يطالب بعض السويديين وزيرة الخارجية السويدية ليلى فريفالدس بالإستقالة من منصبها لأنّها لا تصلح أن تمثّل السويديين ولا تصلح أن تكون وزيرا لأمورهم الخارجية و السبب يعود إلى أنّ وزيرة خارجية السويدية توجهّت إلى المسرح عشية النكبة الكبيرة التي ألمّت بسكان جنوب شرق آسيا.
هذه النكبة التي أودت بحياة مئات السائحين السويديين الذين تعودوا أن يذهبوا إلى هذه المناطق الحارة فرارا من غيّاب الشمس في السويد الأمر الذي يتسببّ في كآبة للنفس، و قد إعتذرت وزيرة الخارجية السويدية لشعبها من خلال الوسائل الإعلامية و كفرّت عن ذنبها بأن ذهبت إلى تايلاندا لتواسي الجرحى والمنكوبين السويديين هناك.
على إمتداد حياتي المهنية كإعلامي كنت أدمن قراءة خطابات الرؤساء العرب و لم أسمع في حياتي أنّ رئيسا عربيّا إعتذر عن شيئ معين إقترفه في حقّ شعبه رغم حجم الكوارث السياسية والإقتصادية والأمنية والثقافية التي تسببّ فيها هذا الحاكم لشعبه وأمته.
وكلما ألقى هذا الحاكم خطابا يتحدث فيه عن إنجازاته و معجزاته ويسمعنا سيلا من التخريفات و الأكاذيب التي لا تحصى ولا تعّد، وللإشارة فقط فإنّ رئيسة حزب اليسار السويدي والتي كانت موعودة بمستقبل سياسي زاهر في السويد قدمّت إستقالتها لأنّها لم تقدم إقرارا ضريبيا سليما بل تلاعبت بالدخل الإقتصادي الذي كان يجب أن تعلنه لمصلحة الضرائب السويدية، وبعد إكتشاف المسألة قدمّت إستقالتها خجلا وحياءا من الشعب السويدي.
وبالمقابل ماذا يقول حكامنا الذين يرفضون أن يكشفوا عن حقيقة ممتلكاتهم و السيولة التي يملكونها في البنوك الوطنية والغربية، و الممتلكات الأخرى من عقارات وأسهم في بورصات وبنوك دولية وشركات متعددة لجنسيات وغير ذلك!
هذه التصرفات الطائشة وغيرها هي التي أوجدت الفجوة الكبيرة و التي تتسّع بإضطراد بين الحاكم والرعية، بين الرئيس والأمة، بين السلطة و المواطنين، وبدل أن تنشأ علاقة
تكامل بين الإثنين نشأت علاقة تضاد بل وتناقض في كل التفاصيل.
فإذا شرقّت الأمة غربّ الحاكم، و إذا توجهّت الأمة في صلاتها بإتجاه مكّة توجهّ هو إلى واشنطن، وإذا طالبت الأمة بالعدل أبرز لها الحاكم سيف الطاغية الحجّاج بن يوسف الثقفي، وبات لا يجمع بين الحاكم والمحكوم أي علاقة، فهو غريب عن الأمة والأمة غريبة عنه.
والحاكم يوهم هذه الأمة أنّه وصل إلى سدّة صنع القرار بإرادتها فيدعو إلى إنتخابات يكون هو وحده لا غير المرشّح والفائز، ويعلن بعد ذلك أنّ الأمة هي التي عينته وبالتالي فهو صاحب الشرعية، وعندما يستكمل عهدته الدستورية – طبعا الدستور الذي صاغه على مقاسه – يجدد الدستور ليتيح لنفسه ترشيح نفسه للمرة السادسة والسابعة، ولو تمكنّ من مراوغة عزرائيل قابض الأرواح كما راوغ الأمة لفعل، لكن إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
و لم تسأل شعوبنا العربية مطلقا عن رأيها الصريح في حاكمها، و لا ساهمت في تعينينه، بل لا تعرف كيف وصل هذا الشخص الذي تراه على مدى أربع وعشرين ساعة في الشاشة الفضيّة إلى سدّة صناعة القرار، فالأمر كلهّ سريّ وملغوم، ولا شفافية مطلقا، بل إنّ الأمة لا تعرف شيئا عن كيفية إدارة شؤون الدولة، وهنا أذكّر أنّ معظم الشعب الجزائري لم يكن يعرف أين يقيم أحمد بن بلة بعد الإطاحة به من قبل هواري بومدين، و لا أحد كان يجرؤ ويسأل عن مكان وجوده، لأنّ ذلك كان كفيلا بإرسال السائل إلى الصحراء الجزائرية حيث العقارب والحيّات.
ولأنّ الحاكم يعتبر الأمة مجرد رهط من الماعز والغنم و الضأن و النطيحة والمترديّة وما أكل السبع، فهو يترفّع عن إشراكها في صناعة القرار السياسي، أو مساءلتها عمن يحقّ له أن يحكم بحجة أنّ الأمة غير ناضجة ديموقراطيا وسياسيا.
ولأنّها كذلك فيحقّ له تعيين إبنه رئيسا على رؤوس الأشهاد بعد أن يتمكّن عزرائيل من قبض روحه، وهو قبل ذلك يأمر الأجهزة التي تفعلّ قوته ونفوذه وهي الأجهزة الأمنية والإستخباراتية ووزارة الدفاع وهيئات الأركان والمؤسسات القضائية والتنفيذية والتشريعية التي يعتبر هذا الحاكم قطب رحاها و عمودها الفقري، فيرمي عليها عصاه الساحرة ويصدر أمره بضرورة تهيئة الأرضية لإبنه، وعندها تبدأ الآليّات تتحرّك في كل الإتجاهات، فالإعلام الرسمي يقدم إبن الزعيم على أنّه صاحب رؤى و تطلعات ونضج سياسي و عبقرية فذة وهو نعم الخلف لنعم السلف.
و هنا تتحرك الأجهزة الأمنية التي دافعت عن الحاكم أكثر من دفاعها عن الوطن - للإشارة فإنّ المواطن العربي له أن يسبّ ويلعن وطنه وبلاده صباحا مساءا، لكنّ إذا ذكر ظفر الحاكم بسوء فماءله السجون والمعتقلات – و تحرّك الأحزاب الموالية و النقابات الموالية والمؤسسات الثقافية الموالية و قوى المجتمع المدني، وعلى هذه أن تردّ الدين لأنّها قبضت حتى الثمالة من أقوات الناس الذي صادرته السلطة ووزعته على أتباعها، وبهذا الشكل يتهيّأ المسرح لإبن الزعيم الذي سيصبح ضرورة كأبيه، وبطلا كأبيه، و يصنع له تاريخ وطني وسياسي عريق.
وهنا لا بدّ من التأكيد على أنّ أبناء الرؤساء في كل دول العالم في الغرب كما في أجزاء من العالم الثالث لا يتعاطون السياسة لا من قريب ولا من بعيد، و هم أبعد ما يكونون عن آبائهم، أما في الوطن العربي فإنّ كل رئيس عربي يعّد العدة لكل أبنائه ويدخلهم إلى نادي الحكم منذ نعومة أظفارهم، والعجيب أنّ هذا الحاكم يملك إحتياطا فإذا لم ينفع الأوّل سيقدّم الثاني، وهناك فريق كرة كامل قوامه أبناء الرئيس وهذا الفريق مستعّد للعب على رؤوس الأشهاد لعقود أخرى مقبلة.
إنّ توريث الحكم مصادرة كبيرة لحقّ الأمة في إختيار من يحكمها، و مصادرة لحقها الشرعي والقانوني و الدستوري، و مصادره هذا الحقّ هو مصادرة للحرية الفرديّة والجماعية، بل هو إستعباد للأمة وإخراجها بالمطلق من دائرة الكينونة إلى دائرة العدمية والعبثيّة...
إنّ توريث الحكم في أي قطر عربي معناه حرمان الأمة من الخلاص و من إختيار القادر على إدارة شؤونها، وهو بالمحصلة إنتهاك صارخ لحق الأمة في أن تجددّ حكامها على الأقل، و أن تجدد أسماء حكامها التي علقت بآذان الجيل الماضي والجيل الراهن والجيل المقبل!!
مما يزهدني في أرض أندلس... ألقاب معتضد فيها و معتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها...كالهرّ يحكي إنتفاخا صولة الأسد

بقلم / يحي أبوزكريا.