تصاغ القوانين في الدول الديمقراطية، بشكل يحقق المساواة في التعامل، اي ان لكل عمل اجرامي عقوبة خاصة به، ولكل حالة استناءات معروفة، مثال عدد مرات تكرار العمل الاجرامي، فالذي يكرر جريمته، او قام بجرائتم مختلفة مرات عدة، لا تكون عقوبته، مثل الذي يقترف الجريمة لاول مرة في حياته.

تطورت القوانين بشكل تدريجي، فالكثير من العقوبات التي كانت سابقا عادية، اصبحت اليوم مستهجنة، ومثال عقوبة الاعدام، حيث ان العديد من الدول الغتها من قانونها باعتبارها عقوبة غير انسانية، وان العقوبة تسلب من الانسان الحياة التي منحها له الله، كما ان العقوبة تعني عدم القدرة على التراجع في حالة اكتشاف خطاء ما، فالحكم تصدره محاكم تخطع لاجتهاد انساني، وقد تظهر ادلة تكون في صالح المتهم.

تبع القانون في تطوره، تطور ثقافة المجتمع وعاداته وانفتاحه، فالقانون في هذه الحالة هو صورة لحالة المجتمع الثقافية وحتى المادية، فالمجتمعات الغنية (اي المجتمعات المرفهة، والتي لا توجد بين طبقاتها مسافات شاسعة) تميل الى التقليل من العنف المستعمل في الحياة اليومية وحتى من قبل الدولة تجاه المعتدين على حقوق المجتمع او افراده.

التطور الثقافي افرز التيارات الليبرالية و اليسارية والانسانوية وانصار البيئة، ان هذه الاطراف لعبت وكل بمرحلة معينة في تشذيب القوانين وتخليصها من اغلب ممارسات العنف، فتم منع التعذيب، وفرض احترام ادمية الانسان، وتم تحسين بيئة المخالف للقانون باعتبار السجون مراكز للاصلاح اكثر منها للانتقام.

في هذه المجتمعات برز ايضا فرد معتز بحريته، فالحرية يعتبرها الانسان المتربي في هذه المجتمعات هبة من الله، او هبة ترافقه طول حياته، ليس لاي انسان حق سلبه اياها، وان اي امر يؤثر على حرية الفرد، يعتبر اعتداء شنيعا يوجب الادانة، ولان ثقافة المجتمع، لها اسس لا تقبل النقاش، اي تكاد تعتبر من البديهيات، مثل تمتع الفرد بكل حرياته الفردية، ما لا يتعارض مع حرية الاخرين، فنرى المجتمع برمته يدين من يحاول كبل حرية الفرد، من اي جهة كان.

نرى مما اوردته اعلاه، ان القانون مرتبط اشد الارتباط بثقافة المجتمع، ولان حالة المجتمعات التي وصفناها، تعتبر حالة راقية، فيها تطبيق شديد لحقوق الانسان، فتعتبر هذه المجتمعات قدوة لما يرمى الوصول اليه، لان الطبيعة الانسانية السوية ترنو الى الافظل، فكان من المؤمل ان تحاول المجتمعات في العالم الثالث تطعيم قوانينها بما وصلت اليه هذه الدول، وصولا الى تطبيقها لاحقا.

لا خلاف على ان البشر متساوون في القيمة الانسانية، لا خلاف على ان حق الحياة مقدس، ولكن يا ترى هل للجميع؟ بمعنى هل حق الحياة مقدس لمن يستهين بالحياة الانسانية؟ لمن يخطط ويعمل على قتل اكبر عدد من اناس لا ذنب لهم، غير انهم ولدوا على غير دين او لسان او لون.

هل للقانون درجات، ما حكم القانون في الذي لا يرى عقوبة السجن، عقوبة، بل يراها فترة نقاهة وترفا، نوم واكل ومنام وثير، لا بل حماما ساخنا، ما حكم القانون في من يرى ان قتله او اعدامه او مصرعه اثناء عملية انتحارية او حرب، تعني انتقاله الى الجنة وتمتعه بكل ما حرم منه على الارض او في هذه الحياة؟

يقول لينين ان الرأسمالية تبيعك السلاح الذي تقتلها به، هل هذا القول ينطبق على الحالة التي نحاول طرحها؟ اعتقد، يمكننا طرح القول بشكل اخر، هل الرأسمالية ونتاجها المجتمع الليبرالي الديمقراطي، تمنح لاعداءها الوسائل التي بواسطتها يمكنهم من هدمها او الانتصار عليها؟ انه سؤال مركزي في المعمة التي يعيشها العالم الان، والتي لا اعتقد انني بقادر على حلها، ولكن احاول طرح ما يجول بخاطري فقط.

فليس بخاف على الكثيرين ان اغلب اعداء المجتمعات الاوربية والامريكية والتي تأخذ بالقيم الليبرالية والتسامح والعدالة وانسانية القوانين، يعيشون في نفس البلدان، مستغلين ما تتيحه لهم من وسائل الاتصال والامان من الخوف والجوع.

ولكن للديمقراطية انياب، وينطبق عليها القول (يمهل ولا يهمل) فالديمقراطية ورغم الضعف الذي يبدو عليها، من خلال القوانين التي سنتها، الا ان الديمقراطية تنتفض، دفاعا عن القيم التي سمحت للمجتمعات الديمقراطية بالتطور، والوصل الى هذه المرحلة المتقدمة في المسار الانساني، وهذه الاتنفاضة رغم انها لدى البعض عودة الوعي المغيب، بالمخاطر الحقيقية التي تطال المجتمعات الديمقراطية، الا انها مسار عادي مارسته هذه المجتمعات، ابان الازمة الاقتصادية الكبرى ما بعد عام 1929 واثناء الحرب ضد النازية والفاشية، كما ان هذه المجتمعات تمكنت من هضم حركة الحريات التي تلت احداث 1968، وقصمت ظهر الحركات الارهابية الداخلية كحركة بادر ماينهوف والالوية الحمراء الايطالية والمنظمات اليابانية، برغم من ان الحركات الارهابية المشار اليها اعلاه، اتصفت بصفات مختلفة عما تتصف به الحركات الارهابية الاسلامية، فهي كانت وطنية، اي اعضائها من مواطني البلد، لا بل ينتمون الى نفس النوع الحضاري ان جاز التعبير، ثانية ان هذه الحركات حاولت قدر الامكان التقليل من الضحايا بين المدنيين الابرياء، فالكثير من هذه المنظمات كانت تكن عداء ايدولوجي لاشخاص معدودين، مثل كبار ضباط جيش حلف ناتو او كبار مدراء البنوك. وهذا بخلاف المنظمات الاسلامية، انها تضرب لكي تقتل اكبر عدد مكن ممن تعتبرهم اعداءها، دون النظر الى نوعية القتلى، اكانوا اطفالا ام جنودا، المهم القتل او التبعية لمخططاتهم، وهم في هذه الحالة يتوجهون الى ازالة نوع من الحضارة يحملونها مسؤولية وضعهم المزري.

الكثير من اليساريين ممن لهم دور في البيروقاطية الاوربية، يحاول ايجاد تبرير لممارسات غير قانونية، معتبرين ان القادمين من دول العالم الثالث يجب النظر اليهم كقاصرين، او اطفال غير مؤهلين للمحاسبة على ممارساتهم، بحكم كونهم يعيشون في ظل انظمة دكتاتورية وفقيرة، هذه التبريرات اوجدت فئات اعتنقت فكرة هشاشة النظم الليبرالية، والقدرة على هزيمتها والحاقها بالقيم التي يعتقدونها منقذة للبشرية، ولذا باعتقادنا يجب النظر الى من يحاول فرض ارائه بغير الوسائل القانونية (التبشير، النشر، الاقناع، التحاور) يجب ان يعامل معاملة يشعر معها حقا انه ليس حرا في ممارساته، وان له حدودا يجب ان لايتخطاها، ومن هذه الممارسات تكفير الاخرين، او الافتاء بالقتل على اي اساس كانت، ان انتفاضة الديمقراطية يجب ان تكون متكاملة، وعلى مختلف الاصعدة، ان اليد التي تقتل بالسكين او بالقنبلة، لها سند ودعم من فقهاء التكفير، ان الانظمة الديمقراطية تمنح لكل انسان المجال التام لكي يقول رأيه، ولكن على هذا الانسان ان يدرك انه لا يمكنه استعمال القوة فالقوة محتكرة للدولة فقط، ومن هنا ترغب القول ان من لا يريد الديمقراطية والتعددية والكرامة الانسانية ليس له مكان في المجتمعات التي تتبني هذه القيم.

تيري بطرس