأرضنا وهي نفس الحجة التي ترددها روسيا الآن بحقها باغتيال من تراه خطرا عليها في أي مكان من العالم وهو نفس الحجة التي ترددها عصابة تل أبيب برعاية وحماية أمريكية في ظل السيرك القومي الأمريكي المنصوب في سباق الانتخابات الأمريكية والذي يتبارى فيه المرشحان لمزايدة على إرضاء اللوبي الصهيوني ودولة الكيان وتشديد القبضة والموقف تجاه العرب والمسلمين الإرهابيين والمتخلفين سبب الشر والفساد في العالم.
أيها السادة الباحثون عن الآمان والاستقرار إذا أردتم إنصافا وعدلا فانظروا لما تفعلونه بأيديكم فلن تجنوا ثمارا يانعة وتهنئون بحياة الرفاهية والاستقرار وأنتم تقتلون وتدمرون وتحرقون فمن يزرع الشوك لن يجنى سوى الحنضل والمر العلقم.

كاتب مصري/ جامعة الإمارات
[email protected]