كانت هناك قرية ليس لها اسم و توجد في كل زمان ومكان.. يتمتع فيها مترفيها بكل شيء... ولا يجد بؤسائها أو ضعافها الا الفتات مما تبقي من مائدة السادة..

العدل فيها هو العدل بين السادة.. والمنافسة بينهم كانت من يملك أكثر.. يقسمون بينهم المناصب في القرية.. فهذا العمدة وذاك شيخ البلد.. وهذا مسئولا عن مسجد القرية وما يأتيه من نذور وصدقات..

بينما الغلابة ما عليهم الا العمل ليأخذ السادة نتيجة كدهم وعرقهم.. يقيمون به الولائم وينزوجون النساء
..ويورثون أولادهم و أحفادهم الارض وما عليها..

في هذه القرية ظهر شخص ليس مهما اسمه لأنه يتكرر في كل قرية من هذا النوع.. وفي كل زمان ومكان

يحمل في قلبه الحب لأخيه الانسان.. وكره كل ما هو ظلم.. أحب الانسان الضعيف فأحبه هذا الضعيف..

انتصر للعدل فعاداه الظلم..

وتحمل في سبيل ذلك الكثير.. ولكنه لم يياس ولم يضعف.. فزاد اتباعه ومناصريه من الضعفاء ومن يعتبرهم السادة من الدهماء..

وفي ليلة لم يكن يتوقعها السادة وجدوا أن السيد في القرية هو ذلك الانسان الضعيف المؤمن بالعدل والكاره للظلم..

فلم يجدوا أمامهم سبيلا الا الاعتراف يه زعيما وقائدا.. وجدوه قويا بمن كانوا عبيدهم.. وجدوه قويا لأيمانه بالعدل..

فاقترح عليهم كبيرهم لما يتمتع به من دهاء والذي هو دائما موجود في هذه القرية التي توجد في كل مكان وزمان.. فلنستسلم الي حين.. ولنتمسك بما نستطيع.. فأن دوام الحال من المحال.. والنفس أمارة بالسوء..

اعلن استسلامه للقائد.. وطلب الامن والامان لمن معه.. ولأن قائدنا هو رجل عدل وليس ظلم.. تسامح وليس انتقام..أعطاه الامان ومن معه.. ليتفرغ هو لتكريس العدل في قريته.. والتأليف بين القلوب..

انتشر العدل في القرية ,, وتساوي من كان عبدا ومن كان سيدا بين أهلها.. ولكن هيهات أن ينسي السادة ما حل بهم.. تغلغلوا في صفوف النظام الجيد في القرية مظهرين الولاء ومبطنين العداء..

انطلق الزعيم فيما اعتبره رسالته في الحياة.. فتحولت القرية الي مدينة.. وانضمت لها القري المحيطة.. والكل اقسم ولاء الطاعة للزعيم العادل

.. احب الغلابة من الناس فأحبه هؤلاء.. انطلق يبني ويقيم العدل ولكنه في خضم عمله ولطبيعته المتسامحة الخيرة.. نسي من كانوا أعداء الامس.. وهم كعادة السادة في كل زمان ومكان.. عرفوا كيف يتلونون.. ويرفعون من بينهم من يحبه الزعيم..

نسي الزعيم في خضم عمله ونتيجة حب من حوله.. أن يضع قواعدا صارمة لمن يأتي من بعده.. حتي تذكر ذلك وهو علي فراش المرض الاخير نتيجة الارهاق الذي اصابه وهو يحاول التأليف بين القلوب القاسية.. ولكن هيهات لقد سبقه اليوم المحتوم..الذي لا مفر منه..

وجاء من بعده تتصارع في داخله مشاعر الحب والولاء للزعيم.. والرغبة في أن يكون هو الزعيم ولا تنافسه حتي ذكراه

.. أجاد في عمله لبعض الوقت واسترد بعض ما ضاع أثناء فترة مرض ووفاة الزعيم..

ولكنه كان دائما يحب ان يكون هو الزعيم ويغار من سيرة الزعيم الحقيقي وحكايات غلابة القرية عنه وحبهم له..

واستغل
السادة هذا الضعف في نائب الزعيم وكل من أتوا بعده
ورسموا خطتهم
بدهاء... حتي عادوا مرة أحري الي الواجهة.. يتحكمون في كل شيء.. في الارض ومن عليها.. ويكنزون الثروات ويقلبون الدهماء ويحشرون في
عقولهم
قصصا عن الزعيم الخالد يخلطون فيها الحقيقة بالخيال..

حتي ثارت الدهماء تطلب العدل وبدلا من أن يعرفوا عدوهم الحقيقي.. قتلوا القائد الذي لم يكن بيده شيء.. لأنه كان محاطا بأعداء الامس ومنقادا لهم.. الاعداء الذين شارك في الثورة عليهم.. ولكن ضعفه الانساني جعله ضحيتهم..

وعاد كل شيء الي ماكان.. يملك السادة ويعمل الغلابة.. وبعيشون علي ذكري الزعيم
وحكاياته..ما هي حقيقية وما وضع في ثناياها داهية السادة من أكاذيب ليتسني لهم الحفاظ علي مكاسبهم التي فقدوها في يوم من الايام علي عهد الزعيم... ولكنهم لا يستطيعون الاقتراب ممن سرقوا منهم المستقبل والامل.. خوفا ورهبة ورغبة.. عاد كل شيء الي ماكان ,,

انها قصة قرية تتكرر في كل زمان و مكان... وستتكرر في كل مكان وزمان.. ألا اذا أفاق اهل القرية من غفوتهم.. ووضعوا قواعدا لا يستطيع أن يصل فيها اي زعيم مهما قال لهم ومهما حكي من حكايات ألا اذا اختاروه هم.. ووضعوه موضع الاختبار.. فأن أجاد بقي الي حين.. و,ان أخفق فهناك غيره اكثر من زعيم..

انها قصة قرية تتكرر في كل زمان ومكان..

د. عمرو اسماعيل

[email protected]