هل يمتلك الناخب العراقي الشجاعة الكافية للادلاء برايه بصراحة دون خوف من انتقام الخصم، وهل سينجح هذا الناخب في منع جهة ما من اجباره على انتخاب مؤيديها. ام ان الامر سيكون محبطا للامل بحيث نرى ان التصويت العلني سيغدوا امرا صعبا الى درجة أن الناخبين سيمتنعون عن الادلاء باصواتهم تجنباً لما قد يحدث من مشاكل بسبب الادلاء بآرائهم بصورة علنية.
ثمة من يرى ان الحكومة تسعى خلف الكواليس لمساندة مرشحيها في الانتخاب، وان هناك مخاوف من استخدام طرق تقنية حديثة لبرمجة تزوير جزئي للانتخابات بقية فرض معادلة معدة مسبقا للعملية الانتخابية، يساعد على ذلك الوعي الشعبي الانتخابي الضعيف في العراق.
ويلاحظ عراقيون ان هناك مرشحين يمكن تسميتهم بالاثرياء معدون مسبقا بغية كسب مزايا يحرم منها مرشحون فقراء سياسيا وانتخابيا بغية تحقيق معادلة الخطوط الحمراء التي وضعها خبراء امريكان.
ويصح القول ان تنافسا حادا طرأ على العلاقات بين القوى السياسية العراقية المتواجدة على الساحة، ربما سيؤول في المستقبل الى إنقسامات تضعف البنية العراقية مما يجعلها غير قادرة على تنفيذ مهامها الوطنية بالشكل الصحيح.

ركائز المجتمع المدني
ولعل المشكلةالكبرى التي تواجة اول عملية انتخابية هو غياب ركائز المجتمع المدني المستقر، وانحسار الرموز الفعلية له والمتمثلة بالتنظيم النقابي والمؤسسات المدنية مثل الجامعات والنقابات المهنية، اضافة الى غياب النشاطات غير الحكومية والتي غالبا ماتوفر فرصة لقطاعات واسعة من الشعب من التعبير عن رايها بدون تدخل من الاحزاب التي تسعى لكسب الاصوات.
وهكذا اضحت المشكلة في العراق وجود رأي عام جاهل مضلل دون ان يدري لا يستطيع ان يرى الحلول الصحيحة للمشاكل التي يعانيها، لان جميع الاحزاب تحمل ذات الشعار في خدمة العراق وبناءه، بدون ان تعلن ادواتها في عملية البناء هذه، وكل هؤلاء الذين يتكلمون باسم العراقي دكتاتوريون في احزابهم ولا يمكنهم الخضوع لحكم جماعة منتخبة تتوزع فيما بينها الصلاحيات وتشارك في صنع القرار.
المجتمع العراقي اليوم يذهب الى الديمقراطية بعقليتين ليس الا، عقلية من يريد دولة دينية تمتلك مواصفات ( السَّلَف الصالح ) واخرى تبغي دولة ديمقراطية حديثة ولكن يجب ان يحكمها رجل قوي، وكلا العقليتين لا تصلحان لبناء دولة عصرية.

استعراض العضلات
وكل سياسيي العراق اليوم محاطون بالمؤيدين والمنافقين بغية كسب الهيبة التي تقوّي شرعية الوجود ياستعراض العضلات والاتباع، والدليل ان كل شوارع العراق اليوم تمتلا بالنصب التي تعبد والميليشيات التي تفرض عليك القواعد والاصول.
ولن تكون العملية الديمقراطية العراقية سهلة المنال لان الاحزاب ذاتها لم تتجاوز بعد طريقة الحاكم الفرد وزعيم العشيرة في اختيار قادتها، وهذه الاحزاب مهياة الان تماما كحزب البعث لانتاج وتخريج أجيال من الفاشيين يتعصبون للحزب والطائفة وهذه الأحزاب تعلن انها تؤمن بالتعددية والقبول بالراي الاخر لكنها تخفي حقيقة انها تسعى خلف الكواليس وبالتحالف مع قوة خارحية، امريكية وايرانية واردنية وسورية واطراف اخرى، تنتظرالفرصة التي تقفز فيها على كرسي الحكم لتبدأ مرحلة جديدة من حكم الفاشيين والمستبدين.

مستشارون اجانب
والادهى من كل ذلك ان كل الاحزاب العراقية ( عدا الشيوعي العراقي )، ناهيك عن الوزارات العراقية تمتلك مستشارين اجانب ( امريكان وغيرهم ) يديرون من خلف الستار اجندة بلدانهم.
وتصر هذه الكيانات السياسية التي راحت تشكل قوائم انتخابية ينطبق عليها المثل العراقي ( من كل زيج ركعة ) وكلها تتشابه في اللون والرائحة محاولة تسويق نفسها والتقرب من الراي العام الذي يجهل الاسماء والمسميات على الرغم من اقتراب موعد الانتخابات. وعدا مايسمى بالقائمة الشيعية التي تكتسب قوتها من دعم السيستاني وكتلة بشرية كبيرة على الارض فان كل القوائم الاخرى هي صدى للطبل في الغابة، تسمع له جعجعة ولا ترى منه طحنا.
والملفت للنظر إن جميع اطراف المحفل الانتخابي بمن فيهم حزب الدعوة والعمل الإسلامي وحركة الوفاق والمجلس الاعلى والمؤتمر الوطني والاحزاب الكردية لم تعرف الديمقراطية منهجا تطبيقيا ولم تمارسه في يوم من اليوم بالرقم من قدمها السياسي، وهي اقرب ماتكون الى القبائلية والعشائرية منها الى الاحزاب السياسية، وهي تحاول اليوم الالتفاف على الديمقراطية الحقيقية بايجاد توافقية سياسية من خلال ديمقراطية تشاركية يتداول فبها رؤساء الاحزاب الكراسي بدون ان يكون للشعب راي في القضية التي بدت انها معدة سلفا.
وليس بالامر الغريب ان تاتي نتائج الانتخابات العراقية تمام كمثيلتها الافغانية، وان يتمخض عنها كرزاي عراقي، ومثلما فاز كرزاي بانسحاب مرشحيه فان رجل العراق الجديد سيفوز بتوافقية مفروضة من الولايات المتحدة، وهو ترتيب ستكشفه الايام اللاحقة.

النية الحقيقية
ان نمو الارهاب في العراق كان نتيجة طبيعية لسوء الفهم الذي ساد اوساط المعارضة العراقية حول نيات الادارة الامريكية بعد احتلال العراق، ولو كانت هناك قيم ديمقراطية تسود العلاقات العراقية الامريكية لتم الافصاح عن نية امريكا الحقيقية في العراق، في تحويل العراق الى ساحة أستقطاب لبؤر الارهاب في العالم بحيث اصبحت الحالة العراقية رهينة لنظرة امريكا للارهاب في العالم، فالولايات المنحدة تضع الاولوية القصوى في التعامل مع أي نظام لمصالحها، حتى وان تحققت عبر نظام فردي جديد يمكن ان ينهض في العراق بعد حين.

ان المشكلة الحاصلة الان في المدن العراقية ان الجميع ينادي بالديمقراطية،لكنها ديمقراطية تحتكرها القوى التي تمتلك السلاح والوعيد والميليشيات، يدور حولها الكثير من الهمز واللمز، باعتبارها مغشوشة بسبب إزدواجية المعايير لدى السياسيين. وفي هذه الحالة تتساوى مساوئ المستبد السابق باخطار دكتاتورية احزاب وجدت في الانتخابات وسيلة لتمرير اجندة يغفل عنها الشعب الراقي مثلما غفل سنينا طوال عن اكاذيب وحيل الحاكم السابق، وستكتشف البضاعة الفاسدة ولكن بعد تمتلآ الاسواق بالرائحة النتنة.
[email protected]