قال منسق الأمم المتحدة للإغاثة ان إجمالي المساعدات المالية والعينية التي تعهدت بتقديمها مجموعة من الدول الامريكية والأوربية والآسيوية بلغ ملياري دولار لغاية الاسبوع الاول من شهر كانون الثاني الجاري، وجاءت اليابان على رأس هذه المجموعة التي تعهدت بتقديم 500 مليون دولار أمريكي كمساعدات إنسانية لإغاثة ضحايا زلزال أسيا، ثم جاءت الولايات المتحدة الأمريكية بعد اليابان حيث خصصت 350 مليون دولار لإغاثة سكان الدول المنكوبة بالكارثة التاريخية التي لم تسجل مثيل لها منذ قرن كامل. وورد في تقرير لبي بي سي ان إجمالي التبرعات الحكومية الرسمية العربية وصلت الى أكثر من 90 مليون دولار حتى نهاية الاسبوع الاول من الشهر الجاري.

أمام هذه الصورة القاتمة لتبرعات الحكومات العربية والإسلامية والضئيلة الحجم جدا أمام التبرعات السخية للحكومات غير الإسلامية، والتي ينظر اليها بعض المحسوبين على الاسلام على إنها دول كفر وضلال، ما الذي يمكن ان يشعر به كل مسلم أو حاكم عربي أو إسلامي وهو يرفع من الشعارات الإنسانية ما يمكن ان يلصق بها كل جدران الأرض، بينما كارثة طبيعية حقيقية كبيرة ومرعبة بخسارتها البشرية والمادية، لم تفلح لحد الان في حركة النفوس العربية والإسلامية الثرية والحاكمة وإزاحتها نحو الشعور الإنساني للمشاركة في إغاثة ضحايا كارثة تسونامي التي ضربت دولا وأجزاءا من جنوب أسيا ومنها مناطق إسلامية فقيرة في سريلانكا والهند واندونيسيا.

أيعقل هذا الاستخفاف العربي والإسلامي للأثرياء والحكام بهول هذه الكارثة البشرية؟ أيعقل هذا الشعور اللا أبالي بهذه النكسة التاريخية المروعة؟ أيعقل هذا الجمود والسكوت على هذه المذبحة الكارثية الطبيعية التي هلكت أكثر من 150 الف إنسان قربانا لها؟!

أمام هذه الحالة الجمودية لقلوب هؤلاء النفوس أمام هول هذه المأساة الإنسانية الرهيبة التي وصلت حدود بعض الدول الإسلامية والعربية، لم أجد المسالة غريبة عنهم لأنها ذكرتني بمأساة شعبي وقومي في زمن وقف كل شيء فيها جامدا، صامتا، ساكتا، لا روح فيها ولا حياة. مأساة سحقت فيها نفوس بشرية بلا هوادة، بلا ذرة من الرحمة والإنسانية، مأساة ذهبت فيها أرواح خمسة ألاف إنسان في بضع ساعات باستخدام أسلحة كيمياوية جربت لأول مرة في التاريخ للإبادة البشرية الجماعية.. أجل أنها مأساة حلبجة التي يشار اليها بالبنيان أنها أول مذبحة كارثية لإزهاق أرواح إنسانية بصورة جماعية باستخدام أسلحة إبادة شاملة. أجل يومها سجلت نفس لحظات الجمود لحكام الدول العربية والإسلامية وأثريائها وأغنيائها التي تسجل اليوم أمام كارثة تسانومي... يا لهول الكارثة، والمشكلة ان كارثة حلبجة صنعها أياد بشرية، ولكن كارثة زلزال أسيا هي من صنع الطبيعة، وهذا الزلزال والمد البحري الناتج عنه اثبت ان كل مناطق الأرض (لا سامح الله) معرضة الى أفعال كارثية من صنع الطبيعة نتيجة لتفاعلات وحركات باطنية في جوف الأرض.

أمام هذه الحقيقة المؤلمة، والتي نحن (أكراد اقليم كردستان) نشعر بها أكثر من غيرنا لكثرة المأساة التي مررنا بها وتعرضنا لها نتيجة السياسة القمعية لنظام حكم صدام السابق، أقول ان هذه الصورة المؤسفة لأصحاب الحكم والمال في حياة العرب والمسلمين، واللوحة التي يقابلها المليئة بصور إنسانية من الغرب تجاه الكوارث والأحداث المأساوية الكبيرة، يفتح الطريق أمامنا لنتساءل بكل أسف هل يعقل أن يكون الغرب أكثر إنسانية من المسلمين؟! سؤال من حقنا أن نطرحه لنلقى الإجابة عليها بصدور رحبة دون تمييز وبلا إكراه.

ولكي نأتي بإجابات منطقية معبرة عن نطق اللسان وحكمة العقل ورقة القلب، سأسرد تعليقات بعض الإخوة المشاركين من العرب والمسلمين كآراء عبرت عنها بشفافية في حلقة من شارك برأيك للقسم العربي لهيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي على موقعها الالكتروني للتعبير عن شعورهم الإنساني تجاه الكارثة وتجاه الصمت العربي والإسلامي حيال المأساة.

يقول احد المشاركين باسم جلال من الكويت " للأسف، الزلزال المدمر في شرق أسيا لم يؤثر كثيرا على مواطني الدول الإسلامية وكأن الأمر لا يعنيهم، على العكس في الغرب، تفاعل شعوبهم مع الزلزال كان ايجابيا. مثال على ذلك تبرع احد مشاهير لاعبي التنس بمبلغ 10 ملايين دولار، فهل الغرب أكثر إنسانية منا نحن المسلمون؟ ". ويقول أخ بأسم فتحي من العراق "أنا متأسف لما حدث لهؤلاء الفقراء، أسأل الله أن يعينهم في مصيبتهم، ولكن لم أر مساعدات من قبل الدول الخليجية؟ ". وتقول مريم علي من الكويت "هذه الكوارث تبين معادن الناس، الكل ساهم وشارك في جمع التبرعات وكثير من الدول أرسلت معونات مادية ومواد غذائية وطبية ومن بين هذه الدول دول الخليج التي مهما عملت فأنها سوف تكون مثارا للجدل من قبل الكثير من الناس، ومع الأسف العرب منهم، ماذا تريدون أكثر؟ قبل أن تتذمروا من قلة المساعدات الخليجية أتمنى أن تروا حجم المساعدات التي تقدمها هذه الدول للعالم بصفة عامة وللدول العربية بصفة خاصة".

ويقول وليد من الرياض " للأسف، لم نشاهد أو نسمع عن تبرعات من أغنياء المسلمين والعرب خاصة، مايكل شومخر تبرع ب 10 مليون دولا بينما غيره لم يتبرع بدولار واحد! ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". ويتساءل محسن من مصر "يا ناس لماذا نربط قضايانا دائما بالدين أو بالعرق؟ الإنسان هو الإنسان والعالم واحد، إذا حدث لهم مكروه فهل هم لا يستحقوا المساعدة؟" ويقول غريب شعبان من مصر "تخاذل بعض المسلمين عن تقديم العون والغوث والمال لإخوانهم شيء سوف يحاسبهم الله عليه، وذلك لأن اغلب من في الكارثة مسلمون".

ويقول محمد من الإمارات وهو يتساءل عن المواقف الشخصية للمسلمين قائلا " قبل أن نحكم على الحكومات العربية والإسلامية بهذه الأوصاف، لم لا نسأل كل مسلم هل تصدقت أو تبرعت؟ إذا كانت الحكومات مقصرة أو لم تكن عند المستوى المطلوب، يجب أن تكون لنا العزيمة على فعل شيء، لا أن نتباكى ونتهم الحكومات!" ويعبر مهند من السويد عن رأيه بهذا الامر فيقول "ما تمتع غني إلا بما جاع به فقير، الزلازل والكوارث لا تصيب الأغنياء. لو كانت خيرات الأرض موزعة على مستحقيها لما احتاج هؤلاء المساكين لتعاطف أهل الخير والتبرع لهم. المال في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة!". وتتساءل دينا من استراليا " أريد أن أرد فقط على الذين يدعون أن الدول الغربية وما قدمته ولا زالت تقدمه من مساعدات لضحايا الزلزال ليس لوجه الله بل لأغراض أخرى. أريد أن أسالكم: هل الأموال العربية والإسلامية التي تدعم الإرهاب والقتل هي لوجه الله؟" ويقول تامر من مصر "معدن الإنسان يظهر وقت الشدائد! وكذلك الشعوب. إن هذا الزلزال حدث في آسيا ولكنه زلزل الدول الإسلامية كلها لتدرك الشعوب الإسلامية أن الغرب ليس إبليس اللعين ذا الأنياب! وأن بعض الدول الإسلامية ليست هي الحمل الوديع المقهور". ويقول عثمان إسماعيل من القاهرة " كان من المتوقع أن تحدث في الدول العربية والاسلامية حالة استنفار حكومي وشعبي لإنقاد شعب مسلم تعرض لكارثة بهذا الحجم. ولكن هذه التوقعات العفوية اصطدمت بواقعنا الذي يتجسد في اللامبالاة وعدم الاكتراث الرسمي والشعبي على حد سواء". ويعبر باسم من مصر الجديدة عن رأيه بهذا الخصوص قائلا "من العجب أن الدول التي نقول إنها لا تدين بالإسلام هي التي تساعد المسلمين بالكثير والكثير من المال والعمل بسرعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فاليابان مثلا تبرعت ب 500 مليون وأمريكا بـ 350 مليون، وقد وعدت بزيادة وجميع الدول العربية مجتمعة تبرعت بـ 90 مليون؟ يا للعجب! نتغنى بحلو الكلام عن الإسلام، وها هم أولاء المسلمون يحتاجون إلى المساعدة، فإذا بغير المسلمين هم الذين يقدمون المساعدة! فنحن فقط دول شعارات لا أفعال أما في الغرب فالعمل وليس الكلام وحملات التبرعات هي التي تثبت ذلك".

ويقول إيهاب عبدالفتاح من خرطوم السودان " قد تكون الدول الإسلامية والعربية قدمت بعض المساعدات، ولكن ليس بالحجم ولا الهالة الإعلامية التي أثارها الاتحاد الأوروبي ولا بريطانيا حول ما يقدمونه وسيقدمونه من مساعدات، ونلاحظ أن الأرقام المالية التي تبرعت بها بريطانيا أو الاتحاد الأوروبي كانت ضخمة مما دعا الإعلام إلى الشك في ما إذا كانت ستدفع بالفعل أو لا. ليت المسلمين يشاركون ولو معنويا". ويعبر هيثم عن رأيه بنكهة معبرة فيقول "نحن في عالمنا العربي مهتمون بمناقشة كون الكارثة عقابا من الله أو غضبا من الطبيعة لدرجة أننا لا نجد وقتا لفعل أي شيء آخر". ويقول أنس محمد من اليمن "أرى أن الكارثة كانت قدرا من الله، ولكن أين الدور الذي بذلته الدول العربية والإسلامية لإخواننا هناك؟ أين الدول النفطية؟ ". ويقول علي من أمستردام هولندا "الآن بدأ العالم يأخذ شكلا آخر في ظل الكارثة الحالية: فمساعدات الدول الأوروبية وأمريكا واليابان ووقوفها لمدة ثلاث دقائق وتنكيسها الأعلام حزنا على ضحايا الكارثة، أعطى شعورا بالإنسانية الحقيقية، فأين الدول العربية من ذلك؟". ويقول بيوار من العراق " ماذا تتوقعون من بعض العرب غير نشر أرقام مساعدات الدول الغربية ونقدها والقول بأنها تدفع هذه المساعدات لأغراض سياسية!". وتقول سعاد من النجف بالعراق " ما يؤلمنا أن نرى إسرائيل تعطي مساعدات إلى الدول المنكوبة، وتقف الدول العربية مكتوفة الأيادي".

ويقول أحمد راشد من السعودية " الدول العربية لم تقدم ما ينبغي عليها تجاه الإنسانية في هذه الكارثة، حتى إنني كنت أتمنى أن أكون ممن يحملون الجنسية اليابانية أو أي جنسية أخرى لكي أتمكن من مساعدة الضحايا والمتضررين". وتقول فاطة الانصاري من المدينة بالسعودية " يتسابق الأغنياء في العالم إلى استغلال الناس، وتتسابق الدول في التسلح ويصرفون فيه قوت شعوبهم، ويتسابق المثقفون في تعليق شمعة فشلهم في تعليم شعوبهم على الآخرين. ويبقى فقراء العالم خلف ستار النسيان يموتون من الجوع والأمراض إلى أن تقع كارثة تذكر العالم بهم. أين كنتم قبل الزلزال؟ أين كنتم من ملايين الفقراء العالم؟ نحن نريد من يساعدنا حقا ويساعد المنكوبين دون أن يعلق رايته فوق الضحايا ليقول للعالم أنا رحيم".

ويقول سليم من هولندا "أعيش في بلد أوروبي صغير جمع مواطنوه تبرعات لحد الآن تصل إلى أكثر من 30 مليون يورو (عدا الحكومة)، وهكذا فإن الغرب المرتمي في أحضان الإمبريالية الأمريكية والخاضع للدوائر الصهيونية والموساد الإسرائيلي يحاول أن يقدم وسائل الحياة والإنقاذ والإغاثة والتعمير للمنكوبين ومن ضمنهم مسلمو اندونيسيا. أما نحن - أقصد بعض العرب والمسلمين - فإن تلك الخدمات لا تدخل ضمن اختصاصنا بل نستطيع أن نزودهم بخدمات أخرى، إرهابيين، انتحاريين، قاطعي رؤوس، عبوات ناسفة، سيارات مفخخة وتمويل شبكات الإرهاب!".

ويعبر رامي يوسف من فرنسا عن تمنيه حيال هذه الكارثة والاستجابة الغربية لها قائلا " أتمنى أن يرى إخوتنا في الدول العربية ما أراه هنا في فرنسا. الكل يتبرع: الأجهزة الإعلامية، الحكومة، الطلبة في المدارس، في دور العبادة، حتى في السجون يجمعون التبرعات. لقد عرفت الآن معنى التضامن الحقيقي وشعرت بالمسؤولية تجاه هذه الكارثة. ليتنا نعلم أولادنا العطاء".

هذا سيل قليل من أراء حقيقية أدلى بها عرب ومسلمون من بقاع مختلفة من العالم خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي في مجملها تعبر عن شعور محبط تجاه المشاركة العربية والإسلامية خاصة أصحاب الحكم والمال حيال حادثة الزلزال التي استفاقت منها البشرية في لحظات عابرة وقد وجدت نفسها أنها أصيبت بكارثة تندر لها نظير على مر قرون طوال.

ومن الباب المنطق يبقى سؤالنا، هل الغرب أكثر إنسانية منا؟، مفتوحا على مصراعيه لعل احد يجيب عليه بمنطق سليم خارج من حكمة إنسانية تزيد من تآزر الانسان لأخيه، وتزيد من مشاركة كل منا للأخر من منطلق شعور مبطن للقلوب مليء بالإنسانية. وفي الختام وبرغم المرارة التي نشعر بها عن مأساة حلبجة فان الشعور الإنساني تجاه هذه الكارثة المأساوية يدفعني الى ان أقول لكل عربي ولكل مسلم يقرأ مقالي هذا يا أخنا في الدين إن سكتم على حلبجة، فلا تسكتوا على تسانومي!.

* كاتب عراقي كردي