الاسلام هو الدين الذي تعتنقه الغالبية المطلقة في المجتمع، وقيمه ومبادئه هي المعيار الذي يحكم سلوك الأفراد والجماعات، ان تكرار القول بـأن «الإسلام هو الحل لجميع المشاكل والأزمات» لا يبدو متعارضا مع قناعة مجتمعاتنا الاسلامية، فهم يعتقدون فعلا بأن في الدين خلاصهم من الكثير من الشرور التي تنتشر بصورة ملفتة للنظر في المجتمعات الحديثة، لكن هذه القناعة التي تبدو منتهية تقف متحيرة إزاء بعض الموضوعات الجدلية مثل الموقف من الحداثة والديمقراطية، فالأولى ترتبط بالتطوير الثقافي والاجتماعي والثانية تتعلق بالحداثة السياسية.

على المستوى العام يمكن القول ان الأكثرية في المجتمع تناصر الخيار الديمقراطي دون تردد، ولا تجد أمامها سبيلا آخر للعمل السياسي واستقرار التعايش السلمي إلا عبر الالتزام بضوابط الديمقراطية، وتمنح التجربة التاريخية والاجتماعية الكويتية زخما كبيرا في تأييد التمسك بالخيار الديمقراطي، فقد عززت كافة الجماعات وجودها السياسي ضمن البوتقة الوطنية الواحدة عبر الديمقراطية، ولم يعد مقبولا أو ممكنا ان تستأثر جهة واحدة بالمكاسب والانجازات.

لكن هذا الموقف من الديمقراطية الذي يبدو ثابتا وراسخا، هو ليس كذلك بصورة حاسمة عند جميع التيارات الاسلامية، فتوافر هوية اسلامية في المجتمع لا يمكن النظر اليها كعامل توحيد عند النظر الى الديمقراطية أو المفاهيم الجدلية الحديثة، وإنما تتعدد النظرات بتعدد أشكال الاسلام وتعدد المرجعيات الدينية، والتي يمكن تقسيمها حسب الموقف الى اتجاهين:

الاتجاه الأول: جزء من التيار السلفي الذي لا يزال مشغولا بمعالجة فكرة «الولاء والبراء»، وفكرة « دار الحرب ودار السلام»، ويصر على تصنيف الآخرين حسب انتمائهم المذهبي ومدى نقاوتهم الدينية، ويعتني هذا الاتجاه بتثبيت المواقف ضد الآخرين، واشهار سيف التخطئة ضدهم، ويمكن ان يصنف جزء من الشيعة الى هذا الجانب نظرا لانغلاقهم، وعجزهم عن تغيير نظرتهم الى الآخرين، ويلاحظ عموما ان قوة تيار التعايش السلمي في البلد، والفرص السياسية المتكاثرة في المجتمع الكويتي، ساهمت في تدجين توجهات الجماعات المغلقة،والتي لم تجد أمامها من خيارات سوى اعادة النظر في بعض مسلماتها، ومحاولة التوصل الى مخارج تنتشلها من مخاطر «الفناء الداخلي»، وان تم ذلك بتوفير مبررات فكرية أو دينية للقولبة السياسية.

الاتجاه الثاني: هو تيار الإخوان المسلمين «الحركة الدستورية»، والحركة السلفية «السلفية العلمية»، وقطاع كبير من الشيعة، وهي جماعات تؤمن بالمشاركة السياسية، وتنظم نفسها على هذا الأساس، وترى ان الديمقراطية آلية عمل متفق عليها كمخرج مقبول لإدارة العملية السياسية، ولعل أكثر المواقف ملفتة للنظر هو موقف الحركة السلفية في الكويت واسهاماتها الفكرية والشرعية في الاقرار بسلامة التعددية الحزبية وركونها الى الديمقراطية كآلية عمل حديثة.

لا يزال ينظر الكثيرون بشك كبير لمدى جدية الاسلاميين في التزام الديمقراطية، ويعتقد العديد منهم بأن هذا الإيمان ليس أكثر من موقف تكتيكي يعقبه انقلاب تام على الديمقراطية في حال ما وصلوا الى الحكم، وهذا ما يؤكده الشيخ القرضاوي الذي يتساءل «كيف يستغل الاسلاميون الديمقراطية وهم غير مؤمنين بها حتى يصلوا الى الحكم فقط. وحينئذ يحكمون على غيرهم بالاعدام»؟

ان مجرد الاستفادة من الديمقراطية او القول بالتزامها لا يؤدي الى اقتناع الآخرين بصحة الدعوى، ولا سيما ان الكثير منهم لا يمارس الديمقراطية في داخل منظومته الحزبية، كما ان الكثير منهم لا يزال يؤمن بحقه التام بالحرية، لكن حق الآخرين في ممارسة الحرية والتعبير عن الرأي لا يزال محل خلاف واخذ ورد، ولا يزال هاجس الاسلاميين الاول الحديث عن الضوابط (ضوابط الرأي، ضوابط العمل السياسي، ضوابط المشاركة).

في الوقت ذاته لا تزال تعاني الادبيات الاسلامية السياسية في الكويت (كحال الكثير من المفاهيم الحديثة) من نقص التنظير لمفهوم الديمقراطية ومدى تناقضها او انسجامها مع الاسلام، ولا تزال الكثير من الزوايا معتمة وبعيدة عن ميدان الحوار والمناقشة على الرغم من اهميتها الكبيرة، ويتحمل المثقفون والمفكرون الاسلاميون القسط الاكبر في هذا المجال، فالاسئلة والاستفهامات والمعالجات التي يثيرونها هي التي تحفز رجال الدين وبقية القطاعات الثقافية لتقديم اجابات قريبة من الواقع، لقد ادت اثارات واطروحات فكرية للشيخ محسن كدبور، وعبد الكريم سروش، ومجتهد شبستري الى تحريك الساكن الفكري في الحياة الفكرية والسياسية الايرانية، وحفزت الجماعات المحافظة لتقديم اجابات وافية وواقعية بعيدة عن التجريد الفكري وهو ما ساهم في دفع رجال الدين لمواصلة دورهم في خدمة قضايا الناس والتحديات الحقيقية التي تواجه مستقبلهم.

الكثير من الاسئلة الحرجة هي الحل الامثل للدخول في ميدان التحدي، فالتحديات الحديثة لا تنتظر إذنا بالدخول، وعلى الرغم من التطور الديمقراطي الكبير الذي حل ببلادنا الا انها لا تزال تعيش تشوشا فكريا نظرا لطرح الديمقراطية كنقيض للاسلام، او كونها لا تتم الا عبر العلمنة وفصل الدين عن الدولة، فهل يمكن ان يساهم اسلاميو الكويت بمصالحة الديمقراطية مع الاسلام؟

[email protected]