قال توماس فريدمان في مقال منشور في الشرق الاوسط ما يقوله لنا العالم أجمع ولكننا لا نريد أن نسمع.." لا نريد حبكم.. أحبوا أنفسكم أولا".. قالها بصراحة وأنا اؤيده تماما مهما كان البعض فيه.. وأرد عليه نحن أيضا لا نريد حبكم.. وهذا ما يقوله العالم أجمع.. لنا ولأمريكا لأننا بصراحة اصبحنا مشكلة للعالم ومشكلة لأنفسنا.. كما هي أمريكا تماما وخاصة أدارة بوش مشكلة لشعبها ومشكلة للعالم..
وأنا أوافق فريدمان تماما عندما يقول:
"وأعتقد أن التوترات بيننا وبين العالم الإسلامي ناتجة بصورة أساسية من الظروف التي يعيش في ظلها كثير من المسلمين، وليس مما نفعله نحن. وأعتقد أن الناس الأحرار الذين يعيشون تحت نظم منتخبة، بوسائل إعلام حرة، لا يقضون وقتا طويلا وهم يفكرون في جهات يكرهونها، وأخرى يلومونها وثالثة يشنون عليها الهجمات. البلدان الحرة لا يقودها أشخاص يوجهون سخط شعوبهم و«مفكريهم» بعيدا عنهم ليوجهوه إلى أميركا "
فعلا هذا ما تفعله حكوماتنا فهي تستخدم الاعلام الحكومي والممول المشبوه لتوجيه سخط شعوبها بعيدا عنها ونحو أمريكا.. هذا ما تفعله قناة مثل الجزيرة علي وجه الحصوص وما تفعله صحف ترفع الشعارات الثورية الرنانه مثل صحيفة الاسبوع القاهرية أو صحيفة القدس العربي اللندنية.. كلها صحف ووسائل أعلام تصب في النهاية في مصلحة حكومات ديكتاتورية من نوعيات مختلفة..قد تبدو مصالحها متضاربة في ظاهر الامر.. ولكنها تشترك جميعا في قهر شعوبها والتحكم في السلطة والثروة..وكلها تساعد في توجيه سخط الشعوب نحو أمريكا وبعيدا عنها..
فعلا الناس الاحرار الذين يعيشون في ظل نظم حكم ديمقراطية لا يقضون الوقت وهم يفكرون في جهات يكرهونها ويشنون عليها الهجمات الارهابية..ولكنهم يقضون الوقت في العمل لبناء بلدهم وتحسين مستوي معيشتهم لينافسوا أمريكا وغيرها اقتصاديا.. هذا ما تفعله الشعوب الآن في شرق آسيا و دول أوروبا الشرقية لتعويض الوقت الذي ضاع منها عندما كانت تحكم من خلال حكومات من نوعية حكوماتنا الآن..
ولكني أقول له في نفس الوقت أن الأدارة الامريكية بسياستها الخارجية التي تتميز بغباء سياسي شديد.. ساعدت علي تشجيع كل جماعات التطرف الاسلامي في الماضي بحجة محاربة الشيوعية لمنعها من الوصول الي الشرق الاوسط ودورها في التخطيط والتمويل لكل ماسمي جماعات الجهاد في أفغانستان يعرفه القاصي والداني.. بغرض أغراق الاتحاد السوفيتي في مستنقع أفغانستان..
وعندما انقلب السحر علي الساحر لأن الولايات المتحدة لم تستطيع أن تقدر حساسية بقاء قواعد عسكرية لها في الجزيرة العربية بعد حرب تحرير الكويت وتقاعسها عن الخلاص من نظام صدام الديكتاتوري في عام 91 رغم أنها كانت تملك الشرعية الدولية في ذلك الوقت وتملك في صفها عددا لا باس به من الدول العربية يساندها ويضفي علي عملها شرعية عربية وليست دولية فقط.. ولكن بوش الاب تقاعس لحسابات سياسية خاطئة عن اتمام المهمة ثم الانسحاب عسكريا من جميع القواعد في الجزيرة العربية.. هذا الخطأ الاستراتيجي هو ما أدي الي تصاعد التطرف في العالم العربي الي جانب الخطأ الدائم بمساندة اسرائيل مهما ارتكب حكامها من مذابح واخطاء سياسية فادحة..
أن أمريكا بسياستها الخارجية الخاطئة مسئولة مسئولية كبيرة في الماضي البعيد والقريب عن تكوين والمساعدة علي نمو كل جماعات التطرف الديني في العالم العربي بطريقة مباشرة وغير مباشرة مما أدي الي أحداث 11 سبتمبر.. وهي مسئولة الآن أيضا عن نمو هذه المشاعر بين الشعوب العربية والتعاطف مع كل جماعات العنف من القاعدة وبن لادن الي جماعات الخطف والذبح في العراق بقيادة الزرقاوي وغيره علي اعتبار انهم يقفون ضد ويقاومون الهيمنة الامبريالية الامريكية وليس اقتناعا ايديلوجيا بأفكارهم..
أن غزو العراق للأطاحة بصدام ذلك العمل الذي كان يستطيع ان يقوم به بوش الاب بسهولة في 91.. ثم قرر اتمامه بوش الابن دون غطاء الشرعية الدولية وبحجة واهية هي البحث عن اسلحة الدمار الشامل التي لم يجدها ابدا.. لم يساعد أمريكا ولا أدارة بوش في حربها ضد الارهاب بالعكس أنه أعطي نفسا جديدا لكل جماعات الارهاب وأعطاها مصداقية كانت تحتاجها كمقاومة ضد الاستعمار الامريكي فقد اصبح هذا الاستعمار واقعا قبيحا علي الارض..
لقد كانت هناك وسائل كثيرة وغير مباشرة للتخلص من صدام ونشر ثقافة الديمقراطية في العالم العربي غير التدخل العسكري المباشر.. أن الغزو العسكري للعراق للأسف جعل الحرب ضد الارهاب اكثر صعوبة بالنسبة لأمريكا وبالنسبة للعالم.. وجعل الكفاح من أجل الديمقراطية في العالم العربي أكثر صعوبة لكل دعاة الديمقراطية والحرية في عالمنا المنكوب بثقافة الديكتاتورية..
أذا ما هو الحل ؟
مرة أخري أجدني أؤيد ما يقوله فريدمان ايضا موجها الكلام للأدارة الأمريكية.. ومحبذا أتمام الانتخابات في العراق مهما كانت المصاعب ومهما كانت النتائج.." سيتحسن الموقف الأميركي في العالم الإسلامي، عندما يملكون هم زمام أمرهم. فعندما توضع أمام الناس مسؤولية إدارة بلدهم، وعندما يتمتعون بفرصة التحكم في حياتهم، فإنهم سيركزون على أنفسهم، وليس علينا نحن. وكلما زاد نصيبهم من ذلك كان ذلك أفضل "...
أنها نصيحة للأدارة الأمريكية كم أتمني أن تعيها.. أن تتركنا لحالنا نتولي زمام أمورنا ونحاول حلها بأنفسنا دون تدخل منها.. لأن تدخلها السافر الذي يتميز بغباء سياسي نادر يعقد ولا يساعد مساعي انصار الديمقراطية والليبرالية في العالم العربي.. أذا ارادت ان تساعد في نشر الديمقراطية في العالم العربي وهو الضمان الوحيد للقضاء علي الارهاب فلتساعد من خلال مؤسسات الامم المتحدة في التنمية الاقتصادية للشعوب وليس الحكومات ولتتوقف هي عن الدعم السياسي للحكومات الديكتاتورية في عالمنا العربي ولتسرع بالمساعدة في حل القضية الفلسطينية حلا عادلا ودائما..
هذه هي الطريقة الوحيدة ان أرادت أمريكا كسب الحرب علي الارهاب.. أمريكا لاتحتاج حبنا كما قال فريدمان وأنا أقول له نحن أيضا لا نريد حب أمريكا ولا تدخلها المباشر في شئوننا.. نحن نريدها أن تساعد علي نشر التمية الاقتصادية ومحاربة الفقر ونشر ثقافة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان من خلال المؤسسات الدولية..من خلال التعاون مع الأمم المتحدة وليس الهيمنة عليها أو تخريبها والقضاء عليها.. أن التدخل المباشر لأمريكا في شئون العالم وشئون الشرق الاوسط يزيد من مشاعر العداء ضدها ويساعد علي نمو الارهاب والتطرف وليس العكس..
يقول لنا توماس فريدمان لانريد حبكم و أقول له ونحن أيضا لا نريد حبكم ولكننا نريد تعاونكم في بناء عالم أكثر أنسانية واكثر عدلا من خلال بناء نظام عالمي جديد لا تهيمن عليه الولايات المتحدة..
د. عمرو اسماعيل
التعليقات